في شهر شباط المنصرم زار رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن. وتشكل هذه الزيارة لحظة هامة في الشراكة المستمرة بين إقليم كوردستان والولايات المتحدة. كما أنها تبين التعاون الاستراتيجي والمتعدد الجوانب بينهما.
وهي تؤكد أيضاً التزام الطرفين بتعزيز علاقاتهما، مع التركيز على التعاون الأمني والاقتصادي والسياسي. وكان تعزيز هذه الصداقة بشكل أكبر محور المناقشات بين رئيس الوزراء بارزاني وكبار المسؤولين الأمريكيين، حيث أكد الجميع على ضرورة المشاركة بقوة في تعزيز السلام والازدهار والاستقرار الإقليمي.
من جهة أخرى قال رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني عقب الزيارة معبرًا عن مشاعره وأهمية هذه الزيارة إلى واشنطن، وهي الأولى بصفته الرسمية: إن علاقاتنا مع الولايات المتحدة ما زالت قوية.
علاقات مبنية على شراكات سابقة
في عام 2005، قام السيد مسعود بارزاني (بصفته رئيس إقليم كوردستان) بزيارة تاريخية إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. كانت الزيارة دليلاً على العلاقة المتنامية بين إقليم كوردستان والولايات المتحدة ووضعت سابقة رسمية للتعاون والشراكة الاستراتيجية في المستقبل.
وقد مثَّل ذلك اللقاء لحظة حاسمة في التاريخ السياسي الكوردي، حيث دعمت الولايات المتحدة الأمن والازدهار والحكم الديمقراطي في المنطقة عبر اتباع الدبلوماسية الاستراتيجية. وبذلك تأسست منصة أساسية لشراكة دائمة، تجسدت في العمل المستقبلي المشترك حين التقى رئيس الوزراء الحالي مسرور بارزاني بالرئيس السابق بوش أثناء هذه الزيارة.
وقد قال رئيس الوزراء مسرور بارزاني في منشور له على منصة إكس: إنني تشرفت برؤية الرئيس بوش خلال زيارتي للولايات المتحدة. وشكرته على دعمه الشخصي لشعب إقليم كردستان والعراق وتحرير العراق من دكتاتور وحشي ودعم العملية الديمقراطية في البلاد.
وبالرغم من دفء العلاقات بين إقليم كوردستان والولايات المتحدة فإنها تعتمد بشكل كبير على الدولة العراقية وفي نطاق أوسع، على السياسة العراقية. وتعتبر الديناميكيات بين أربيل وبغداد حاسمة لوجودهما وللتوازن الجيوسياسي الأوسع في الشرق الأوسط. وقد شرح ديفيد رومانو، أستاذ السياسة الشرق أوسطية في جامعة ولاية ميزوري، طبيعة العلاقات العراقية الكوردية الهامة بقوله لـ Kurdistan Chronicle:
لقد "كانت هذه أول مرة يزور فيها مسرور بارزاني واشنطن كرئيس لوزراء إقليم كوردستان، وجاءت الزيارة في وقت مقلق جدًا لإقليم كوردستان. حيث بدأت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في بغداد - التي لم تشكل حسب أحكام الدستور العراقي - في إصدار قرار تلو الآخر لتحجيم استقلالية إقليم كوردستان، بما في ذلك قوانين الانتخابات ورواتب الموظفين الكوردستانيين والنفط وقضايا أخرى،".
توازن حساس
كان توقيت زيارة رئيس الوزراء بارزاني لافتاً بشكل خاص. فقد تزامن مع زيادة الاهتمام بالتحديات الإقليمية، بما في ذلك التهديدات التي تشكلها الميليشيات المدعومة من إيران وعودة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". كانت هذه المخاوف الأمنية أساسية، خاصة في سياق حماية الجنود الأمريكيين وضمان استقرار المنطقة. ومن المتوقع أن تكمل زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى العاصمة الأمريكية في وقت لاحق من آذار هذه المناقشات، من خلال التركيز على قضايا حيوية مثل إيران والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والمشهد الأمني العام، بما في ذلك سلامة الجنود الأمريكيين.
أضاف رومانو: "سيسعى رئيس الوزراء العراقي السوداني إلى الحفاظ على دعم الولايات المتحدة للعراق دون شروط، في حين يطالب قادة إقليم كوردستان العراق باستخدام الدعم الأمريكي للعراق كوسيلة للضغط على بغداد لاحترام الحكم الذاتي الكوردي وتنفيذ التزاماتها الدستورية. في نفس الوقت يجب على السوداني أن يحافظ على التوازن بين علاقته مع كل من الولايات المتحدة وإيران، محاولًا عدم إثارة استياء أي طرف منهما".
ترتكز زيارات القادة الكوردستانيين والعراقيين إلى الولايات المتحدة على توحيد الجهود لمعالجة التحديات الإقليمية الملحة من خلال القنوات الدبلوماسية والتحالفات الاستراتيجية. وتسلط هذه التطورات الضوء على أهمية العلاقات بين أربيل وبغداد وواشنطن.
يقول رومانو: "ما زلت غير متأكد مما إذا كانت إدارة بايدن لديها سياسة خارجية في الشرق الأوسط وخصوصًا كوردستان. لديها أهداف قصيرة الأمد، مثل منع اندلاع حرب كبرى في المنطقة وتجنب التصعيد مع إيران، ولكن بخلاف ذلك لا أعرف أن لها رؤية أو استراتيجية أكبر لتحقيقها".
كان البعد الأمني للشراكة، خاصة من خلال التعاون مع قوات البيشمركة، أساسيًا في إسقاط صدام حسين وخلق الاستقرار، فضلاً عن محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتهديدات الإرهاب المستمرة الأخرى. وأشار رومانو إلى أن التعاون في هذه المجالات، بما في ذلك الجهود المستمرة للإصلاح، إلى ركيزة لتحالف إقليم كوردستان العراق مع الولايات المتحدة.
يقول رومانو: "أعتقد أن الولايات المتحدة ستستمر في مساعدة البيشمركة بطرق مختلفة، بما في ذلك الرواتب، ولكن قد تشهد هذه المساعدة تقليصات مع مرور الوقت. وفي حال تمكن البيشمركة من الاتحاد تحت وزارة البيشمركة بشكل حقيقي وكامل، يمكن أن يغير ذلك الكثير إلى الأفضل. مثل هذا الاتحاد أمنية قوية للأمريكيين".
إلى الآن لا يتلقى إقليم كوردستان حصته من الميزانية من بغداد. وتعاني حكومة الإقليم من عقبات في تصدير النفط وواجهت هجمات غير مبررة من وراء الحدود. حتى نظام تخصيص المقاعد المخصصة لأحزاب الأقليات داخل كوردستان تم إلغاؤه. وسط هذه التحديات، شجع رئيس الوزراء بارزاني نمو القطاع الخاص في كوردستان.
يقول ستيف لوتس، نائب رئيس شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأعمال الأمريكي العراقي التابع لغرفة التجارة الأمريكية: "يمكن أن تقوض التوترات التي تشهدها المنطقة ثقة المستثمرين والشركات التي قد لا تمتلك بالفعل وجوداً قوياً في إقليم كوردستان والعراق".
ويضيف: "بالطبع، كانت زيارة رئيس الوزراء بارزاني ووفده فرصة لتسليط الضوء على التحالف القوي وطويل الأمد مع الولايات المتحدة على عدة جبهات. فمن الناحية الاقتصادية، كان الفارق واضحاً، مقارنة مع الزيارات السابقة، وهو استمرار إغلاق خط أنابيب النفط بين العراق وتركيا وعدم القدرة على تصدير النفط من إقليم كوردستان. ينطوي الأمر على عواقب سيئة للشركات الأمريكية وإقليم كوردستان والعراق، منها فقدان مليارات الدولارات مع استمرار التحدي، لذلك فنحن نشجع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات ملموسة لإعادة فتح الخط واستئناف تصدير النفط".
القيم المشتركة والمصالح والاحترام المتبادل
تتميز العلاقة بين إقليم كوردستان والولايات المتحدة بالتضحيات المشتركة والتعهدات بالتزام المبادئ الديمقراطية، وهي شراكة فريدة في الشرق الأوسط المضطرب والذي يعاني الركود السياسي في كثير من الأحيان. وقد جاءت زيارة رئيس الوزراء بارزاني، بعد ما يقرب من 25 عامًا من تحرير العراق بقيادة الولايات المتحدة، لتوفر تفاؤلاً متجددًا ونظرة على مستقبل العلاقة.
يقول لوتس: "تأتي زيارة رئيس الوزراء بارزاني في وقت يشهد قدراً كبيراً من الاضطرابات في جميع أنحاء المنطقة. ويلقي هذا الأمر ظلالاً على كيفية رؤية المستثمرين والشركات للفرص المحتملة، حيث يدركون التحديات الأمنية التي قد يواجهونها عند دخول السوق".
بالإضافة إلى ما سبق، فإن الشراكة المستمرة بين إقليم كوردستان والولايات المتحدة تمثل منارة للالتزام المتبادل بالأمن والازدهار الاقتصادي والقيم الديمقراطية في منطقة معرضة للتحديات. وعلى الرغم من العقبات، مثل النزاعات الدستورية مع بغداد والتهديدات التي يتعرض لها الاستقرار الإقليمي، تواصل حكومة إقليم كردستان والولايات المتحدة التغلب على هذه التعقيدات من خلال الحوار والتعاون المستمرين.
إن التعاون الاستراتيجي المستمر على أعلى المستويات الحكومية هو أكثر من مجرد شهادة على المصالح المشتركة؛ وهو الأساس الذي سوف يُبنى عليه مستقبل المنطقة. ومع تطور التحديات، ستتطور هذه الشراكة أيضًا. إن علاقة حكومة إقليم كردستان والولايات المتحدة هي بمثابة تذكير قوي بقدرة التحالفات المبنية على القيم والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل على التغيير.
كريس يوهانس
صحفي دولي وخبير في الاتصالات ومحرر، أقام لفترة من الزمن في إقليم كوردستان وقام بتغطية المواضيع العراقية والكوردية منذ عام 2016 إضافة إلى عمله في الولايات المتحدة وألمانيا والشرق الأوسط