ولدت كاروج طه في زاخو سنة 1987 وهاجرت مع عائلتها سنة 1997 إلى ألمانيا. ترعرعت في مدينة دويسبورغ الألمانية لتدرس فيما بعد في جامعة دويسبورغ – ايسن وفي أمريكا حتى تخرجت مدرسة لمادتي اللغة الإنجليزية والتاريخ في المدارس الثانوية، لكنها توقفت عن مهنة التدريس وتفرغت للكتابة بعد أن وجدت أعمالها الأدبية صدى كبيراً في ألمانيا.
نالت الكثير من الجوائز والمنح، منها منحة دعم الكتابة لمقاطعة شمال الراين ويستفاليا 2018، المنحة الأدبية لمدينة برلين عام 2018، منحة هاينريش هاينه 2019، جائزة هوهِنْايمسر للأدب 2019، جائزة هورست بينغل للأدب 2020، وأخيراً ميدالية الفريد دوبيلن 2021.
حين وصلت كاروج طه إلى ألمانيا قالت لها معلمتها الابتدائية إن عليها أن تقرأ الكتب لكي تحسن لغتها الألمانية وهذا كان أول تواصل لها مع عالم الأدب، حيث تعرفت على قصص وحكايات بلغة غير لغتها لكنها تتقاطع مع ما كانت تحكيه لها أمها بالكوردية، ثم تحول شغف القراءة لديها إلى شغف الكتابة. لا يعجب كاروج طه أن يوصف أدبها، بأدب المهاجرين رغم أنها تكتب بالدرجة الأولى عنهم، لأن هذا التعبير يعتبر في اعتقادها انتقاصاً من قيمة هذا الأدب، ويأتي صفة ملازمة كي يبقى خارج "الأدب الألماني البحت"، وهي معاناة يعانيها جميع "المهاجرين" الذين يكتبون بلغة غير لغة البلد الأصل، ما يعطي الانطباع بنوع من التمييز ودلالة على أن ما يكتبه "الطارئون" أدنى قيمة مما يكتبه "الأصلاء".
حتى اليوم نشرت كاروج طه روايتين بالألمانية، الأولى بعنوان "وصف هجرة السلطعون" عام 2018 والثانية بعنوان "في بطن الحوت" عام 2020 لدى دار دوي مون (من العالم) في مدينة كولونيا.
وصف هجرة السلطعون
تتطرق كاروج طه في روايتها هذه إلى المجتمع الكوردي في مدينة دويسبورغ بمنطقة نهر الرور Ruhr Gebiet، وهي منطقة كانت مشهورة بالصناعات وبمينائها النهري الذي يعتبر أكبر ميناء داخلي في العالم، ولهذا لجأ إليها الكثير من المهاجرين بحثاً عن فرص العمل.
في هذه الرواية تصف كاروج طه بخط روائي متصاعد حياة المهاجرين الكورد من خلال سكان بناية عالية يقطنها الأكراد بالدرجة الأولى. يجدر الذكر هنا أن وصف "البناية العالية" لا يعتبر صفة حميدة بقدر ما هي دلالة على مجتمع مهاجرين شبه معزول عن المجتمع المضيف. في هذا المجتمع المغلق تعيش الشابة سناء في عالم مصغر بين متناقضات كثيرة وعلى رأسها التناقض بين المجتمع الكوردي الداخلي والمجتمع الألماني الخارجي، وهي تصطدم، بصفتها شابة ومهاجرة، بالمجتمعين وتقييماتهما المتناقضة للأصول والعادات والثقافة والحرية الشخصية. ففي مجتمعها الكوردي تعاني الطالبة الجامعية، ابنة الاثنين والعشرين عاماً، من الشعور بالمراقبة الدائمة وهي الشابة ذات الأحلام الكبيرة والطموحات الواسعة، والتي ترغب في أن تعيش حريتها مثل صديقاتها الأخريات. لكنها لا تستطيع التمتع علناً بحياتها كما تشاء وتعود حتى في أحلامها إلى الواقع الصارم، واقع الأب الغائب، الأم المصابة بالكآبة، العمة التي تراقب كل تفاصيل الحياة الشخصية والأخت المراهقة "هيلين" الغاضبة والتائهة بدورها في تلك الحياة بين طرفي نقيض. إذن تعيق صرامة مجتمع البناية والمراقبة الدائمة لكل الحركات والسكنات حرية سناء، فنراها تبحث عنها في الخارج، خارج المحيط القاسي، لتجدها بين زميلاتها في الدراسة. إن أدوات كاروج اللغوية تساعدها على التعبير بحرية أكبر عما يعتمل في نفسها وفي مجتمعها الكوردي المصغر. ولا يخلو عنوان الرواية إلى تلميحات مبطنة ونقد لما يحدث ضمن المجتمعات المهاجرة التي لا تجد نفسها هنا ولا هناك، فلا هي تقدر على الاندماج التام بالمجتمع المضيف، ولا هي تستطيع المحافظة التامة على ما نشأت عليه، نتيجة البيئة المحيطة، المتنوعة، المتعددة المشارب والأصول.
في بطن الحوت
في إشارة رمزية واضحة إلى قصة النبي يونس تأتي رواية كاروج طه الثانية أيضاً عن مجتمعها الكوردي، كخلية من الفضاء العام بكل تنويعاته في ألمانيا. هنا كما في روايتها السابقة تأخذ النساء أدوار "البطولة"، حيث يقتصر حضور الرجال على غيابهم أو تغيبهم، على تنحيهم عن الحياة أو الاقتصار على دور "صياد النساء".
بطلتا الرواية هما شهيرة وأمل، سيدتان من البيئة الكوردية الألمانية. شهيرة، أم يونس، امرأة مطلقة، متحررة من القيود المفروضة عليها، يعاديها مجتمعها الصغير لأنها تعيش حياتها كما تريد بقرارها الحر ولا تأبه بنظرات الآخرين إليها وأطماعهم فيها. أما أمل، صديقة يونس، فنتعرف من خلالها على عالم آخر. تقول كاروج طه إن روايتها هذه تسرد واقعين مختلفين، أو احتمالين لسرد نفس الحكاية من منظارين مختلفين، أو النظر إلى الوقائع من وجهات نظر مختلفة.
الشخصيات الشابة في الرواية هي أمل ورفيق ويونس، وتصر كاروج طه أن موضوعها لا يقتصر فقط على المجتمع الكوردي المهاجر، إنما هي قضية المجتمع الألماني عموماً. والجديد في رواية "في بطن الحوت" ليس الحبكة ولا معالجة قضايا المجتمع الكوردي في المهجر الألماني، إنما طريقة السرد. وهي طريقة سردية حديثة بحيث يستطيع القارئ ذاته أن يقرر متى يبدأ حكاية ومتى ينهيها. نحن هنا أمام "قصة" لها بدايتان ونهايتان، لكنها في الواقع قصة واحدة يتم سردها من وجهتي نظر مختلفتين، لشخصيتين مختلفتين.
تعالج كاروج طه في أعمالها مصائر النساء الكورديات وصراعهن من أجل المحافظة على ذواتهن من ناحية ومن أجل حريتهن من ناحية أخرى، حيث يعانين المراقبة والتجسس، تلك العلاقات المشبوهة والمجاملات غير الصادقة التي يتم التعبير عنها باللسان، بينما القلوب مليئة بترقب هفوات الآخرين في الحي ومراقبتهم من شرفات البنايات العالية، حتى الأطفال الذاهبون إلى مدارسهم، كما يفعل الناس في قرية صغيرة في أقاصي العالم. ومن ناحية أخرى تعالج كاروج طه مآسي المهاجرين الذكور، مع أنهم ليسوا شخصيات رئيسية في أعمالها وتحديداً الذكور المتعلمين وخريجي الجامعات، الذين لا يمكنهم ممارسة مهنهم التي درسوها في بلادهم، لأن البيروقراطية الألمانية تضع أمامهم الكثير من العوائق أو لأن اللغة الألمانية تضع أمامهم أسواراً عالية لا يمكنهم تجاوزها.
كاميران حوج
كاتب ومترجم كوردي يقيم في ألمانيا. ترجم العديد من الروايات الألمانية إلى العربية