مرصد كورك: نافذة كوردستان على النجوم

وسط روعة الجروف الصخرية في إقليم كوردستان العراق، وعلى قمة جبل كورَك الوعر، ثمة شاهد على الطموح البشري والإبداع العلمي، وكل ذلك بلمسة من العجائب الكونية. يعتبر مرصد كورك جوهرة سم

مرصد كورك: نافذة كوردستان على النجوم
April 25, 2024

وسط روعة الجروف الصخرية في إقليم كوردستان العراق، وعلى قمة جبل كورَك الوعر، ثمة شاهد على الطموح البشري والإبداع العلمي، وكل ذلك بلمسة من العجائب الكونية. يعتبر مرصد كورك جوهرة سماوية في إقليم كوردستان، وهو بمثابة منارة للفضول ورمزِ للصمود في مواجهة الشدائد. هنا، في هذا الركن النائي من العالم، تهمس النجوم بأسرارها لعلماء الفلك الذين يغامرون بكشف أسرار الكون.

يتحفنا هوكر جتوHogir Çeto، عالم الفلك الكوردي ورئيس الجمعية الفلكية الكوردستانية، بالتاريخ الاستثنائي لمرصد كورك. يعود تاريخ هذا الصرح العلمي، المهجور الآن، إلى بداية السبعينيات، عندما جمع الرئيس العراقي أحمد حسن البكر مجموعة من العلماء لاستكشاف الكون. كان الحلم جريئاً ويتمثل في بناء مرصد فلكي في العراق يمكن أن ينافس أفضل المراصد في العالم. مع تخصيص مبلغ ضخم قدره 170 مليون دولار للمشروع، كان ذلك المسعى الطموح يستهدف النجوم.

وذكر جتو أن المشروع تضمن تعاونًا عالميًا، مع فرق علمية من الاتحاد السوفييتي ومصر والولايات المتحدة تلتقي كلها في العراق لتقييم المواقع المحتملة. وكان من المقرر في البداية أن يسمى المرصد بالمرصد الفلكي الوطني العراقي. ولكن، عندما شرعت الفرق في عملية المسح واسعة النطاق، واجهت طقسًا قاسيًا أثناء فحصها للمواقع المختلفة، بما في ذلك جبل سنجار، على ارتفاع 1500 متر. لكن قوى الطبيعة التي لا يمكن التنبؤ بها قادتهم إلى جبل كورك، على ارتفاع حوالي 2127 مترًا فوق مستوى سطح البحر.

وبعد بحث مستفيض، اكتشف علماء الفلك أن جبل كورك يمثّل بالفعل جنة سماوية، حيث يتمتع بـ 250 إلى 252 ليلة صافية كل عام. وفي عالم الفلك وفقًا لجتو، يعد هذا الصفاء كنزًا لا مثيل له. كان الاختيار واضحاً: كان من المقدر لجبل كورك أن يصبح مركزاً للاستكشاف الفلكي. تتيح السماء الصافية تماماً فوق جبل كورك نظرة إلى العالم حيث تكشف فيه الأجرام السماوية أسرارها دون عائق التلوث الضوئي أو التدخل الجوي.

علم الفلك وأكثر

مرصد كورك ليس مجرد صرح فلكي؛ فهو مجمع علمي شامل مقسم إلى أجزاء متعددة. ينقسم المجمع العلمي إلى ثلاثة أقسام مع تلسكوبين بصريين يجذبان مراقبي النجوم ومرصد راديوي يستقبل موجات غير محسوسة للحواس البشرية. وذكر جتو أن المجمع يضم أيضًا وحدات سكنية، ومتاحف، وأنفاق تربط بين الأقسام، وناديًا علميًا، وصالة ألعاب رياضية، وقاعة ألعاب، ومختبرًا للعلوم، وقسمًا إداريًا. ويلتزم كل بناء بالمعايير الدولية، وذلك بفضل الشركات الألمانية فريدريش كروب، ليبهابر وتزايس ZEISS.

ويتمثل درة تاج المرصد في تلسكوب عاكس يبلغ قطره ثلاثة أمتار ونصف. وقد احتل في عام 1983، المرتبة الثالثة عشرة عالمياً من حيث الحجم. ويبلغ وزن مرآة كورك التي قامت شركة تزايس بصناعتها، خمسة أطنان، ويُضرب بها المثل من حيث الدقة والجودة.

ويبلغ قطر القبة التي تحمل التلسكوب 15 مترًا وارتفاعها 18 مترًا. وفي الداخل، تسهل المختبرات المختلفة التقاط الصور وتحليلها، مما يجعلها مختبرًا فلكيًا ذا قدرة لا مثيل لها.

وتضم قبة أصغر تلسكوبًا مرآة بقطر يبلغ 1.25 مترًا، مع قبة بحجم مبنى مكون من ثلاثة طوابق. أما الجزء الثالث من المشروع، فهو التلسكوب الراديوي الذي لديه القدرة على التقاط الموجات المليمترية والموجات الصوتية من الكون. وقد تم بناؤه بواسطة كوبيه ومان Coupe & Mann ويبلغ قطره 30 مترًا، وكان ضخماً جداً في ذلك الزمن.

الأمل في التجديد

من المؤسف أن الأحلام التي حلقت بين النجوم تحطمت بسبب وقائع الحرب القاسية. ففي عام 1985، وخلال الحرب العراقية الإيرانية، أُصيب المشروع بثلاثة صواريخ، مما تسبب في أضرار جسيمة للتلسكوب الراديوي. على الرغم من هذه النكسات، لا يزال إرث مرصد كورك حيًا، وهو دليل على صمود الإنسان والفضول اللامحدود للروح الإنسانية.

ظهر بصيص من الأمل في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما قام عالم الفلك الأمريكي مايك سيمونز، مؤسس منظمة فلكيون بلا حدود، بزيارة المرصد، ولخّص جوهر القضية في مقال نشره في كانون الثاني/ يناير 2007 في مجلة ساينتفيك أمريكان بعنوان "رؤية النجوم في العراق". كان أمل سيمونز هو إمكانية استعادة هذا الملاذ الفلكي إلى مجده السابق، مما يعزز نهضة البحث العلمي في المنطقة.

ومع ذلك، فإن الطريق إلى النهضة لا يخلو من التحديات. لقد عمل جتو وفريقه على حشد الدعم من الباحثين العراقيين والسلطات الحكومية، غير أن الخلافات السياسية غالبًا ما أعاقت التقدم. يتطلب مشروع الترميم نحو 35 إلى 40 مليون دولار لبث حياة جديدة في المرصد، مع إمكانية تحويل أربيل إلى مركز عالمي لعلم الفلك.

ويبقى مرصد كورك رمزاً للمثابرة ودعوة للعالم للتكاتف لكشف أسرار الكون. وبما أنه يقف على أعتاب التجديد، فإن هذه الجوهرة الفلكية الواقعة في قلب إقليم كوردستان العراق توفر فرصة لتعزيز السياحة العلمية، وتشجيع التعاون العالمي، وإلهام الجيل القادم من علماء الفلك.

تهمس النجوم بأسرارها في ظل جبل كورك في انتظار اليوم الذي ستعود فيه البشرية لتنظر إلى الكون مرة أخرى.


صابر صالح

صحافي من إقليم كوردستان


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved