في بقعة نائية عن موطن الأجداد، خلبت مغنية وممثلة كوردية رائعة لُبَّ الكثيرين بصوتها المليء بالحيوية وأغانيها الصادقة.
إنها ظريفة باشايفنا مكويان، المعروفة باسمها الفني زارا، التي أصدرت مؤخراً أول ألبوم كوردي لها بعنوان Klama Dilê Min ، أي نشيد قلبي. يتكون هذا الألبوم من عشرة مقطوعات غنائية تشهد على ارتباطها العميق بوطنها وأحزان شعبها وآلامه. إن صوت زارا الآسر يتجاوز الحدود واللغات، ويجذب آلاف المعجبين بها في جميع أنحاء العالم.
تقول زارا في مقابلة مع مجلة Kurdistan Chronicle الصادرة بالإنكليزية: "لطالما حلمت بتسجيل ألبوم بلغتي الأم". ثم تضيف: "لقد أعلنت عدة مرات أن هذا الألبوم يمثل تكريماً لوالديَّ وأجدادي. فمنذ طفولتي المبكرة، كنت أستمع إلى الأغاني الكوردية على أشرطة الكاسيت، بينما كان والدي يغنيها. لقد كنت أحلم وأتمنى دائماً أن أعيد استكشاف مثل هذه الأصوات المألوفة بداخلي.
وعلى الرغم من أن زارا صعدت إلى الشهرة في المقام الأول من خلال الموسيقى الروسية، إلا أنها لم تنس جذورها الكوردية أبدًا. فهي تفتخر بهويتها الكوردية على خشبة المسرح وفي الحفلات الموسيقية العالمية، ويظهر شغف زارا واضحاً بتراثها في أغانيها. وأدى تفانيها في العمل الخيري والإنساني إلى الاعتراف بها سفيرةَ للسلام من قبل اليونسكو في عام 2016. كما كرمتها جمهورية روسيا الاتحادية وأسبغت عليها لقب الفنانة المتميزة في ذلك العام.
تقول زارا: "أينما كنا، يجب أن نتذكر الوطن". وتواصل القول: "لقد كنت أتطلع إلى تسجيل ألبوم باللغة الكوردية منذ فترة طويلة. كان الغناء بلغتي الأم حلمي دائمًا منذ أن بدأت الغناء في سن الثانية عشرة. من الضروري أن نغني من القلب والروح، ليس فقط لأننا كورد. وحين غنيت باللغة الكوردية قبل خمس سنوات، تلقيت الثناء من جميع أنحاء العالم”.
الألبوم الكوردي
بدأت رحلة زارا الموسيقية في سن مبكرة، حيث أصدرت ألبومها الأول وهي في الثانية عشرة من عمرها فقط. وبعد مضي سنوات، أصدرت أكثر من عشرة ألبومات، أسرت بها الجماهير في جميع أنحاء العالم. وفي عام 2017، أصبح حلمها في ألبوم كوردي حقيقةً وواقعاً، وذلك بفضل دعم وتعاون نجمة الموسيقى الشهيرة ياسمين ليفي. يضم ألبوم زارا الكوردي أغانٍ رائعة مثل "Dayê"، و"Keça Kurdim"، و"Welatê min"، و"Emane"، بالإضافة إلى دويتو مع الفنان Shivan Perwer.
تروي زارا قصة ألبومها الكوردي فتقول: “بدأت رحلتي معه عام 2017، حيث التقيت ولحسن الحظ، المغنية الرائعة ياسمين ليفي، نجمة الموسيقى العالمية، وأصبحنا أصدقاء حميمين. أخبرتها أنني حلمت بتسجيل ألبوم كوردي. فبادرت إلى دعمي وقالت إنها ستساعدني طوال الرحلة!"
بالإضافة إلى موهبتها الصوتية الرائعة، فإن زارا عازفة بيانو ماهرة، وقد تخرجت بمرتبة الشرف من مدرسة الموسيقى التي درست فيها البيانو. وساهمت قدرات زارا الموسيقية وتأثيراتها المتنوعة في بلورة رحلتها الفنية، ما دفعها إلى أن تصبح فنانة كوردية روسية بارزة. وعندما سُئلت عن المطربين الأكراد المفضلين لديها، تذكرت باعتزاز تأثير شڤان پَرْوَرْ وإبراهيم تاتليسس على تربيتها الموسيقية.
قالت زارا: "على حد ما أستطيع أن أتذكر، كان صوت شڤان پَرْوَرْ يُسمع في منزلنا، وهو الفنان الأول الذي عرفني على الموسيقى الكوردية. لقد كان صوته حرًا وثوريًا وعميقًا، وألحانه الموسيقية مليئة بهذه الروح والألم. لاحقًا، تعرفت على موسيقى ابراهيم تاتليسس، وتهت بين إيقاعاته وصوته المذهل.
بصفتها سفيرة اليونسكو للسلام، استخدمت زارا منصبها لتسليط الضوء على الثقافة والتراث الكوردي على المستوى الدولي. ومن خلال عروضها على مختلف المسارح، بما في ذلك في مقر اليونسكو في باريس، صارت تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على التنوع الثقافي والهوية الشخصية.
تقول زارا: "اليونسكو ليست منظمة سياسية. إنها تطبق أفكار التنمية المستدامة في مجال الثقافة والعلوم والتعليم من خلال التعاون الدولي. وبالنسبة لي فقد ركزت دائمًا في خطاباتي على ضرورة أن نعزز التنوع الثقافي ونسمح للأفراد بالتعبير عن أجمل ما لديهم. أنا فخورة بتقديم الثقافة الكوردية إلى الناس في جميع أنحاء العالم، وأشارك عمق وثراء هذا الشعب العريق."
كوردستان الحلم
على الرغم من أن زارا لم تزر، أرض أجدادها كوردستان بعد، إلا أن قلبها يتوق للذهاب إليها. ومع احتمال انعقاد مهرجان كبير يحضره العديد من الفنانين الكورد، فإنها تترقب الحدث الذي سيفسح لها المجال للالتقاء بمواطنيها بفارغ الصبر.
تقول زارا: "لم أذهب إلى كوردستان من قبل، لكنني أحلم بذلك. وفي المدى القريب جداً، سيكون هناك مهرجان كبير يشارك فيه العديد من الفنانين الكورد. وقريباً من موقع المهرجان تقع مدينة وان، حيث عاشت جدتي. الأمر مثير حقاً ومشوق بشكل خاص. إنني سعيدة بذلك حيث سيجتمع هناك أكثر من مائة ألف من مواطني بلدي ".
مع ارتفاع شعبيتها في كوردستان بعد إصدار ألبومها الكوردي الأخير، تخطط زارا لإقامة حفل موسيقي على هامش المهرجان، حيث ستؤدي أغاني من ألبومها، مما سيسعد جمهورها ويعزز ارتباطها بتراثها الكوردي.
من خلال التأمل في رحلتها الفنية، تعترف زارا بكل تواضع بأهمية الحب والدعم الذي تتلقاه من مستمعيها ومعجبيها. إنها تعتقد أن هذا هو المقياس الحقيقي لنجاحها وتأثير موسيقاها.
تقول زارا: "لا يمكن مقارنة أي من الجوائز الدولية العديدة بحب المستمعين والمعجبين". "محبة الجمهور هي التقييم الأهم لعملك. ولهذا السبب أنا أغني! أريد حقًا أن أؤثر عميقاً في قلوب الناس، وهذا ما سيساعدهم ويدعمهم في أكثر اللحظات بهجةً وفي أصعبها كذلك."
بفضل ارتباطها القوي والثابت بجذورها، إضافة إلى صوتها القوي، وعروضها الآسرة، تظل زارا فنانة كوردية حقيقية وسفيرة للحب والتقارب والتراث الثقافي.
خوشاوي محمد
صحفي له خبرة كبيرة في الإعلام والصحافة. بكالوريوس في علم الاجتماع. الماجستير في علم الاجتماع السياسي. دكتوراه في نظرية ومنهجية وتاريخ علم الاجتماع. عمل مراسلاً للعديد من وسائل الإعلام الإخبارية الكوردية العاملة بشكل أساسي في روسيا