الكورد في مصر على مر التاريخ
الكورد في مصر على مر التاريخ

جذور تاريخية

العلاقة بين مصر وكوردستان قديمة وتاريخية ولم تنقطع، منذ الدولة الميتانية الكوردية، والملك المصري تحتمس الأول، وحتى العصر الحديث في عهد الأسرة العلوية التي حكمت مصر لأكثر من مائة وخمسين عاماً.

يتحدث هذا المقال عن التاريخ الممتد والعلاقات الوطيدة التي ربطت بين المصريين والكورد، وتحديداً عن الدور والعامل الكوردي المؤثِّر في التاريخ المصري بداية من الأسرة الثامنة عشرة في مصر القديمة، مروراً بالدولة الفاطمية، ثم الدولة الأيوبيَّة، ثم المملوكيَّة، فالعثمانيَّة، وأخيراً الأسرة العلويَّة.

يُعَد الشعب الكورديّ أحد ثلاثة شعوب أصيلة في المنطقة؛ الشعب العربيّ، والشعب الكورديّ، والشعب الفارسيّ. والشعب الكورديّ، شعب آريّ من مجموعة الشعوب الهندو-أوروبية من العائلة الإيرانيَّة التي تضم الشعوب الكورديَّة، والفارسيَّة، والأفغانيَّة. ولهم لغة خاصة؛ بلهجتيها السورانيَّة، والكرمانجيَّة. ويدين معظمهم بالدين الإسلاميّ على مذهب الإمام الشافعي (سُنَّة)، وهناك أقلية شيعية تُعرف باسم «الكورد الفيليين»، أو «العلويين»، أو «أهل الحق»، ومنهم أيضاً المسيحيّ والإيزيديّ، أما اليهود منهم، فقد هاجروا إلى إسرائيل. وتقع كوردستان في النصف الغربيّ من قارة آسيا، وتبلغ مساحتها حوالي نصف مليون كلم2.

وللكورد تاريخ حافل، بدءاً من الإمبراطورية الميدية التي أُسِّسَت عام 612 ق.م.، مروراً بالإمبراطورية الميتانيَّة، ثم دخولهم في الإسلام، حيث شاركوا في الفتوحات الإسلاميَّة. وكذلك كان لهم دور في الدول الإسلاميَّة التي نشأت في منطقة الشرق الأوسط في مرحلة ضعف الإمبراطورية الإسلامية، كما أقاموا عدة إمارات كورديَّة إسلاميَّة مستقلة وشبه مستقلة، منها الدولة الأيوبية في مصر، والشام، واليمن في الفترة ما بين (567 - 685 هـ).

كوردستان خط الدفاع الأول

وكانت كوردستان بمثابة القِلاع الأمامية للبلاد الإسلاميَّة؛ لأنها كانت الحصن المنيع للخلافة في وقوفها أمام تيار الروم المتاخمين للبلاد الإسلاميَّة، كما كان الشعب الكوردي ركناً متيناً في بناء أسس الحضارة الإسلامية.

أما مصر فقد كانت دائماً، وفي كل العصور، بلداً جاذباً للناس من جميع أنحاء العالم، ومن كل الأجناس والأديان، وصارت من الأماكن القليلة التي نجحت تماماً في أن تصبِح الوِعاء الذي تَضم فيه من يجيء إليها ويستقر بها باختياره التام، وذلك لجمال طبيعتها، ولعراقة حضارتها، ولطيبة وتسامح أهلها، البعيدين عن أي تعصب. 

الكورد في مصر

أتى الكورد إلى مصر حاملين خصائصهم الحضارية المميَّزة، ودمجوها مع خصائص الحضارة المصريَّة المُكتَسَبة، وعاش الكورد في مصر كعنصر نَشِط ومشارِك في أُسُس النهضة المصريَّة في عهودها المتعاقبة.

ومع هذا الاندماج الذي زاوج بين حضارتين وثقافتين مختلفتين، لم ينس كثير ممن وفدوا إلى مصر واندمجوا في مجتمعها، جذورهم. لكن، ومع ذلك، نَسَب المؤرخون المُحدَثون (بعكس مؤرِّخي العصور القديمة والوسطى) شخصيات كورديَّة إلى القوميَّة التركيَّة أو الألبانيَّة، وقد يكون ذلك تقصيراً منهم في تصفُّح التاريخ وتدقيقه، أو أن تكون تلك الشخصيات الكورديَّة قد خدمت الحضارة والتاريخ العربيّ إلى حد أصبحت فيه تُنتَسَب إلى العرب، وذلك نظراً لأن الكورد ينتشرون خارج وطنهم، ويكتبون بلغة البلد التي وفدوا إليها. هذا بالإضافة إلى أن المؤرخين كانوا يصوِّرون الكورد وكأنهم مجرد رعاة أغنام، وفلاحين، وجبليين، وتجاهلوا أن منهم تجاراً، وعلماء، وقادة، وعسكريين في الجيوش النظامية.

ويعيش العديد من الكورد اليوم في مصر، وهم منتشرون في أماكن مختلفة تمتد من الإسكندريَّة شمالاً إلى أسوان جنوباً. فهناك قرية الأكراد، وقرية جزيرة الأكراد بأسيوط، وقرية ميت الأكراد، ومدينة الكُردي بالدقهليَّة، وقرية كفر الكُردي بالقليوبيَّة، وقرية منشأة الكُردي بالغربيَّة، وقرية الكُردي بكفر الشيخ.

وقد انصهر القسم الأكبر منهم في البوتقة المصرية، ولا يزال الكورد القاطنون في المدن المصريَّة معروفين بأصولهم الكورديَّة، ومنهم من يشغل مواقع بارزة، ومنهم الحكام، والمحامون، والصحفيون، والمدراء، والفنانون.

وهناك عائلات كورديَّة استقرت في صعيد مصر تمارس حياة عادية لا تتميز عن بقية الشعب المصريّ، وهناك جمعيَّة في حي شبرا بالقاهرة باسم «الجمعية الكوردية» أسَّسَها كورد الصعيد، كما يوجد العديد من الطلبة الكورد من كافة بلاد كوردستان تلقوا تعليمهم الجامعي في جامعات مصر، وخاصة جامعة الأزهر.

عائلات مصر الكوردية

ومن العائلات الكورديَّة المعروفة في مصر عائلة «تيمور باشا» التي ينتسب إليها الكاتب أحمد تيمور باشا، والشاعرة عائشة التيمورية، والأديب محمود تيمور، وعائلة بدرخان، والأورفلي وظاظا، والكوردي، ووانلي، وعوني، وخورشيد، وآغا.

فعلى سبيل الذِكر سكنت عائلة من آل بدرخان بمدينة الفيوم وعرفوا باسم «والي»، لأنهم كانوا ولاة على هذه المدينة، لذلك أصبح لقب الوالي تسمية لهم ويُعرَفون بها، وعرفنا منهم سيد بك والي بدرخان، وقد سكن بعض من آل بدرخان في القاهرة، وهؤلاء البدرخانيون من أحفاد أمير بوتان الكوردي بدرخان باشا.

كما يوجد العديد من أعلام مصر يعودون إلى أصول كورديَّة أمثال أمير الشعراء أحمد شوقي، والأديب محمود تيمور، والإمام المُصلِح محمد عبده، والمخرج أحمد بدرخان، وابنه علي بدرخان، والأديب عباس محمود العقاد، وابن أخيه عامر العقاد، والمفكر الإسلامي أحمد أمين، والدكتور حسن ظاظا، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والممثل أحمد رمزي، والباحث والمترجم محمد علي عوني، وابنته الكاتبة الراحلة دريَّة عوني، التي قالت: «هل يعلم سكان الزمالك، أن الزمالك لفظة كوردية تعني مصيف الملوك، إذ يقال إنها كانت المكان الذي يصيف به الملوك الأيوبيين أيام حكمهم لمصر، حيث كانت هذه المنطقة تعج بالحدائق الغناء في ذلك الحين».


رضوى الأسود

روائية وباحثة وناقدة أدبية مصرية،صدرت لها عدة روايات


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved