الاستجابة لإشارات الجسد مفتاح الصحة والسعادة
يُعد الانسجام بين الجسم والعقل أحدَ وسائل الحياة المستقرة والمتوازنة، التي تؤدي إلى طول العمر وشيخوخة مريحة.. وتكمن سعادة الإنسان في الاستمتاع بوجوده في هذا العالم، مع رغبته القوية في العيش مدة أطول قبل أن يغادر تاركاً جسده وراءه. وبالتالي، يُعتبر اشتياق الإنسان المتزايد للحياة علامة واضحة على سعادته ورغبته القوية في البقاء واستمرار تجربة الوجود.
أهمية التوازن الداخلي
ويعيش الإنسان السعيد في حالة دائمة من الانسجام، بنحو يتحقق فيه التوازن بين الجسد والروح، والتوازن الداخلي والخارجي، وبين العقل والمشاعر. وعندما يحقق الإنسان الانسجام الداخلي، يتحول شعوره تجاه الآخرين والعالم والكون، إلى مزيد من الخير والحسن والنقاء، حيث ينعكس انسجامه الشخصي على العالم من حوله. لذا، لا يمكن توقع الانسجام من شخص ليس لديه توازن داخلي. من هنا فإن الانسجام والتآلف مع الذات يعد شرطاً أساسياً للتوازن مع الآخرين والعالم، مما يتطلب أقصى درجات الهدوء والراحة والاعتدال.
ولعل من يقرأ رواية الأديب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس (1883 - 1957)، الشهيرة «زوربا اليوناني»، يدرك أهمية الانسجام مع الذات كما وصفته الرواية، لاسيما أن المؤلف يصف بطلها زوربا، بكونه منسجماً مع ذاته منذ البداية.
بالمقابل يقول الحكيم الهندي أوشو (تشاندرا موهان) (1931 ـ 1990):
«أريدك أن تكون مثل زوربا ومثل بوذا. إذ يُعَدُّ زوربا رمزاً للأرض وبوذا رمزاً للسماء. ويقدم زوربا جمال الطبيعة بغاباتها الخضراء وجبالها وأنهارها المتدفقة، بينما يمنحنا بوذا سحر السماء بنجومها وأجرامها وقوس قزحها الملون. علماً أن السماء لا تعني شيئاً من دون الأرض، والأرض بدورها لا تضحك من دون السماء، وكلاهما لا يمكن أن يعيش من دون الآخر. دعهما يتفاعلان ويتجانسان، لتشهد الحياة رقصة جميلة بين السماء والأرض، مما يولد الفرح والسعادة والاحتفال».
تنبهوا لإشارات أجسادكم
ويبرز هذا الرأي، العلاقة المتوازنة بين الجسد والروح، والجسد والعقل بنحو جيد. وعندما يفقد الجسم توازنه مع العقل والروح، يبدأ في إرسال إشارات وإنذارات للتنبيه بوجود مشكلة. وتعتبر هذه الإشارات علامات على عدم استقرار الحالة الصحية والتعب الجسدي.
ومع ذلك، يجب علينا أن نتعلم الاستماع إلى جسدنا وفهم إشاراته، خاصةً أثناء أوقات الضغط والتحديات التي تواجهنا في مرحلة الشباب. كما يسهم الاهتمام بالصحة الجسدية والعقلية والروحية، في المحافظة على التوازن العام في الحياة، ويساعد على تجنب المشاكل الصحية المحتملة في المستقبل.
وتشكل الراحة والنوم الكافي والتنفس العميق والتأمل وممارسة الرياضة واليوغا، طرقاً فعّالة لتعزيز العلاقة مع الجسد. وعندما يرتاح الجسد ويسترخي، يصبح من الأسهل فهم إشاراته واحتياجاته وبنحو أفضل. كما يسهم تحقيق التوازن والتناغم داخل الجسم في إعادة تنشيطه وتجديد طاقته، مما يعزز الحيوية والنشاط وبالتالي مقاومة الأمراض وعلامات الشيخوخة.
وللأسف الشديد، يتجاهل العديد من الأشخاص نداءات أجسادهم وإشاراتها حتى يتفاقم الوضع ويصبح تصحيحه أكثر صعوبة. وهو ما يتطلب الحذر والتنبه لإشارات الجسد وأن يتم التفاعل معها بنحو فوري تفادياً للمشاكل الصحية.
أجمل هدية
إن الجسد هو أهم أداة للتواصل والتفاهم مع المحيط الخارجي، وكلما زاد الوعي بأهميته، زادت فرص التأثير الإيجابي على الآخرين، وزادت فرص الاندماج في شبكة العلاقات الاجتماعية والعملية. ويدرك أولئك الذين عاشوا تجربة المرض قيمة الجسم السليم بنحو أعمق، بينما يفهم أولئك الذين لم يواجهوا أمراضاً خطيرة أن الصحة هي أساس الاستمتاع بالحياة وتحقيق النجاح. من هنا فإن الجسم النشط والصحي يمهد الطريق للابتكار والإبداع، واكتساب الطاقة الإيجابية التي تحفز على التفكير الإبداعي والحياة بحماس وتفاؤل.
وكما قال المغني والموسيقي الأمريكي روي إيريس (1929 ـ 2012): «طالما كنت بصحة جيدة فأنا سعيد، وهذه أجمل هدية».
إن هذا التأكيد على الصحة والسعادة، يدلل على الفهم العميق لقيمة الجسم السليم وتأثيرها الإيجابي على جودة الحياة.
الدكتور فاضل جاف
باحث ومخرج مسرحي. دكتوراه في العلوم المسرحية من أكاديمية سانت بطرسبورغ للفنون المسرحية