يلماز غوناي: من السجن إلى جائزة السعفة الذهبية في كان
يلماز غوناي: من السجن إلى جائزة السعفة الذهبية في كان

في طفولتي كنت أسمع باسم أضنة كثيرًا. وعندما صرت في الثانية عشرة من العمر، ذهبت إلى تلك المدينة. في واجهة مكتبة ما، التقت عيناي برواية "ماتوا ورؤوسهم محنية". اشتريت الرواية بما تبقى لدي من نقود. كان الكتاب يتناول قضية الظلم. السرد الحميمي الدافئ جذبني إلى الكتاب بسرعة. لاحقاً، صرت أشاهد العديد من أفلام هذا الروائي وكنت أشعر في كل مرة بنفس الحماس ونفس الدفء.

في سبعينات القرن الماضي، حين كنت طالبًا في المدرسة الثانوية في آمد (دياربكر). وكانت مدرستنا في منطقة Derê çiyê "باب الجبل"، أصبح الحكم مرة أخرى بقبضة المحافظين والفاشيست. كان حزب MHP من ضمن أحزاب الجبهة الوطنية. وكان هذا الحزب يحاول تجنيد المنتمين في مدارس المعلمين. صاروا يهاجمون طلاب الكرد واليساريين يوميًا. في أيام كثيرة كنا نضطر للمبيت في الشوارع والمقاهي الموجودة في محيط المدرسة، حتى وقت الفجر. ولكي نتجاوز هذا الوضع المتوتر، كنا نذهب إلى السينما في أغلب الأحيان. كانت صحيفة آركاداش (الرفيق) حديثة العهد بالصدور. ذات مساء في نهاية الأسبوع ذهبت إلى السينما. كنت قد شاهدت بعض أفلام Yilmaz Güney من قبل، لكن الفيلم الذي شاهدته وقتها كان له تأثير خاص عليّ. كانت هناك شخصية مثيرة للإعجاب في دور رئيسي. تمتعت تلك الشخصية من خلال الدور الذي لعبته بالصدق والشجاعة.

وجدنا في صحيفة آركاداش مقالات ساعدتنا على تحمل اعتداءات الفاشيين في المدرسة. أما الفيلم فقد صار لي بمثابة استراحة. قاومت لفترة من الزمن ما أتعرض له من اعتداءات في المدرسة. ولم يمض وقت طويل حتى نُفيتُ إلى باليكسير، غرب تركيا.

قبل عدة أشهر من حصول الانقلاب العسكري في أيلول عام 1980 جئت إلى ألمانيا. ما كان يمضي يوم حتى نسمع خبراً عن قتل أو اعتقال رفيق من رفاقنا. كانت السلطة الانقلابية تهاجم المطالبين بالحريات من الكورد واليساريين بشكل بربري. راقبنا الوضع في تركيا وتابعنا الأخبار. كانت سنوات سوداء. عاش الهاربون من الطغمة الفاشية أوضاعاً صعبة في المنافي. وفي هذه الأثناء سمعنا خبر هروب يلماز غوناي من السجن في تركيا. كيف حصل ذلك؟ كيف تمكن من الهرب من زنزانته؟ ما هي الطريقة التي اتبعها للنفاد من بين يدي جلاوزة النظام الفاشي؟

كانت الصحافة الصفراء في تركيا تنشر الخبر الكاذب تلو الآخر عن يلماز غوناي. كنت مشتركاً في صحيفة دي تاغيس تسايتونغ الألمانية ولا أبدأ يومي إلا بها. وذات يوم وأنا أتصفحها وقعت عيناي على صفحة كاملة مخصصة للسينمائي يلماز غوناي وخبر حصوله على جائزة كان. تذكرت جملة وردت في رسالته التي أرسلها إلى زوجته فاتوش وهو في السجن: "جسدي في السجن وروحي حرة. سنصنع ذات يوم أفلاماً تصبح حديث العالم". 

في الحقيقة فإن فوز فيلم "YOL (الطريق)" في مهرجان كان أصبح نقطة تحول كبيرة في مسيرة غوناي. هذا الانتصار أعطى أملًا للكثيرين من الناس الذين كانوا آنذاك مضطرين للهروب من تركيا، ممن تم نفيهم وعاشوا في الخارج. النفي ليس هزيمة إذن! هكذا فهم المنفيون موضوع فوز غوناي. لم يكن أحد يأمل أو يتوقع ذلك. كان فوز Yilmaz Güney بجائزة السعفة الذهبية، رسالة للناس القابعين في السجون بأن الحرية ممكنة.

يلماز غوناي هو أحد الذين أثروا علي في مقتبل العمر. وبفضله أحببت الكتب. لم يكن غوناي يحب القراءة والمعرفة وحسب. بل كان ينشر المعرفة أيضاً. تقول ابنته أليف في كتابها كيف أن والدها كان يطرح عليها أسئلة عديدة. مثلاً: ما هي الاشتراكية؟ ما هي كوردستان؟

حين طلبوا مني ترجمة هذا الكتاب، كنت مترددًا هل أترجم أم لا! لكنني حين قرأت عن عملية تحرير هذا الرجل الكبير من قبضة الديكتاتورية الفاشية، صرت أقل تردداً وتشجعت لترجمته. 

لقد كانت حياته مليئة بالأحداث التي شهد العديد منها كاتب سيرته في هذا الكتاب. 

كانت أمام يلماز غوناي مشاريع أخرى كثيرة لم يسعفه العمر بإتمامها. لم تكفه سبعة وأربعون سنة لإنجازها كلها.

كان يحلم بعالم تسوده المساواة، بدون ظلم واضطهاد. وفي سنواته الأخيرة انشغل كثيرة بكتابة ملحمة شعب يحاول النهوض من تحت الردم. وحسب معلومات رئيس المعهد الكوردي في باريس كندا نزان فقد كان غوناي ينوي إخراج فيلم على طريقة فيلم الأمريكي د.و. غريفيث: ولادة أمة "The Birth of a Nation" ليكون ملحمة تاريخية عن الشعب الكوردي. لكن موته المفاجئ منعه من إنجاز هذا الفيلم.

هذا المقال من مقدمة الترجمة الكوردية لكتاب: Yol- Der Weg ins Exil. Das Buch للكاتب إيدي هوبشميد. ترجمه إلى الكوردية حسين دوزن. 2017


حسين دوزَن

طبيب ومترجم وكاتب مقالات من ماردين. يقيم في المانيا


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved