صوف الحملان
يعد اللباد من أقدم الخامات النسيجية التي كانت تصنع منها المفروشات لاسيما في مناطق جبال "زاغروس" التي تقع غربي إيران وشرقي العراق، وتعتبر ثاني أعلى سلسلة جبلية في إيران وتضم أعلى قمة جبلية في العراق، وقد عثر على أقدم إشارة إلى اللباد في الكتابات المسمارية بمنطقة "أور" التي كانت عاصمة للدولة السومرية، جنوبي العراق، حيث كان يصنع منه فراش الملك حينها.
وكان اللباد يشكل نسيجاً مهماً للمجتمع، خاصة في الهلال الخصيب والأناضول وآسيا الوسطى، إذ كان جزءاً من الحياة اليومية، بالإضافة إلى استعماله أثناء الطقوس والاحتفالات. وكان الكورد يستعملون اللباد على نطاق واسع حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين الماضي، كامتداد لتقاليد أجدادهم، وما تزال الطريقة القديمة لصناعة اللباد واستعمال الملابس اللبادية شائعة في المجتمع الكوردي على طول جبال زاغروس، لكنها بدأت تختفي تدريجياً بسبب الصراع والاضطرابات السياسية في المنطقة بالإضافة إلى المتغيرات السريعة في صناعة النسيج والأزياء، فضلاً عن قلة الاهتمام بهذه الحرفة القديمة في المنطقة.
ويصنع اللباد بنقع ألياف صوف الحملان (الخراف الصغيرة) بالماء وضغطها على شكل مستوي أو على شكل قالب محدد ويلون بعد ذلك باللون المطلوب.
مشروع بدعم المتحف البريطاني
تقول الباحثة ريناس حسن بابكر، في حديث لـ"كوردستان بالعربي"، إن المشروع الذي تقوده بمشاركة مجموعة من المتعاونين، يهدف إلى "توثيق حرفة النسيج القديمة والممارسات المفقودة في صناعة اللباد في مناطق إقليم كوردستان بعامة وسفوح جبال زاغروس بخاصة فضلاً عن الأهمية التاريخية والثقافية لهذه الحرفة"، مشيرة إلى أن المشروع "حصل على منحة من برنامج معرفة المواد المهددة بالانقراض (EMKP)، الذي استضافه المتحف البريطاني بتمويل من شركة أركاديا (Arcadia)".
وتضيف بابكر، أن المشروع يسعى إلى "توثيق تقنية صناعة النسيج القديمة من صوف الحملان على يد آخر صانع اللباد الكوردي المدعو سليم علي في سفوح جبال زاغروس"، مبينة أن المشروع "يوثق بالتفصيل التقنيات المستخدمة في استخدام ألياف الصوف لإنتاج اللباد المعروف باسم ليباد أو نيوغ باللغة الكوردية السورانية وكولاف باللغة الكوردية الكرمانجية حيث يتم استعمال اللباد لإنتاج الملابس والسجاد لاسيما السجاد الكوردي التقليدي وقبعات الرأس "كلاوي ورز" والصدريات "فرنجي" ومعاطف الرعاة "كابانغ" المعروفة لدى المجتمع المحلي منذ زمن بعيد".
وتوضح الباحثة الكوردية، أن فريق العمل البحثي "وجد بين المجتمع الايزيدي في سنجار (شنكال)، غربي محافظة نينوى، عدداً قليلاً من صانعي اللباد المتبقين الذين يواصلون ممارسة الطريقة التقليدية لصنع اللباد لإنتاج المعاطف (الكبنك) وأغطية الرأس (كاوي ورزير) وغيرها"، لافتة إلى أن صانعي اللباد الإيزيديين "يستخدمون في الغالب قبعة كومي كولافي مخروطية الشكل التي تشكل جزءاً من الملابس الايزيدية التقليدية للرجال".
وتواصل الباحثة ريناس بابكر، أن عملية التوثيق "تتضمن تسجيلات الفيديو والصوت والصور الفوتوغرافية والسجلات المكتوبة التي تم إجراؤها أثناء الملاحظات والمقابلات التي أجريت مع صانع اللباد أثناء العمل الميداني فضلاً عن الذكريات الحية لصانعي اللباد الآخرين وأولئك الذين ما يزالون يستعملون الملابس والسجاد التقليدية المصنوع من اللباد ويثنون عليها"، منوهة إلى أن فريق العمل قام أيضاً بـ"فحص اللباد الموجود في محفوظات مجموعات المتاحف بما في ذلك متحف أربيل للنسيج وقسم النسيج في المتحف البريطاني ومتحف بيت ريفرز (Pitt Rivers Museum) في مدينة أوكسفورد البريطانية الذي يضم مجموعة من الحيوانات التي انقرضت مثل الديناصورات وبعض القطع الأثرية من الحضارات القديمة التي تمثل مراحل تطور الثقافة البشرية في مختلف أنحاء العالم".
حرفة على وشك الانقراض
وتعرب بابكر، عن أسفها لأن حرفة صناعة اللباد باتت على "وشك الانقراض في إقليم كوردستان إذ يوجد شخص واحد في منطقة كفري بمحافظة ديالى، وما بين ثلاثة إلى أربعة أشخاص ايزيديين في سنجار (شنكال)، غربي محافظة نينوى، ما يزالون يصنعون اللباد"، مبينة أن اللباد "يستعمل في صناعة الفرش بمنطقة هورامان الجبلية، تقع شمال شرقي إقليم كوردستان وضمن محافظتي كوردستان وكرمانشاه غربي إيران، كما يستعمل اللباد من قبل الكاكائيين والايزيديين ومجموعة من الفلاحين في صناعة أغطية الرأس في حين يصنع منه الرعاة معاطف طويلة (كبنك) تقيهم من برودة الجو وحرارته على حد سواء".
وعلى الرغم من عدم التوصل إلى تاريخ محدد لظهور صناعة اللباد، كما تؤكد الباحثة، إلا أنها "توصلت إلى أنها ظهرت أول مرة لدى سكان جبال زاغروس"، منوهة إلى أن عمليات التهجير والإبادة التي تعرض لها الكورد زمن النظام الدكتاتوري السابق، لاسيما خلال حملات الأنفال "أثرت كثيراً على صناعة اللباد في كوردستان".
وتناشد بابكر الجهات المعنية بضرورة "المحافظة على حرفة صناعة اللباد وتطوير استعمالاتها لما لتلك المادة من خصائص مفيدة"، مبينة أن للباد "استعمالات عدة منها صناعة الفرش الطبية والملابس وأغطية الرأس والأحذية وكعازل للحراة ومانع للصدمات وغيرها مما يمكن استثماره".
يذكر أن ريناس حسن بابكر، باحثة وكاتبة تركز على الحفاظ على التراث الثقافي في كوردستان والعراق، ولديها خبرة في مؤسسات عراقية وبريطانية، وينصب تركيزها على توثيق وأرشفة وحفظ المعرفة والمصنوعات اليدوية والأرشيفات الخاصة بشعب كوردستان ومجتمعات الشتات. وقد حصلت بابكر على درجة الماجستير في التاريخ الثقافي والذاكرة والهوية من جامعة برايتون البريطانية. وتجري أبحاثًا إثنوغرافية وتحتفل بالتراث الثقافي الغني للمنطقة من خلال وسائل مختلفة.