تشكيلية كوردية... ألوانها ترقص وتغني
تشكيلية كوردية... ألوانها ترقص وتغني

روجين حسين الفنانة الكوردية الشابة التي تنحدر من مدينة قامشلو في روجافا (كوردستان سوريا) حيث خلق الفن معها بألوانها الخشبية ودفترها الصغير اللذين كانا رفيقي دربها عكس الأطفال الذين كانوا يلعبون بألعابهم، فقد كانت لعبتها المفضلة الرسم.

 

تدقق النظر في ألوان وأشكال السجاد الكوردي المعلق على حائط أغلب البيوت الكوردية، محدقة في خطوطها المتناغمة وألوانها المتعانقة، كما كان لألوان قوس قزح  تأثير عليها معتقدة أنها هبة السماء وابتسامتها بعد دموع ذرفتها من دون أن تعلم أنه ثمرة عشق بين الشمس والمطر استعارت منهما ألوانها، ومن زهور الربيع ومن تربة باهتة وميتة يسقيها المطر ويدفئها الشمس، فتزهر وتثمر ويتزين بكل الألوان. هنا تعلّمت كيف تنشر الألوان في كل مكان يخيم عليه الحزن والظلام ومن خلال ريشتها مارست قصة عشق ألوانها.

تلقت الدعم والتشجيع من مُدرِّستها عندما تم اختيارها للمشاركة في نشاطات المدرسة والفعاليات والمعارض كما كانوا يحتفظون بدفترها الصغير الذي كان يتضمن رسوماتها ما كان يدخل البهجة والسعادة إلى قلبها ويزيد الثقة لديها لإكمال مسيرتها إلا أنها أيضاً كانت تشعر بالحزن لفقدانها ما رسمته وخططته بأقلامها البسيطة على دفترها الصغير، وفقدان جزء من ذكرياتها في ذلك الصف الذي كان مهماً بالنسبة لها.

وبحسب روجين فقد ترعرعت وكبرت في بيئة متحفظة وبين مجتمع شرقي ذكوري يحق للذكر فيه الحق بممارسة كل شيء والأنثى مقيّدة مسلوبة الإرادة والحقوق.

صعوبات واجهتها وتحدتها

إكمال دراستها كان طموح وهدف عائلتها دوناً عن أي شيء آخر وبلا تشجيع لتنمية موهبتها أو تعزيزها، فقد كانت الشهادة الجامعية بنظرهم أهم من الفن وغيره.

تتوقف روجين مجبرة لسنوات في محطة خانقة لموهبتها لتحقيق حلم أهلها في إكمال دراستها حتى تخرجت في كلية الحاسوب. وبعد التخرج وبسبب الظروف الصعبة التي مرت بها لم تستطع الالتحاق بأي أكاديمية أو معهد لدراسة فنون الرسم. 

وبالرغم من التحديات والصعوبات التي واجهتها، لم تستسلم بل كافحت وتحدت جميع الظروف وثابرت لتحقيق حلمها لتحصل على المركز الأول من جائزة الفن على مستوى سوريا في عمر الرابعة عشر.

بداية رحلة فنانة الحب والعطاء

تستمر رحلة روجين لتركب بعد ذلك قطار الفن الذي درسته وأحست به في روحها وقلبها، وتكمل رحلتها وما بدأت به منذ صغرها. تقول روجين إن «الفن موهبة، والدراسة تعزز وتصقل عمل الفنان وتنمي موهبته، وإن أي إنسان يستطيع أن يضع أمامه شكلاً أو شيئاً ما وينسخه ويرسمه، لكن ليس أي رسام يستطيع أن يكون فناناً مبدعاً ويترك بصمته في قلوب الناس أو أن يجسد ويعكس ما في أرواحهم من خلال ريشته». 

تأثرت روجين بأعمال عمالقة الفن أمثال بيكاسو ومونيه وغيرهما، فلكل فنان شخصيات مؤثرة في حياته، كما تأثرت بالحرب في سوريا خصوصاً الوضع في روجافا حيث رسمت رغيف الفقير وابتسامة الأمهات وتجاعيد وجوه الآباء بطريقة تختارها، وتجسد وتعكس من خلالها معاناتهم وأحزانهم وحتى أفراحهم، وجسدت المرأة ودورها في الحياة واعتبرتها العطاء والحب وكانت هي المحور الأساسي في أغلب لوحاتها، لأنها كانت في مجتمع شرقي بحت سلب منها ومن أغلب النساء حقوقهم وحريتهم.

عرضت روجين لوحاتها لأول مرة في أربيل عاصمة إقليم كوردستان في الرابع من شهر آذار / مارس 2024 بدعم وتمويل من وزارة الثقافة في اقليم كوردستان، إذ تم تكريمها من قبلوزارة الثقافة.

وحضر معرضها أساتذة الفن وطلاب كلية الفنون الجميلة وشبه الكثيرون ممن حضروا المعرض خطوطها ورسمها ببيكاسو وألوانها بمونيه، وكانت فخورة بذلك. لكنها وبكل تواضع تقول إنها ليست بيكاسو ولا مونيه فهما من عمالقة الفن وهي لا تزال تلميذة صغيرة تُدعى روجين. كما أنها عبرت عن فرحها عندما رأت الكثير من أعمالها على أغلفة الكتب والمجلات لمواضيع مثل الشعر والنقد وبعض القصائد.

تلقت روجين دعوات كثيرة من داخل البلاد وخارجها، لكنها لم تستطع قبول الدعوات والمشاركة لعدة أسباب أهمها عدم احتفاظها بأعمالها فقد كانت تقوم ببيع لوحاتها الفنية مقابل مبلغ مادي بسيط على مدار عشر سنوات لتتبرع وتشارك به في أعمال خيرية في روجافا لمساعدة الفقراء والمحتاجين. وكان هذا عاملاً رئيسياً في تشجيعها على تطوير وتعزيز مهارتها فقد كانت ترى نجاحها في وجه طفل تهديه حقيبة مدرسية أو إطعام عائلة فقيرة أو شراء دواء لمريض، رغم أنها - كما تقول - كانت تفقد جزءاً من روحها في كل لوحة إلا أنها كسبت أكثر بكثير وهي قلوب الناس ودعواتهم لها. فقد كانت تقوم ببيع ذكرياتها حباً وليس كرهاً لتقدم ما هو أكبر من ذلك لكل شخص محتاج.

 

التراث والثقافة الكوردية مجسدة في لوحات

تفتخر روجين بكورديتها وانتمائها لبلدها الجميل وهذا الشعب النبيل والكريم والعريق. رسالتها إنسانية أكثر من أن تكون مادية تهدف من خلالها إيصال معاناة شعبها وثقافتهم وتراثهم إلى جميع أنحاء العالم، وتكون صوت كل شخص غير قادر على التعبير وغير مسموع عبر تجسيده في لوحة تقول عنه ما لم يستطع البوح به، وتقول ما يجول في عقله وما يحلم به بكل حرية من دون قيود وخوف.

أعمال روجين تحمل طابعاً كوردياً بألوانها التي ترقص وتغني أو من خلال رمز معين ترسمه لتجسد جمال وتنوع الثقافة الكوردية. فهي مرآة روحية تعبر ما بداخل الإنسان وتكشف وتعكس جوانب معينة عميقة عمق البحار وشامخة شموخ الجبال ملونة بألوان الربيع ترتدي أثواباً متنوعة تحمل التراث والثقافة والمعاناة والظلم والفرح وغيرها. 

وهي فنانة ترسم لجميع الفئات والأعمار وريشتها تعكس الحلو والمر، والمتلقي يجب أن تكون لديه رؤية عميقة وثقافة فنية لفهم ما تحمله كل لوحة من تعبير، فلكل لوحة قصة وهدف. 

روجين الفتاة الصغير والجميلة التي تحمل روح فنان يعيش في عالم الألوان تجد نفسها في التعبيرية والسيريالية لأنهما الوسيلة الأكثر أماناً للتعبير عمّا بالعقل الباطن للإنسان بحريّة وتلقائية من دون قيود مركزة على المضمون وليس الشكل وتربط الخيال والواقع فهي أشبه بالحلم التي تدفع للتفسير والجدل. كما تجد سعادتها في التجريدية التي تفصلها عن الواقع المر والمظلم وتحررها من القيود التي فرضت عليها من قبل المجتمع والمحيط الذي كانت ومازالت تعيش فيه، حيث تشعر أنها تبني عالماً جديداً مليئاً بألوان يصعب خلق مثلها، معتبرة هذا العالم النافذة الوحيدة لحياة أكثر جمالاً وأكثر حرية غير مقيدة بقيود الظلم والخوف أو شيء آخر. فهي تعمل على إكمال أرواحهم من خلال أشكال وأنماط وألوان مجردة ترسمها بفرشاتها مطلقة طاقاتها الإبداعية ويعطي للناظر حرية التفسير لهذه اللوحة مما يحمله في كل جزء من سحر وعمق وجمال.   


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved