جين رفيق حلمي... أيقونة كوردية أعجب بها نزار قباني
جين رفيق حلمي... أيقونة كوردية أعجب بها نزار قباني

ما أن تتخطى عتبة بيتها الأنيق في منطقة (جوار جرا) جنوبي مدينة السليمانية، حتى تخال نفسك في متحف يعكس جوانب من تاريخ الحركة الوطنية الكوردستانية، والحركة الأدبية في العراق، حيث الصور التي تملأ الجدران والتماثيل، فمن الشيخ محمود الحفيد إلى بارزاني الخالد الملا مصطفى، ومن بيرميرد إلى الجواهري ونزار قباني، ومن لميعة عباس عمارة إلى عبد الرزاق عبد الواحد وممدوح عدوان، ما يدل على عراقة صاحبته واعتزازها بتاريخ أسرتها التي طالما عرفت بالإبداع والنضال دفاعاً عن الحقوق المشروعة للشعب الكوردي.. كيف لا ووالدها رفيق حلمي (1898 ـ 1960)، المؤرخ والسياسي والأديب، الذي أسس حزب هيوا (الأمل) عام 1939، مثلما برع باقي أفراد أسرتها في مجالاتهم، لاسيما الأدبية، قبل أن يرحلوا لتبقى هي أسيرة ذكراهم العطرة.

عشقت الشعر منذ الصغر

إنها جين رفيق حلمي، التربوية والأديبة والشاعرة، التي ولدت في منطقة السفينة في بغداد، وتنقلت مع عائلتها، التي عانت الأمرين نتيجة مواقف والدها السياسية، إلى السليمانية وديالى والعمارة والناصرية، وهي الإنسانة التي عشقت المحفوظات ومن ثم الشعر منذ صغرها، كما برعت في إلقائه، وتميزت في الرسم وأقامت العديد من المعارض، ما جذب انتباه معلماتها، لاسيما الشاعرة أميرة نور الدين (1925 ـ 2020) والكاتبة والمترجمة إحسان الملائكة (1925 ـ 2010)، شقيقة الشاعرة نازك الملائكة (1923 ـ 2007)، والشاعرة لميعة عباس عمارة (1929 - 2021)، التي شجعتها على تنمية موهبتها في الشعر والرسم، وكتبت لها قائلة:

«لديك الموهبة الفنية التي تؤهلك لتكوني من النساء اللامعات في المجتمع، فنمي هذه القابلة بالمثابرة على الرسم إلى جانب هوايتك الشعرية».

وحظي تميزها بإلقاء الشعر، بإعجاب نزار قباني وممدوح عدوان، فكتب لها قباني قائلاً: «أنت خير راوية لشعري».

وكانت تحرص على حضور المهرجانات الشعرية، واقتناء دواوين كبار الشعراء، لتنمية موهبتها على نار هادئة، بتشجيع من والدها وشقيقتيها المؤلفة والباحثة د. پاكزة (1924 ـ 2003)، التي أسست قسم اللغة الكردية في كلية الآداب جامعة بغداد، والأديبة ناهدة (1928 ـ 2019).. وعندما تخرجت من دار المعلمات واصلت تحصيلها العلمي في قسم اللغة الكردية بكلية الآداب جامعة بغداد، بناءً على نصيحة شقيقتها پاكزة، بعد أن كانت قد قدمت أصلاً لقسم اللغة الإنكليزية في كلية التربية.

وحرصت على تغذية موهبتها بالاستماع إلى أحاديث كبار الأدباء والشعراء الذين يترددون على دارهم، لاسيما محمد مهدي الجواهري (1899 ـ 1997)، ونزار قباني (1923 ـ 1998) وزوجته بلقيس، التي كانت صديقة شقيقتها ناهدة، ولميعة عباس عمارة، وعبد الرزاق عبد الواحد (1930 ـ 2015)، والشاعر السوري ممدوح عدوان (1941 ـ 2004).

تعشق شعر الجواهري ولميعة ونزار

تقول جين رفيق حلمي: «كنت أعشق شعر لميعة عباس عمارة ومحمد مهدي الجواهري ونزار قباني ومحمود درويش»، وتستدرك: لكنني «لا أحب شعر عبد الوهاب البياتي».

وعلى الرغم من عشقها لشعر نزار قباني، إلا أن ذلك لم يمنعها من الرد على قصيدته الموسومة (البغي)، التي استفزتها، لاسيما قوله «وسريرٌ واحدٌ ضمهما... تسقط البنت ويحمى الرجل»، بقصيدتها (قانون الذئاب) ومنها قولها:

«أنت الذي وضع القيود

والحب كان جريمتي

أو لم تمارسه معي

وأنت تطلب عفتي

وتسن قانون العقاب»

إلى أن تقول:

«رجل سترفع للرجولة راية

شرف وقد أودعته طي التراب

والحق محفوظ لديك

أولم تسن له قانون العقاب»

وفاء لوالدها وناهدة

وبعد رحيل شقيقتها ناهدة، التي تميزت بغزارة كتابتها، وحرصها الشديد على التوثيق، عملت جين على إعادة تصنيف كتاباتها وإعدادها، فأصدرت عنها سبعة كتب، منها (صرخة الوجود نحو صمت الخلود)، و(موسوعة الطبخ)، و(مرض السكر) باللغة الكوردية، و(خلف ستار النسيان).

كما أصدرت مذكرات والدها رفيق حلمي، باللغة العربية، بسبعة أجزاء بعنوان (ياداشت)، تناولت فيها سيرته ومشاركته في حركة الشيخ محمود الحفيد، وجمعت النتاجات الأدبية لشقيقتيها پاكزة ونجاة، وبعض نتاجات شقيقيها فريدون وفوزي.

البارزاني ومكيدة الباشا

ومن ذكرياتها عن البارزاني الخالد الملا مصطفى، تقول إنه كان: «يتردد على دارنا كثيراً عندما كان مقيماً في السليمانية»، وتبين: أن «والدي حذّره من تلبية دعوة ماجد مصطفى (1896 - 1974) وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة نوري السعيد (1888 - 1958) بزيارة بغداد للتباحث بشأن تلبية مطالبه كونها مكيدة من حكومة السعيد للإيقاع به». وتضيف، أن البارزاني: «استمع لنصيحة والدي وذهب إلى منطقة بارزان في محافظة أربيل ومنها إلى الاتحاد السوفييتي».

ومن ذكرياتها عن والدها، الذي كان نائباً لرئيس اتحاد الأدباء محمد مهدي الجواهري، ونائباً لنقيب المعلمين.. تقول إن حزب هيوا (1939 - 1946) القومي الكردي الذي أسسه، كان «من أوائل الأحزاب الكردية السرية في سنوات الحرب العالمية الثانية وكان يهدف إلى تحقيق الحقوق القومية للكرد ومنها الحكم الذاتي لكوردستان. لذلك انضمت إليه مجموعة كبيرة من الطلبة والكسبة والضباط الكرد في الجيش العراقي والأطباء والمحامين وكذلك المثقفين من التجار والملاك».

وتوضح جين أن الحزب كان «يضم أسماءً لامعة أصبح لها شأنها فيما بعد»، وتلفت إلى أن ن بينهم «كلاً من مكرم طالباني، فؤاد عارف، المطرب عمر دزَيي، عزيز شمدني، رشيد جودت، محمد قدسي، عزت عبد العزيز، مصطفى خوشناو والشاعر يونس رؤوف دلدار مؤلف النشيد القومي الكوردستاني (أي رقيب)».

الجواهري صديقنا

وعن ذكرياتها مع الجواهري، تقول جين: إنه كان «صديقاً لوالدي حيث التقيا في الناصرية عندما نُفيا إليها هو من أهل النجف ووالدي من أهالي السليمانية واستمرت العلاقة بينهما بعدها حيث كان يزورنا كثيراً في البيت»، وتضيف أنه كان «محباً للكورد وقصيدته عنهم الموسومة كردستان يا موطن الأبطال مشهورة».

وتواصل جين قائلة إن الجواهري «هو من جاء بوالدي إلى البيت عندما تعرض لجلطة دماغية في جلسة اتحاد الأدباء حيث كان هو رئيسه ووالدي نائباً للرئيس»، وتشير إلى أن الجواهري «أبلغنا بأن والدي غضب كثيراً في الاجتماع عندما تطاول بعض الأعضاء على الكورد ما أدى على تعرضه لنوبة إغماء».

زمن الفيسبوك

وبرغم كثرة كتاباتها للخواطر والشعر إلا أنها لم تصدر إلا ديواناً واحداً هو (العسل المر)، ورواية بعنوان (أحلام متبددة)، ولديها ديوان جديد باللغة الكوردية قيد الطبع، يتناول المآسي والأحداث التي مرت بالشعب الكوردستاني، من الأنفال وحلبجة والهجرة الجماعية وانتفاضة 1991.

وتتميز جين رفيق حلمي بأن قصائدها باللغة العربية كانت غزلية، في حين ركزت قصائدها باللغة الكوردية على الجانب الوطني.

وبشأن الواقع الشعري في العراق وإقليم كوردستان حالياً، تقول جين إن «زمننا الحالي هو زمن الفيسبوك وليس زمن الشعر».


باسل الخطيب

صحفي عراقي


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved