رقيقة كالنسمة، ورشيقة كالغزال، لكنها سرعان ما تتحول لإعصار هادر عندما تركض وتجتاز الموانع.. إنها (كوردستان بامو جمال) البطلة التي حصدت للعراق 14 ميدالية ملونة في عروس الألعاب، وحطمت ثلاثة أرقام قياسية، وجعلت العراق يتربع على عرش بطولة سباق الـ100 م حواجز للنساء في بطولة غرب آسيا، التي احتضنتها البصرة الفيحاء للفترة من 29 أيار / مايو إلى 1 حزيران يونيو 2024، وواجهت العديد من المفارقات بسبب اسمها.
صدفة خير من ميعاد
قادت الصدفة البحتة وإلحاح الأم والأخت، الصبية كوردستان، التي تتمتع بمواصفات جسدية مناسبة، إلى اختبار رياضي أجري لخريجي الدراسة المتوسطة في السليمانية عام 2016، لتحل بالمرتبة الأولى في سباقات العدو، ويتم قبولها مع شقيقتها (هوستان)، في معهد الرياضة، الذي تبلغ مدة الدراسة فيه خمسة أعوام، حيث كانت متفوقة، وحلت أولى على الإقليم عند تخرجها من المعهد عام 2021، مما أهّلها للقبول في كلية التربية الرياضية بجامعة السليمانية، مع شقيقتها الرياضية أيضاً، التي قُبلت في الكلية نفسها لفوزها ببطولة العراق في لعبة رمي الرمح.
وواصلت الغزالة الكوردية تفوقها الدراسي كما الرياضي على حد سواء، خلال دراستها في المعهد والجامعة، حيث اختيرت عام 2018 ضمن منتخب العراق لألعاب القوى، بعد فوزها ببطولة الدوري العراقي لفعالية 100 م حواجز، وببطولة المعاهد والجامعات، وشاركت خلال في العام نفسه، في بطولة آسيا للناشئين في تايلند لتحصل على المركز الثالث عشر.
ميداليات ملونة بالجملة
وحصدت كوردستان بامو جمال الميدالية الفضية، فئة الناشئين، في بطولة غرب آسيا التي جرت في لبنان عام 2019، محطمة الرقم القياسي العراقي باللعبة، والميدالية البرونزية عام 2021، في البطولة العربية لألعاب الساحة والميدان.. وشاركت في العام نفسه في ملتقى تحت سن الـ23 عاماً، الذي أقيم في مدينة بورصة التركية، لتحصد الميدالية البرونزية، محطمة الرقم القياسي العراقي لفئة الشابات.
وحصدت غزالة كوردستان، الذهب للعراق في سباق 400 م حواجز خلال بطولة غرب آسيا في قطر.. ومن ثم حطمت عام 2024 الرقم القياسي العراقي للجامعات في سباق 100 م حواجز.
وهكذا حصدت صاحبة الـ21 ربيعاً، 14 وساماً دولياً، وسجلت ثلاثة أرقام قياسية عراقية، في سباقات 100 م حواجز شابات، و100 م حواجز نساء، و60 م حواجز نساء صالات، برغم العقبات والتجاهل وضعف الإمكانيات.
عقبات وطموحات
وبسؤال كوردستان بامو جمال، عن المفارقات التي واجهتها وأحوالها وتطلعاتها وطموحاتها، تنهدت قبل أن تقول: «يحز في نفسي كثيراً التجاهل الذي يقابل به أبطال الساحة والميدان برغم ما يحصدونه من أوسمة ملونة في البطولات العربية والعالمية ناهيكم عن ضعف الإمكانيات المتوافرة لهم وقلة الدعم»، وتضيف: «تُرى كيف سيقابل منتخب كرة القدم لو فاز ببطولة قارية أو عالمية بالرغم مما يحظى به من رعاية ومعسكرات إعدادية خارجية وحوافز ودعم مادي ومعنوي».
وتتساءل الغزالة الكوردستانية، «تُرى هل يعي المعنيون أهمية عروس الألعاب في المحافل الرياضية العالمية ومنها الألعاب الأولمبية؟ وهل يعلمون مدى اهتمام الدول بها لما تحققه لها من ميداليات ملونة؟»، مواصلةً أن «مطالب أبطال الساحة والميدان في العراق متواضعة جداً، ومع ذلك يعانون الأمرّين في تأمين متطلباتهم الحياتية والتدريبية برغم ما يحققونه من نتائج مبهرة».
وتواصل بحسرة، هل «تتصور أن فوزي ببطولة غرب آسيا الأخيرة قوبل بتجاهل تام في الإقليم بعامة والسليمانية بخاصة برغم حرصي على رفع علم كوردستان في الملعب»، وتنوه إلى أن البعض «لامني على رفع علم كوردستان في حين لامني آخرون على رفع علم العراق بعد فوزي ببطولة غرب آسيا».
وتتابع، المفارقة الأخرى تكمن في «الإشكال الذي وقع فيه الإعلام بشأن اسمي، إذ ظنوا أن اسمي هو بامو وأن كوردستان هو موطني»، وتمضي قائلة إن ذلك كله «لم يؤثر في نفسي بقدر ما أثر التجاهل الذي واجهني لاسيما في مدينتي».
وتكشف كوردستان بامو جمال، عن «تلقيها العديد من عروض الاحتراف الخارجية»، وتؤكد على أنها «رفضت قبول أي عرض خارجي».
وتقول والأسى باد على محياها: «أطمح في المشاركة في بطولة العالم للجامعات التي ستقام في كرواتيا خلال عام 2024 الحالي لكن ضعف إمكانياتي المادية يحول دون ذلك لاسيما بعد اعتذار الاتحاد العراقي لألعاب الساحة والميدان عن دعمي»، وتناشد المسؤولين «تأمين الدعم اللازم لتتمكن من المشاركة في تلك البطولة لرفع اسم العراق عالياً».
كوردسنان بامو مع والدتها وومدربها زردشت
وتوضح أنها تطمح إلى «إكمال الدراسة العليا والحصول على الدكتوراه في الطب الرياضي»، متمنية «الحصول على بعثة دراسية في إحدى الدول المتقدمة لاكتساب المعارف والمهارات اللازمة».
وعن سبب اختيارها الطب الرياضي، تقول إن ألعاب الساحة والميدان «لم تعد محببة لقلبي»، وتستدرك أن الاستمرار في خوض مسابقات العدو هو من قبيل «التعود ليس إلا، إذ لو كنت أحبها فعلاً لحققت نتائج أفضل»!!!
يُذكر أن كوردستان بامو جمال، طالبة في المرحلة الثالثة بكلية التربية الرياضية بجامعة السليمانية حالياً، وأنها تنتمي لنادي البيشمركة في السليمانية، وتتدرب في ملعب شعبي بمنطقة (راپرين)، جنوب غرب مدينة السليمانية، بمعدات بدائية شبه متهالكة.