دعوات للنهوض بالسينما الكوردية
دعوات للنهوض بالسينما الكوردية

أكد مختصون على أهمية النهوض بالقطاع السينمائي في إقليم كوردستان ليكون أحد عوامل التنوير المجتمعي والقوة الناعمة وأداة لتعريف العالم بواقع حال الشعب الكوردي وهمومه وتطلعاته، وفي حين دعوا الحكومة الكوردستانية إلى دعم ذلك القطاع، اقترحوا تأسيس شركات مختلطة تتولى الجانب الإنتاجي للأعمال الدرامية والسينمائية، وجذب شركات الإنتاج العالمية لتصوير أفلامها في الإقليم. 

أفلام بلا هوية 

وقال المخرج دانا كريم، إن الفن السابع «يحتاج إلى دعم رسمي لاسيما أن السينما صناعة مهمة تتطلب جهداً جماعياً وعملاً مؤسسياً كما تتطلب وجود سياسة ثقافية طويلة الأمد»، مشيراً إلى أن الأفلام الكوردية كامتداد تاريخي «لا تؤسس لسينما كوردية لأن كل قسم من أقسام الفن يحتاج إلى هوية والسينما الكوردية تفتقر للهوية».

المخرج دانا كريم

وأضاف كريم، أن «تأسيس سينما كوردية يحتاج إلى الدعم الحكومي ومشاركة الفنانين الكورد من باقي أنحاء كوردستان»، لافتاً إلى أن المخرجين الكورد يستخدمون السينما «كوسيلة لعرض المواطن الكوردي كضحية وهو ما يشكل نقطة ضعف لأن المشكلات موجودة في كل المجتمعات».

ورأى أن الفيلم الكوردي يعاني من «عقدة الضحية وهو ما ينبغي أن يكون مرحلة وانتهت لأن الكورد يحتاجون لصناعة السينما للتعريف بواقع حال إقليم كوردستان ومشاكله وتطلعات شعبه لاسيما أن السينما يمكن أن تحمل قضايانا إلى العالم بدون حدود».

من جانبه قال المنتج السينمائي فؤاد جلال، صاحب شركة «ماستي فيلم»  Masti Filmالتي نظمت أربع دورات لمهرجان السليمانية السينمائي (2016  - 2020)، إن مشكلة الإنتاج السينمائي الكوردي تتمثل في «ضعف كتاب السيناريو وقلة الدعم الحكومي»، مشدداً على ضرورة «دعم الحكومة للإنتاج السينمائي».

بدوره قال د. دلشاد مصطفى، رئيس قسم السينما في كلية الفنون الجميلة بجامعة السليمانية، إن تسمية السينما الكوردية «مبهمة لأن هذه السينما ما تزال في طور النشوء، مبيناً أن هنالك أفلاماً كوردية لكنها تفتقر لإطار سينمائي، لأن تلك الأفلام تفتقر للهوية الثقافية برغم بعض المحاولات الجادة في هذا المجال».

دلشاد مصطفى

مشهد من فلم الامتحان

المنتج فؤاد جلال

شوكت أمين مخرج فلم الامتحان

وأوضح مصطفى، أن أكثرية الأفلام الكوردية «تنتمي لبلدانها فالمخرج المعروف بهمن قبادي محسوب على السينما الإيرانية بالرغم من كونه كوردياً ويحاول تثبيت الهوية الكوردية لكن مشاركاته في المهرجانات العالمية تُنسب لبلده إيران، والمخرج الكوردي كاظم أوز (من منطقة درسيم التركية) يحاول في أفلامه إبراز الهوية القومية والثقافية للشعب الكوردي لكن أفلامه تعامل في المهرجانات العالمية كسينما تركية، وحتى في إقليم كوردستان تكون المشاركات السينمائية على النطاق الرسمي باسم العراق».

وذكر رئيس قسم السينما في جامعة السليمانية، أن عام 2000 «شهد بداية نوع من العلاقة مع السينمائيين الكورد الإيرانيين حيث زار المخرج بهمن قبادي مدينة السليمانية لأول مرة وعرض فيلمه «زمن الخيول المخمورة» الذي يؤكد على الهوية الثقافية الكوردية وكيفية إيصال الصوت الكوردي للعالم من خلال السينما، علماً أن الفيلم فاز بجائزة الكاميرا الذهبية بمهرجان كان في العام نفسه كما أقام عدة نشاطات لتحريك الواقع السينمائي وأوضح للشباب كيفية إنتاج فلم سينمائي كوردي بميزانية متواضعة، كما أجرى لقاءات مع السياسيين والمسؤولين ما أعطى دفعة قوية للواقع السينمائي في الإقليم»، معتبراً أن زيارة قبادي «شجعت وزارة الثقافة الكوردستانية على تخصيص ميزانية خاصة للإنتاج السينمائي وبدأت صناعة السينما الكوردية بالتطور لاسيما في السليمانية لكن الأفلام المنتجة اتسمت بضعف النوعية التقنية الأمر الذي دفع السينمائيين الكورد للاستعانة بالخبرات الإيرانية في مجالات التصوير والمونتاج وباقي الجوانب الفنية».

ملصق فلم كجى با (بنت الريح) للمخرج دانا كريم

مشكلات التوزيع والترويج 

ورأى المخرج دانا كريم، أن الأفلام الكوردية «تعاني من طرح مواضيع ساذجة وأنها تفتقر للتنوع كما تفتقر لموزعين ومروجين أكفاء»، لافتاً إلى أن التصدي لتاريخ كوردستان «يتطلب جهداً جماعياً كبيراً ودعماً رسمياً لما شهدته المنطقة من أحداث ومآسي وفواجع».

وأوضح كريم، أن الفيلم الكوردي «لا يستطيع عبور حواجز اللغة والعلاقات»، منوهاً إلى أن الفنان أو المخرج الكوردي «هو من يحاول تسويق عمله بنفسه في حين يلجأ البعض إلى شركات إيرانية تفتقر للعلاقات اللازمة مع دول الجوار أو المهرجانات العربية والعالمية». 

والمخرج الكوردي الذي شارك في مهرجان كان عام 2015، وأخرج أربعة أفلام درامية قصيرة، حصل أحدها وهو «فتاة الريح» على جائزة أفضل فيلم في مهرجان أيام السينما العراقية عام 2022، وعلى 11 جائزة أخرى في مهرجانات عالمية، فضلاً عن فيلم طويل «بيت داليا» وأربعة أفلام وثائقية، تابع قائلاً إن الأعمال الدرامية والسينمائية الكوردية «تعاني من ضعف في مجال السيناريو وتفتقر لوجود استوديوهات متخصصة برغم وجود مخرجين أكفاء وأجهزة متطورة»، مستطرداً أن هنالك «حاجة ماسة لاستراتيجية للترويج للأفلام الكوردية وتسويقها محلياً وإقليمياً وعالمياً».

وأكد كريم أن صناعة السينما «تحتاج إلى الدعم الرسمي لاسيما في مرحلة التأسيس»، مستغرباً من «ضعف مساهمة القطاع الخاص في صناعة السينما الكوردية».

وأيده في ذلك المنتج فؤاد جلال، الذي رأى أن عمليات التوزيع والترويج للإنتاج الدرامي والسينمائي الكوردي «تشكل مشكلة كبيرة».

بالمقابل قال د. دلشاد مصطفى، إن السينما عبارة عن «صناعة تحتاج إلى ميزانية ومنذ سنة 2014 وحكومة الإقليم تفتقر لميزانية تلبي احتياجات المجتمع الكوردستاني نتيجة قطع بغداد ميزانية الإقليم فكيف الحال مع السينما»، مستدركاً أنه مع ذلك «خصصت حكومة الإقليم نحو 20 مليار دينار لإنتاج عدة أفلام قصيرة وطويلة ودراما تلفزيونية من ميزانية العاصمة الثقافية».

وتابع مصطفى، أن بعض القنوات التلفزيونية الكوردية المحلية «بدأت بإنتاج مجموعة أفلام سينمائية مصورة على أشرطة فيدوية في محاولة لصناعة فلم كوردي يجسد واقع الحال السياسي للشعب الكردي في الماضي والحاضر»، مبيناً أن قصص تلك الأفلام كانت «نابعة من النضال الوطني للشعب الكوردي وكانت تعرض من على شاشات التلفزة ممثلة نواة لحركة سينمائية بدأت في مدينة السليمانية وكان على رأسهم المخرج والممثل كاميران رؤوف خريج قسم السينما في أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد الذي صنع ثلاثة أفلام ما أدى إلى تحريك الواقع السينمائي الراكد في إقليم كوردستان».

مشهد من فلم الامتحان

حلول ومقترحات

وبشأن الحلول والمعالجات المقترحة للنهوض بواقع الإنتاج الدرامي الكوردي، رأى المخرج دانا كريم، أن هنالك «حاجة لوجود رؤية واضحة لأهمية السينما كقوة ناعمة وسلاحاً فعالاً لتعريف العالم بقضايانا وزيادة الوعي المجتمعي وتعزيز الهوية الوطنية»، داعياً إلى «إعادة تقويم تجربة إنتاج الأفلام الكوردية والمصارحة بشأن واقعها وطرح أفكار جديدة لوضع النقاط على الحروف».

ودعا كريم أيضاً، إلى «تخصيص ميزانية مناسبة مع خطة عمل دقيقة والاهتمام بإعداد كتاب سيناريو وتشكيل جهة حكومية تعنى بالإنتاج السينمائي والتلفزيوني والمسرحي في كوردستان وقبلها إصدار قانون خاص بالإنتاج السينمائي على غرار ما موجود في دول الجوار لتنظيم الواقع الفني»، مؤكداً على أهمية «استقطاب شركات الإنتاج السينمائي الكبرى لتصوير أفلامها في إقليم كوردستان للاستفادة من طبيعته الخلابة مع زج ملاكات فنية كوردية معها للاحتكاك واكتساب الخبرات».

أما د. دلشاد مصطفى، الذي ألف 30 نصاً مسرحياً عرض 25 منھا علی مسارح إقليم كوردستان وإیران، وسوريا، وألمانيا، والسويد والنروج، فقد اقترح ضرورة «تأسيس شركات مختلطة بدعم حكومي للنهوض بالإنتاج الدرامي والسينمائي الكوردي لأن بدايات السينما في كل العالم كانت بدعم حكومي حتى تقف على قدميها»، مشدداً على أن الأوان قد «آن للتعامل مع السينما كوسيط مؤثر لتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي وتعريف العالم بهموم الإنسان الكوردي وتطلعاته كما هو الحال في باقي أنحاء العالم».

مخرجون متميزون

ولا بد من القول إن هنالك مجموعة من المخرجين الكورد المتميزين سواء في إقليم كوردستان أم باقي المناطق الكوردية. ومن بين هؤلاء، بحسب المخرج دانا كريم، شوكت أمين المقيم في دهوك، الذي أخرج أفلاماً طويلة مهمة حظيت باهتمام الجمهور داخل الإقليم وخارجه، منها «الامتحان».. وهنالك أيضاً هونر سليم، المقيم في فرنسا، فضلاً عن المخرج الكردي الإيراني بهمن قبادي، الذي شارك في مهرجان «كان» وفاز بجائزة الكاميرا الذهبية ما يشكل إنجازاً للسينما الكوردية بعامة.

أما د. دلشاد مصطفى، الذي حصل على دكتوراه الإعلام (تخصص سينما) من جامعة سالفورد البريطانية عن إطروحته الموسومة «العملية السينمائية والإبادة الجماعية للكورد، كيفية إيجاد إطار سينمائي للأصوات المكبوتة في الإبادة الجماعية للكورد سنة 1988»، وكتب فلمين طويلين، وأنتج في بريطانيا فلمين وثائقيين عن الإبادة الجماعية كجزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه.. فأكد على أن هنالك مجموعة من رموز السينما الكوردية منهم على سبيل المثال لا الحصر كلاً من: 

- المخرج الكوردي التركي يلماز غوناي، الذي توفي في فرنسا سنة 1984، هو من أكبر رموز السينما الكوردية وتعتبر أفلامه قدوة لتجسيدها الواقع السياسي والاجتماعي للكورد في تركيا ومنها «القطيع» و«الطريق»، حيث نال عنهما عدة جوائز عالمية.

- المخرج الكوردي الإيراني بهمن قبادي.

- المخرج هونر سليم، الذي عمل العديد من الأفلام في فرنسا وإقليم كردستان منها «الكيلومتر صفر»،

«كيلو متر صفر» و«فودكا ليمون».

- المخرج شوكت أمين، من دهوك.

-  المخرج هشام سليم، الذي يقيم في النرويج.

- المخرج حسين حسن، من دهوك.

- المخرج حسن علي، من أربيل.

- المخرج شوان عطوف، من السليمانية.

- المخرج هوراز محمد، من السليمانية.

- المخرج دانا كريم، من السليمانية.

- المخرجة جينو هادي، من السليمانية.

- المخرجة كاردينا هيمن، من السليمانية.

ويتابع مصطفى، أن هنالك «مجموعة أخرى من المخرجين الشباب المسلحين بالخبرة العلمية الذين يؤمل أن يكون لهم مستقبلاً واعداً لاسيما مع وجود العديد من أقسام السينما في الجامعات الكوردستانية»، مبيناً أن هنالك «مقومات جيدة لصناعة السينما والدراما التلفزيونية في إقليم كوردستان بعامة والسليمانية بخاصة».

وفي كل الأحول تبقى الأعمال الدرامية والسينمائية مطلوبة بقوة وبحاجة للدعم، لا لكونها وسيلة ترفيه وتوعية فحسب، بل والأهم، كأحد عوامل التنوير المجتمعي والقوة الناعمة لتعريف العالم بواقع حال الشعب الكوردي وهمومه وتطلعاته.


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved