يكتفي كثيرون بلعن الكهرباء من جراء النقص المزمن في إمداداتها، بينما يحرص قليلون على التفكير في حلول من شأنها معالجة تلك الأزمة، ومنهم باحثة كوردية استخدمت المياه الجوفية لتوليد طاقة حرارية يستفاد منها لأغراض التدفئة والتبريد ما يسهم في تقليل استهلاك الكهرباء والمحافظة على البيئة إذا ما تم اعتمادها على نطاق واسع.
وتقول الدكتورة لَنجه فاروق رؤوف، إن الدراسة المعمقة التي أجرتها على المياه الجوفية في حوض حلبجة خورمال «أثبتت إمكانية الاستفادة من الطاقة الحرارية للمياه الجوفية لأغراض التدفئة والتبريد في مختلف الأبنية»، وتشير إلى أن الدراسة «شملت الجوانب الاقتصادية والبيئية والمناخية المتعلقة بتلك المنطقة فضلاً عن الفرق في درجة حرارة المياه الجوفية والسطحية وبينها وبين حرارة الجو الخارجي».
وتضيف أن العينات التي جمعتها في منطقة الدراسة على مدى عام كامل باستخدام نظام التموضع العالمي GPS «أظهرت أن حرارة المياه الجوفية كانت ثابتة وتتراوح بين 16.8 درجة مئوية في المنطقة الجبلية و23.8 درجة في المنطقة القريبة من بحيرة دربنديخان»، وتبين أن الدراسة أثبتت أيضاً أن «أكثرية مناطق الحوض الثانوي حلبجة خورمال ملائمة للاستفادة منها في تطبيق نظام التخزين الحراري الجوفي من دون أي تأثيرات بيئية سلبية».
الباحثة الكوردية الدكتورة لنجة فاروق رؤوف
وبشأن مدى استدامة نظام تخزين الطاقة الحرارية في الخزانات الجوفية بمنطقة الدراسة، توضح د. لَنجه فاروق أن الدراسة الاقتصادية التي أجرتها أظهرت إمكانية «تطبيق نظام التخزين الحراري الجوفي بنجاح وبنحو مستمر في معظم مناطق ذلك الحوض»، وتلفت إلى أن اختيار المياه الجوفية جاء نتيجة «توافرها في منطقة الدراسة بالمواصفات المطلوبة وبحرارة مناسبة ومستقرة على مدى العام ما يحقق الجدوى الاقتصادية إذا ما استثمرت على مساحة كبيرة في مختلف المجالات كالمستشفيات وحقول الدواجن والدوائر الحكومية ومساكن المواطنين وغيرها لأغراض التدفئة والتبريد ما يقلل الاعتماد على الطاقة الكهربائية التقليدية ويقلل أيضاً المبالغ التي يدفعها المواطن من جراء استهلاك تلك الطاقة».
وتواصل د. لَنجه فاروق، أن استخدام نظام التخزين الحراري الجوفي «يسهم في تقليل استهلاك الطاقة الكهربائية التقليدية بنسبة تتراوح بين 50 و70%»، وتنوه إلى أن ذلك النظام «يتطلب حفر آبار في مناطق مختارة ومناسبة ووجود نظام لتدوير المياه ومضخة حرارية فضلاً عن توزيع شبكة راديترات (مِشعاع أو مبادل حراري) في الأبنية المستهدفة».
وتتابع الباحثة الكوردية، أنها «نشرت ثلاثة بحوث متعلقة بنظام التخزين الحراري الجوفي المقترح لحوض حلبجة خورمال في مجلات عالمية رصينة»، مؤكدة على ضرورة «إجراء دراسات أوسع نطاقاً لتحديد المناطق الممكن الاستفادة منها في تطبيق نظم الخزن الحراري الجوفي مع مراعاة الجوانب البيئية وحساسية المياه الجوفية وإقامة مشاريع ريادية في مناطق منتخبة لإثبات جدوى تلك النظم في تقليل الاعتماد على الطاقة الكهربائية التقليدية».
وتقول أيضاً إنها بصدد «تطبيق نظام التحزين الحراري الجوفي في أحد حقول الدواجن والتخطيط لإجراء دراسة مماثلة على المياه الجوفية في السليمانية»، وتناشد الجهات المعنية «المساعدة في تطبيق ذلك النظام على نطاق واسع لما له من فوائد اقتصادية وبيئية كأحد المعالجات الممكنة لأزمة الكهرباء المزمنة التي يعاني منها الأهالي سواءً في كوردستان أم العراق».
وتذكر د. لَنجه فاروق أن نظم التخزين الحراري الجوفي «مطبقة في العديد من دول العالم لاسيما السويد وباقي الدول الإسكندنافية والصين وغيرها»، مشددة على أهمية «الاستثمار في الطاقات المتجددة لتوليد الكهرباء للحد من الاعتماد على الطاقة التقليدية والإسهام في تقليل تلوث البيئة وزيادة الاحتباس الحراري».
بدوره يقول الأستاذ المشرف على الأطروحة، أ. د. صلاح الدين سعيد علي، إنها تشكل «عملاً بحثياً أصيلاً ينطوي على فوائد اقتصادية وبيئية جمة»، ويدعو الجهات المعنية إلى ضرورة «الاستفادة من الأطروحة وتطبيق مخرجاتها على أوسع نطاق كأحد حلول الطاقة المتجددة التي يمكن أن تسهم في معالجة أزمة الكهرباء».
ويشير إلى أن د. لَنجه فاروق رؤوف، تعمل حالياً تدريسية في جامعة (كومار) بمدينة السليمانية، وأن أطروحتها في مجال هيدروجيولوجيا البيئة، الموسومة «جدوى استخدام نظام تخزين الطاقة الحرارية تحت الأرض في مواقع مختارة ضمن الحوض الثانوي حلبجة خورمال»، حصلت على تقدير امتياز من قسم علم الأرض (الجيولوجي) في كلية العلوم بجامعة السليمانية عام 2024 الحالي، وأنها حصلت على الماجستير في مجال الهيدروجيولوجيا من جامعة السليمانية عام 2014، بعد أن حصلت على شهادة البكالوريوس في علم الأرض من الجامعة نفسها عام 2007.
وقد أنجزت د. لَنجة أطروحتها بإشراف كل من البروفيسور نظير الأنصاري، والبروفيسور صلاح الدين سعيد علي رئيس جامعة كومار.. وضمت لجنة المناقشة كلاً من البروفيسور قصي ياسين الكبيسي من جامعة بغداد رئيساً، وعضوية البروفيسور صبار عبد الله القيسي من جامعة تكريت، وعمر صباح التميمي من جامعة كركوك، ود. دارا فائق حمه أمين من جامعة السليمانية ود. آكو رشيد حمه من جامعة كومار.