الرصيد الحضاري والإنساني يحتاج إلى ركيزة التنوع الثقافي وإيلاء الأهمية للفعل الثقافي، من أجل بناء جسور التواصل الإنساني بين الشعوب وترسيخ قيم السلم والتسامح. في هذا الإطار، تندرج الفعالية الثقافية التي شاركت فيها بدعوة من وقف إسماعيل بيشكجي، وهو مركز ثقافي في العاصمة التركية إسطنبول، في 8 حزيران/ يونيو 2024، برفقة أدباء كورد من دهوك، وهم: حسن سليفاني، محمد عبد الله، إسماعيل سليمان، بياربافي، سلام بالايي وأنور محمد طاهر. تنوعت قراءات الفعالية بين الشعرية والقصصية.

الحاضرون للندوة يتوسطهم عالم الاجتماع التركي إسماعيل بيشكجي

أدار الأمسية الكاتب والصحفي صالح كفربري بأسلوب جميل، قدم فيه الكتاب بطريقة شوقت الحاضرين للتعرف عليهم ومتابعة الأمسية بكل اهتمام من بدايتها حتى نهايتها. قرأت قصائدي باللغة العربية وقرأها مترجمة إلى اللغة الكردية الكاتب حسن سليفاني.

عندما وصلتني الدعوة من وقف إسماعيل بيشكجي، سارعت بالبحث في وسائل التواصل الاجتماعي عن سيرة هذا الرجل، وكلما قرأت عنه ازدادت رغبتي في التعرف عليه أكثر. هذا الرجل العظيم هو أحد أشهر سجناء الرأي في تركيا والعالم. فقد قضى أكثر من عشرين عاماً في السجون والمعتقلات التركية، وأصدرت المحاكم التركية بحقه أحكاماً وصلت إلى أكثر من قرنين، بالإضافة إلى غرامات مالية تجاوزت المليارات من الليرة التركية، بسبب دفاعه عن حقوق الشعب الكردي وإدانته لسياسات الدولة التركية.

في وقف إسماعيل بيشكجي، بمنطقة تقسيم في إسطنبول، استُقبِلنا استقبالاً يليق بالأدباء والمثقفين من قبل مدير المركز وكل العاملين فيه. وكان الترحيب من قبل عالم الاجتماع والمناصر للحريات إسماعيل بيشكجي شخصياً له وقع خاص على كل المدعوين.

الشاعرة التونسية ماجدة الظاهري أثناء إلقاء بعض قصائدها

كان الحضور مميزاً، فقد ازدانت القاعة بالكتاب والصحفيين والمثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي. تابع الحضور باهتمام القراءات الشعرية والقصصية وتفاعلوا معها، وبثتها القنوات التلفزيونية الكوردستانية رووداو، كردستان24، وفضائية كوردستان.

كتبت عن الأمسية عدة صحف وقامت بتغطيتها عدة مواقع على صفحات التواصل الاجتماعي. كان حضور الفنانة الكبيرة گولستان، أيقونة الفن الملتزم، قد أضاف بهجة على اللقاء مع حرصها على أهمية الفعل الثقافي وبناء جسور التواصل.

بعد الأمسية، توجهنا إلى مقر مجلة "كوردستان كرونيكل" التي تصدر في كوردستان العراق بالإنكليزية وتُطبع في إسطنبول بطباعة فاخرة جداً، ومجلة "كوردستان بالعربي" التي تخاطب الوسط الثقافي والسياسي العربي بلغة الضاد، حيث استقبلنا مديرها الصحفي القدير بوتان تحسين وأهدانا نسخاً من المجلة الأنيقة في طبعاتها المتنوعة.

أما وجهتنا الأخيرة في هذا اليوم الحافل بالأدب والمحبة، فقد كانت مكتبة ميديا المهتمة بالكتاب الكوردي، حيث استقبلنا صاحبها بكل حفاوة وكانت جلسة أخرى للنقاش حول الكتاب والنشر. اجتهد الأصدقاء في تشريكي معهم في كل الحوارات.

من خلال هذه الفعالية واللقاء بالأدباء الكورد وممثلي المؤسسات الثقافية ودور النشر الكوردية في إسطنبول، استطعت التقرب أكثر من الثقافة الكوردية الغنية بنصوصها وآدابها. والترجمات للنصوص الكوردية إلى اللغة العربية ساعدتني كثيراً على الغوص في أعماق هذا الأدب الكوردي المتسم بلمحات إنسانية سامية، بالإضافة إلى طرح قضيته القومية العادلة ضمناً.

سفرتي هذه كانت رحلة اكتشاف الجمال والنقاء والألق في الأدب الكوردي. لذا أكرر مرة أخرى شكري وامتناني لوقف إسماعيل بيشكجي الذي أتاح لي فرصة اكتشاف عالم الكلمة الكوردية من خلال الترجمات التي حصلت عليها في رحلتي الثقافية هذه من تونس إلى إسطنبول. شكراً لكل الأدباء الكورد الذين كنت معهم لطيب رفقتهم وتقديرهم العالي لي. شكراً للكلمة والثقافة التي هي جسر تواصل بين الشعوب.

سلام بالايى يلقي بعض قصائده

حسن سليفاني أثناء إحدى مداخلاته

ومن القصائد التي قرأتها في الفعالية الثقافية:

«صورة»

كل شيء هدأ الآن

انطفأت أضواء شجرة عيد الميلاد

وزع بابا نويل كل هداياه ونام

نام الأطفال في حضن أحلامهم

نزع الملوك والرؤساء ملابسهم

ما نزعوا دروعهم المضادة للرصاص

ناموا جميعاً

كل شيء عادي جداً

من أجل نوم بلا قلق

كل شيء هدأ الآن

كأن شيئاً لم يحدث

تتململ سيدة في العتمة

تحلم بالضوء

كل الضوء بتمام كماله

لترى الصورة واضحة

تنفخ الغبار عليها

تجمع آخر الكلمات التي همس بها

أطفال لن يذهبوا إلى المدرسة

ترصفها على جدار

سيسقط بعد قليل

كل شيء صاخب الآن

الصورة تخرج من إطارها

لا جدار تعلقه عليها

كل الأشياء غير عادية

إلا عجلة مدينة الملاهي

تلف وتدور طوال الوقت

كأن شيئاً لم يحدث

تدور العجلة

ينفلت العالم بلا قانون

عارياً

جامحاً

ماجدة الظاهري

شاعرة وكاتبة تونسية وناشطة في المجتمع المدني، لها مساهمات في فعاليات ثقافية داخل تونس وخارجها