لم يكن «البساط الأحمر» الذي امتد أمام طائرة الرئيس مسعود بارزاني التي حطت في العاصمة العراقية بغداد مطلع شهر تموز، إلا إيذاناً ببدء مرحلة وصفت بـ«المهمة» لوضع النقاط على الحروف وحل جميع المشكلات العالقة بين عاصمة إقليم كوردستان، أربيل، والعاصمة الاتحادية، بغداد.
فبعد غياب دام ست سنوات، حمل الزعيم الكوردي كعادته أحلام وطموحات الشعب الكوردي عازماً حلها مع الحكومة الاتحادية إضافة إلى طرح جميع القضايا المحلية والإقليمية ومدى تأثيرها على العراق ومحاولة إيجاد مخرج من أجل استقرار المنطقة.
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وصف زيارة الزعيم الكوردي بالمهمة، وقال: «قطعنا شوطاً مهماً في بناء الثقة بين الحكومتين الاتحادية والإقليم وتجاوزنا المشكلات الموروثة».
وأضاف السوداني «أجرينا حواراً بنّاء وهادفاً لمختلف القضايا الداخلية والأوضاع الإقليمية».
وفي إشارة إلى التوصل إلى حلول لجميع القضايا العالقة بين بغداد وأربيل وبحكمة ودقة قال الرئيس بارزاني، إن «رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يقود الدولة بنوايا أوصلتنا لهذا الوضع المريح».
وفي اللقاء جرى استعراض جملة من المواضيع على الصعيد الوطني، وسير تنفيذ الحكومة لبرنامجها الخدمي والاقتصادي والإصلاحي، وسبل المضي في استكمال البناء المؤسساتي للدولة، وفق الدستور والقانون، وإرساء المزيد من التنظيم في الملفات الإدارية والتنفيذية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان، في مختلف المجالات والملفات، والتعاون لضمان وصول الخدمات إلى المواطنين في كل ربوع العراق، كما جرى التباحث في التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة وانعكاس هذه التداعيات على الأمن والاستقرار الإقليميين».
ووصفت مصادر سياسية زيارة الزعيم الكوردي بأنها ليست لبحث ملفات عالقة فحسب، بل لإنهاء جميع الخلافات الفنية والقانونية في مجمل الملفات، الآنية منها على الأقل، المتمثلة بالرواتب والأزمات السياسية، مع استمرار السعي لحل الملفات الكبيرة المتمثلة بقانون النفط والغاز وكذلك ملف استئناف تصدير نفط الإقليم.
ولم تتوقف مباحثات ولقاءات بارزاني في بغداد عند رأس الحكومة الاتحادية، فقد استقبله رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، وبحث معه عدداً من الملفات القانونية والقضائية المهمة الخاصة بتطوير عمل القضاء في إقليم كوردستان. وبعد ذلك التقى بارزاني قادة الإطار التنسيقي، وائتلاف إدارة الدولة، ورئيس مجلس النواب بالإنابة محسن المندلاوي، وأثبتت جميع اللقاءات أن قيادة البلاد بشكل صحيح وناجح تتطلب أن يكون للكورد الرأي الراجح والمهم.
ووصف النائب عن تحالف الفتح سالم العنبكي، زيارة بارزاني إلى بغداد بـ«المهمة»، مؤكداً أنها ستحل الكثير من الخلافات العالقة. وقال العنبكي إن «الحكومة الاتحادية جادة بحسم وحل كل الخلافات العالقة ما بين بغداد وأربيل والمتعلقة بالملفات المالية والنفطية، وقد اتخذت الكثير من الخطوات لحلها»، مشيراً إلى أن «زيارة بهذا الحجم سيكون لها نتائج ملموسة على أرض الواقع».
وحول الطاولة المستديرة جلس الزعيم الكوردي مسعود بارزاني بين قادة الإطار التنسيقي ليعلن مخرجات اجتماعه الدوري، بأن «الإطار عقد اجتماعه الدوري رقم (195) باستضافة السيد مسعود بارزاني والوفد المرافق له، وتم خلال الاجتماع استعراض آخر التطورات السياسية والأمنية في المنطقة والعالم».
وأضاف أن «المجتمعين شددوا على أهمية توحيد الموقف الوطني تجاه مختلف القضايا التي تتعلق بمصلحة العراق، كما جرى التأكيد على أهمية استمرار الجهود القصوى لحل مشكلة انتخاب رئيس مجلس النواب ومساعدة القوى السياسية المعنية في حلها، كما عبر المجتمعون عن ضرورة الوقوف بوجه التحديات التي تعصف بالمنطقة والعالم».
وفيما يتعلق بالتحالف الدولي، اتفقت جميع الأطراف داخل الاجتماع، وفقاً للبيان، على «أهمية إنهاء مهام التحالف الدولي وتغيير شكل العلاقة إلى صورة أخرى من صور التعاون على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة».
بارزاني وسفراء مجلس الأمن
وفي إطار زيارته إلى بغداد، استقبل الرئيس مسعود بارزاني، بعد ظهر يوم الأربعاء الموافق 3 تموز / يوليو 2024، السفيرة الأمريكية لدى العراق ألينا رومانوسكي. وألقى الرئيس بارزاني، خلال اللقاء، الضوء على أسباب زيارته إلى بغداد، حيث أشار إلى شعوره بالنية الحسنة في معالجة المشاكل والالتزام بالدستور، وأكد وجود أجواء إيجابية في بغداد، بالإضافة إلى مناقشة القضايا ذات البعد الوطني، وبشأن بقاء قوات التحالف الدولي، أكد الرئيس بارزاني أن هذه قضية وطنية وليست متعلقة بطرفٍ واحد، مشدداً على ضرورة أخذ استقرار العراق ومصالحه بعين الاعتبار.
وقد أعربت السفيرة الأمريكية لدى العراق، عن دعم بلادها لزيارة الرئيس بارزاني ولتحسين العلاقات بين إقليم كوردستان وبغداد، كما أكدت أنهم يشجعون حكومة إقليم كوردستان والحكومة العراقية الاتحادية على تعزيز علاقاتهما والمضي قدماً في تعزيز الحوار بينهما، وبشأن انتخابات برلمان إقليم كوردستان، رحّبت السفيرة الأمريكية بتحديد موعد لإجراء الانتخابات النيابية في الإقليم.
ورحّب سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بريطانيا وروسيا والصين وفرنسا بزيارة الرئيس مسعود بارزاني إلى العاصمة العراقية بغداد، معربين عن دعمهم لتعزيز العلاقة بين أربيل وبغداد، واستقبلهم بارزاني بمقر إقامته في بغداد.
حوار عقلاني لحل القضايا
ولم تغب عن ذهن الزعيم الكوردي قضية انتخاب رئيس جديد للبرلمان العراقي، التي تعد من القضايا المهمة على الساحة العراقية، فقد تباحث في الأمر مع الزعماء والمسؤولين ببغداد حولها، ومن ضمن تلك المباحثات حول الأمر ما جرى مع رئيس مجلس النواب العراقي بالوكالة محسن المندلاوي الذي ثمن خلال اللقاء الدور والمكانة التاريخية للرئيس بارزاني في العملية السياسية في العراق.
وأعرب المندلاوي، عن أمله في أن يساعد وجود الرئيس بارزاني في حل المشاكل في العراق.
من جانبه أكد الرئيس مسعود بارزاني حسن نية الأطراف، واعتبر أنه من الضروري أن يصبح الحوار أساساً راسخاً لحل القضايا، ومنها قضية انتخاب رئيس مجلس النواب العراقي وعدة مواضيع أخرى تتعلق بالمحافظات العراقية.
وفيما يتعلق بقضية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وتنظيم وجوده في العراق، وبحثها مع عدد من دول المنطقة، أكد الزعيم الكوردي على ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار تحقيق مصلحة العراق والمنطقة بما يتعلق بهذه المسألة.
جاء ذلك خلال لقائه في مدينة بغداد، وفداً مشتركاً من سفارات ثماني دول عربية، ضم كلاً من سفراء دولة الكويت وقطر ومصر والبحرين وسلطنة عمان والقائم بأعمال سفارة الأردن، والقائم بأعمال سفارة السعودية، والقائم بأعمال سفارة الإمارات، حيث عرض الزعيم الكوردي على الوفد الضيف نبذةً حول الأوضاع السياسية العراقية وأسباب ودوافع زيارته إلى بغداد، ولقاءاته وحواراته مع الأطراف السياسية، مشيراً إلى تبلور أجواء إيجابية فيما يتعلق بالأوضاع والمواقف السياسية في العراق، وإمكانية التوصل، على أساس هذا المناخ المتهيئ حديثاً، إلى نتائج جيدة لمعالجة الخلافات وإنهاء العقبات والتوترات، وهذا بحد ذاته ينعكس على استقرار العراق والمنطقة.
كما سلّط بارزاني في معرض حديثه على مسألة بقاء قوات التحالف الدولي في العراق، مشيراً إلى ضرورة وضع أسس ذلك في إطار الاتفاق والتوافق الوطني والأخذ بنظر الاعتبار تحقيق مصلحة العراق والمنطقة.
وفي جانب آخر من الاجتماع، عبّر سفراء الدول العربية وأكدوا أن بلدانهم ستقدم الدعم الكامل للعراق بغية تعزيز الأمن والاستقرار ورفاهية المواطنين العراقيين ومعالجة الخلافات السياسية في البلاد.
لقاءات الزعيم الكوردي لم تتوقف عند الزعماء السياسيين بل التقى عدداً من الإعلاميين وقادة الرأي في العراق وبعض الضيوف العرب الموجودين في بغداد للمشاركة في الاحتفال بعيد الصحافة العراقية الـ 155، وكانت آراء الضيوف تتمثل في أن تلك الزيارة ستحمل للعراق بشكل عام والكورد بشكل خاص الكثير من الحلول.
بارزاني يمنح القوة للعملية السياسية
وفي اليوم الثاني للزيارة، يوم الخميس الموافق 4 تموز / يوليو التقى الرئيس مسعود بارزاني، مع القيادات السنية، في منزل رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر ببغداد، وثمنت قيادات وأحزاب سنية خلال اللقاء، زيارة الرئيس بارزاني إلى بغداد، واعتبرتها زيارة تاريخية ومهمة ستترك أثراً إيجابياً على العملية السياسية برمتها، كما نوقشت مطالب ومشاكل السنة ومسألة تعيين رئيس مجلس النواب العراقي.
وفي اللقاء نفسه، دعت الأحزاب السياسية السنية الرئيس بارزاني إلى مد يد العون في العملية السياسية بالعراق، حتى تصل كافة الطوائف إلى حل مشاكلها ومطالبها، وأكدت أن وجود الرئيس بارزاني في بغداد يعد دعماً للسنة والمكونات العراقية الأخرى، ويمنح القوة للعملية السياسية. ومن جانبه، أعرب الرئيس بارزاني عن سعادته بلقاء الأحزاب السنية، وتمنى أن يكون اللقاء بداية لمزيد من التفاهم والتنسيق بين الأطراف.
وفيما يتعلق بمسألة تعيين رئيس مجلس النواب العراقي، قال الرئيس بارزاني إن المصلحة العامة والمستقبل والمصير فوق المصالح الفردية والحزبية، ودعا الأطراف السنية إلى مساعدة بعضهم بعضاً وحل هذه القضية في أسرع وقت ممكن.
ومن بين القيادات السنية أيضاً اجتمع الرئيس مسعود بارزاني مع رئيس حزب تقدم، محمد الحلبوسي، وناقش معه الأوضاع السياسية في العراق والمعادلات المتعلقة بها، بالإضافة إلى تنفيذ والتزام الأطراف السياسية باتفاق إدارة الدولة.
واستقبل الرئيس مسعود بارزاني، بعد ذلك، رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، وتم تبادل الآراء ووجهات النظر معه حول العلاقات الثنائية ووضع آليات للتنسيق مع الأطراف المنضوية في الإطار التنسيقي.
وامتداداً لزيارته، قام الرئيس مسعود بارزاني، بزيارة فخامة رئيس جمهورية العراق، السيد عبد اللطيف جمال رشيد، وحضر اللقاء عدد كبير من القادة السياسيين العراقيين، وأكد رئيس الجمهورية تقديرَه لزيارة الرئيس بارزاني إلى بغداد، واصفاً إياها بـ«المهمة والمؤثرة في تعميق الحوار البنّاء بين الأطراف السياسية»، معرباً عن أمله بأن «تصب نتائج الزيارة في خدمة استقرار العراق وتحقيق مصالحه».
وجرى خلال اللقاء ذاته، التباحث حول الأوضاع العامة في العراق وآخر التطورات فيه، والتأكيد على تكثيف العمل المشترك وتعزيز التنسيق بين الأطراف بُغية تجاوز العقبات والتحديات وإدامة الأجواء الإيجابية الناشئة في العملية السياسية العراقية.
وكانت آخر زيارة أجراها الرئيس بارزاني إلى بغداد في 22 تشرين الثاني 2018، حيث اجتمع خلالها مع رئيس الوزراء العراقي آنذاك، عادل عبد المهدي، ورئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي، ومجموعة من قادة الأحزاب السياسية العراقية، كما توجه حينها إلى النجف حيث التقى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر.