الترحال في المناطق الجبلية بإقليم كوردستان العراق يختلف عما عليه بمناطق غرب وجنوبي العراق، فهنا الأراضي وعرة للغاية ولا وجود للأراضي المنبسطة، حيث المراعي الغنية بمختلف الأعشاب بالإضافة إلى وفرة المياه العذبة التي توفرها الثلوج طوال فصل الصيف.
العم حكمت برادوستي، وهو في نهاية الستينات من عمره، استقر مع أفراد عائلته فوق قمم جبال «پڕژێ» ببلدة چومان الحدودية مع إيران، شمال أربيل، قادماً من قريته شرقي المحافظة، حالهُ حال العائلات البدوية الأخرى، يتدفقون الى هذا المكان، مع بداية فصل الصيف، باحثين عن المروج الخضراء والمياه. برادوستي تحدث لـ«كوردستان بالعربي»، قائلاً: «حرمنا من هذه المناطق إبان الحرب العراقية - الإيرانية، لكننا الآن نقضي الصيف كل عام في هذه المراعي الغنية بمختلف الأعشاب، والطقس باردٌ ومعتدل هنا». فيما أكد راعي أغنام رفض الكشف عن اسمه أن «بعض مناطق الرعي حرمنا من الوصول إليها بسبب وجود عناصر حزب العمال الكوردستاني».
تستمر رحلة العوائل الكوردية مع مواشيهم من الأغنام والمعيز، لبضعة أيام سيراً على الأقدام من قراهم الأصلية في مناطق مختلفة من كوردستان العراق. الرحلة السنوية لأصحاب المواشي، تبدأ مع ارتفاع درجات حرارة فصل الصيف، متوجهين إلى مناطق أقلُ حرارة، كما أن الثلوج تغطي أجزاء من قمم الجبال، إلى حد أنهم - كما أكد برادوستي - لا يتركون ارتداء الملابس الشتوية حتى في فصل الصيف.
شاب من الكورد الرحل يمتطي حصانه في إحدى المناطق الجبلية بكوردستان العراق
تستمر رحلة العوائل الكوردية البدوية مع مواشيهم من الأغنام والماعز،لبضعة أيام سيراً على الأقدام
زوجة «العم حكمت» وبناته لهن نشاط واضح، في ترتيب الخيام وتحضير الطعام، وعند رجوع الأغنام قبل غروب الشمس، وهن يقُمنَ بحلب الأغنام وجمع الحليب في البرمة (الدلو) ليصنعوا منه مشتقات الألبان. وتقول الزوجة «فقط عندما نحتاج شراء علاجات من الطبيب البيطري للمواشي، نقوم ببيع جزء من مشتقات الحليب، والباقي نستخدمه ونعطيه لأي عابر سبيل أو سائح».
الحياة هنا لا تخلو من الخطورة ليلاً، هنالك حيوانات وحشية مثل الذئاب والدببة، لذا يتوجب على الرُحّل الكورد أن يمتلكوا كلاب حراسة مع الأغنام وكذلك قرب الخيام، وسلاحاً للدفاع عن النفس، كما يتناوب الشباب ليلاً على السهر لحراسة الخيام والمواشي. وأوضح برادوستي أنه «في ساعات الليل لا نعتمد فقط على كلاب الحراسة، إنما نمتلك أسلحة مُرخصة يتناوب الشباب على حملها ليلاً، للدفاع ضد أي هجوم من بعض الحيوانات المتوحشة».
خيام مختلفة الأحجام، يتم نصبها من قبل العائلات الراحلة على الجبل، ليمكثوا في المكان ثلاثة أشهر، ثم يرحلون مع قرب عودة فصل الشتاء المبكر في شهر أيلول. حياة تبدو بدائية يعيشونها، حيث لا كهرباء ولا وسائل اتصال ولا طرقات معبدة، إلا أن همهم يكمن فقط في كيفية الحفاظ على ما ورثوه من آبائهم وأجدادهم في مهنة تربية الاغنام.
بعيداً عن المدنية والتحضر، هنا في أعلى قمم جبال كوردستان، تختلف الحياة عما نعرفه في الصحاري والبراري، هنا رُحّل من نوع آخر، يصعدون قمم الجبال صيفاً برحلة مليئة بالمتاعب ولا تخلو من الخطورة، وينزلون أسفلها هرباً من الشتاء المبكر، لتستمر الرحلة بحثاً عن الحياة.