التدفق Flow حالة ذهنية فريدة تجمع بين التركيز العالي والشعور بالرضا والسعادة. من خلال تحقيق التدفق، يمكننا تعزيز إبداعاتنا وتحقيق مستويات أعلى من السعادة والرضا الشخصي في حياتنا اليومية.
الكاتب ميهالي تشيكسنتميهالي مؤلف كتاب «التدفق – سيكولوجية التجربة المثلى» (Flow: The Psychology of Optimal Experience, By Mihaly Csikszentmihalyi) يُعتبر من الرواد في دراسة السعادة والإبداع وحالة التدفق.
يصف تشيكسنتميهالي التدفق بأنه حالة من الانغماس الكامل والتركيز العالي التي يشعر بها الإنسان أثناء أداء نشاط معين، بحيث يفقد الشعور بالوقت وتصبح التجربة نفسها ممتعة للغاية.
وحول علاقة التدفق بتحقيق السعادة يرى أن الأنشطة التي تجلب حالة التدفق تعزز الشعور بالإنجاز والإتقان، مما يسهم في تعزيز السعادة والرضا الشخصي.
تدفق الطاقة
في حالة تدفق الطاقة تكون حواسنا ليست فقط مشاركة كليّة، بل تكون أيضاً إيجابية ونشيطة وتغمرنا الشعور بالسعادة فيما نقوم به. الشعور بالسعادة يمنحنا القدرة على تجاوز المشاعر السلبية والعقبات الداخلية مثل الاكتئاب والشك والخوف. بدلاً من ذلك، يخلق شعوراً بالبهجة والراحة والنشوة والحماس في خضم عملية الإبداع.
باختصار، الإنسان الذي يبلغ حالة التدفق، تدفق الطاقة في كل ما يفعله، يشعر بسعادة غامرة لأنه يكرس عقله وحواسه لعمله، وهو ما يمنحه سعادة نفسية كبيرة. السعادة تأتي عندما تتكيف مع طاقة الحياة وتتناغم قدراتك معها، فطاقة الحياة أوسع بكثير من طاقة الإنسان نفسه وهي التي تدفعه إلى الأمام.
وطاقة الحياة تكمن في كل عمل إبداعي نقوم به، وبمقدورنا العثور على تلك الطاقة بسهولة من خلال تخصيص وقت للإبداع.
عندما يكون لدينا عمل مهم، نضبط ساعاتنا أو هواتفنا المحمولة على المنبه ونستعد في الصباح الباكر. بالطبع، ولكن ماذا عن الأنشطة الأخرى في حياتنا؟ ماذا عن الاستمتاع بالإبداع وجمال الحياة؟
لسوء الحظ، معظمنا لا يضبط ساعاته للإبداع. لا أعتقد أن معظمنا يخصص وقتاً للاستماع إلى الموسيقى في وقت معين، أو للذهاب إلى المسرح، أو لقراءة كتاب مهم، أو لمشاهدة فيلم جيد.
يعتقد معظم الناس أنهم يخصصون أوقاتهم للأمور الحياتية المهمة، ولكن فيما يتعلق بالإبداع، لا يرغبون في تخصيص وقت له أو تكريس الجهد، لأنهم لا يعتبرونه ضرورة في الحياة.
فمكالمة هاتفية عرضية أو محادثة فارغة يمكن أن تمنعنا من الاستماع إلى أجمل السوناتات والسيمفونيات، أو من قراءة أفضل الكتب.
قوة السعادة والطاقة الإيجابية
في كتابها «الطاقة الإيجابية»، توضح العالمة النفسانية جوديث أورلوف أن للسعادة حكمة خاصة تساعدنا في الوصول إلى الإبداع، علينا أن ندرك أننا قادرون على تحقيق ما بوسعنا من دون أن نضغط على أنفسنا بتوقعات غير واقعية تفوق إمكانياتنا. إذا فعلنا ذلك، سنواجه مقاومة من تيار الحياة مما قد يؤدي إلى إيذاء أنفسنا.
التوازن بين الجهد والراحة
الإبداع يتطلب جهداً كبيراً لتحقيق الأهداف، لكن من الضروري معرفة متى نتوقف لنستريح ونستمتع بالسلام الداخلي. الراحة هي الأساس لتحقيق تدفق الطاقة المناسب. يجب أن نتعلم متى نبتعد عن العمل ونمنح أنفسنا فترات من الراحة لاستعادة حيويتنا.
الفن والتكيف مع طاقة الحياة
الفن، وأعني فن الحياة، يعكس قدرتنا على السباحة مع تيار نهر الحياة. فالتكيف مع طاقة الحياة يعني السباحة معها بسلاسة، وليس ضدها، لتجنب الإرهاق وعدم الوصول إلى أهدافنا.
ولكن السؤال الملح الذي يفرض نفسه هو: كيف نطلق طاقتنا الداخلية ونجعلها تتدفق بحرية وسلاسة مع روح الحياة؟
نظرتنا للحياة هي العامل الأساسي في كيفية تنشيط الطاقة الكامنة في أعماقنا. إذا لم نتمكن من تغيير مسار طاقة الحياة من حولنا، يمكننا تغيير مسار الطاقة داخل أنفسنا، وهذا الأمر تحت سيطرتنا الكاملة.
الدكتور فاضل جاف
دكتوراه في العلوم المسرحية من أكاديمية سانت بطرسبرج للفنون المسرحية