يرتبط المولد النبوي و«المولودنامة» ومراسيم المولد بالتقاليد والثقافة الكوردية أكثر من أي احتفال إسلامي آخر. ويبدو أن كوردستان هي منشأ الاحتفال بعيد المولد النبوي وليست بلاد العرب والجزيرة العربية.
وحسب الروايات التاريخية، أقيم أول احتفال بالمولد النبوي في عام 604 هـ / 1207 م خلال فترة حكم السلطان مظفر الدين كوكبري، حاكم أربيل وصهر صلاح الدين الأيوبي، كما وقامت كافة طبقات وشرائح المدينة بإحياء هذه المناسبة.
ابن خلكان (681 هـ / 1282 م)، المؤرخ الكردي المقيم في أربيل في زمن كوكبري، أورد وروى تفاصيل دقيقة عن كيفية الاحتفال بالمولد النبوي.
ووفقاً لرواية ابن خلكان، كان كوكبري يدعو عدداً كثيراً من الفقهاء والصوفيين والشعراء والوعاظ من بغداد والموصل، والجزيرة وسنجار ونصيبين وغيرها من المناطق غير العربية في الفترة من 8 إلى 12 ربيع الأول إلى أربيل.
كان يتم خلال عيد المولد نحر مئات الأضاحي من الأبقار والأغنام والإبل، وتبدأ الاحتفالات بنغم وصوت الموسيقى، ودق الدفوف والطبول، وتُستضاف الوافدون وعابرو السبيل والمشاركون في الاحتفال لعدة أيام على أتم وأفضل شكل.
وفي العصر الأيوبي أصبحت أربيل رمزاً لعيد المولد النبوي في جميع البلدان الإسلامية، حيث الناس وفي جميع الأنحاء يأتون سنوياً إلى أربيل بغية المشاركة في هذا العيد. كما وفي المدن والمناطق الكردية الأخرى الخاضعة للحكم الأيوبي، كان يتم إحياء هذا العيد أيضاً وبأبهى الأشكال.
تاريخياً، بدأت كتابة «المولودنامة» في القرن السادس أثناء حكم الأيوبيين، ولا توجد «مولودنامة» مستقلة ومعروفة قبل ذلك العهد. ولذلك يمكن القول إن عيد المولد النبوي كان له علاقة بقراءة الكرد الخاصة للدين الإسلامي الذي يجب تفسيره في إطار الإسلام الكردي. ومن المرجح أن هذه القراءة انتشرت من خلال كوردستان إلى العالم الإسلامي.
وهنا لا أستطيع أن أخفي أسفي عندما أقارن إسلام العلماء والسياسيين الأكراد في ذلك الوقت بإسلام البعض اليوم. ففي ذلك الوقت، كانت القراءة المحببة للحياة والمتسامحة في الإسلام، أصبحت هي الخطاب البارز والسائد في البلاد الإسلامية، وكان علماء الأتراك والعرب يأتون إلى أربيل من كل حدب وصوب للاجتماع في ظل راية هذا الخطاب، وذلك لكي ينعموا ببركته وعطائه وعلمه وفضله. لكن للأسف، فإن القراءة الإسلامية الحالية السائدة في الثقافة الكردية هي قراءة تركية وعربية للإسلام والتاريخ الإسلامي والتي تبذل قصارى جهودها لطمس الهوية الكوردية وإنكار كوردستان.
إعادة النظر في تاريخ عيد المولد النبوي و«المولودنامة» الكوردية، تثير سؤالاً كبيراً لدي، ألا وهو: لماذا لا ينشغل بعض علماء الكورد الحاليين بقراءتهم الخاصة لحياة النبي والقرآن وفق الجغرافيا والظروف الكوردية وعلى شاكلة أجدادهم، بينما يقومون بذلك من خلال العلماء والسياسيين الأتراك والعرب ويجعلون منهم قدوة لهم؟
تحمل «المولودنامة» الكردية رسالة مهمة وعظيمة، وهي أن العلماء الكورد دعوا ومنذ عدة قرون قبل الآن للتواصل المباشر مع نبيهم في وطنهم ومن خلال لغتهم وثقافتهم من دون الانصياع لأي متسلط وعدم الرضوخ تحت رايتە. وهذه الرسالة غير المباشرة هي أيضاً رسالة نبينا الذي يعتبر المسلمين إخوة متساوون ولم يجعل أي أمة أو جماعة عبدة للآخرين.
إسماعيل شمس
باحث من مدينة كارمانشاه الكوردية الإيرانية، حاصل على دكتوراه في التاريخ