الأرشيف التاريخي ليس مجرد مستودع للوثائق القديمة، بل هو كنز من المعلومات القيمة التي تسهم في فهم الماضي، وتشكيل الحاضر، والتخطيط للمستقبل. ومن خلال الاستفادة الذكية من الأرشيف، يمكننا الحفاظ على تراثنا الثقافي والتعلم من تجارب الماضي لبناء مستقبل أفضل.
وبما أن كوردستان كانت وما تزال تحت سيادة دول أخرى، لأسباب شتى، سابقاً كالإمبراطوريتين العثمانية والصفوية بعد التقسيم القسري الذي حصل لها عقب معركة تشالديران في 23 آب / أغسطس 1514، ومراحل تاريخية تلتها، وحالياً تحت سيطرة دول أخرى بعد اتفاقية سايكس بيكو وتوزيع إرث الدولة العثمانية على المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، أصبح تاريخ كوردستان جزءاً من الأرشيف العثماني الذي يحتوي على سجلات ووثائق مهمة لحقبة الحكم العثماني في الشرق الأوسط وأوروبا. وأرشيف جيرترود بيل، المستشرقة البريطانية، الذي يضم وثائق وصوراً مهمة عن منطقة الشرق الأوسط في بدايات القرن العشرين. بالإضافة إلى الأرشيف الوطني في بريطانيا الذي يحتوي على وثائق مهمة عن التاريخ البريطاني والمستعمرات السابقة. فضلاً عن كتب الرحالة الذين تجولوا في كوردستان في مهمات استكشافية ولكن لأغراض سياسية، مثل المستشرق البريطاني مارك سايكس الذي وقع سنة 1916 على اتفاقية سايكس – بيكو بين مارك سايكس عن بريطانيا مع فرانسوا جورج بيكو عن فرنسا، لاقتسام مناطق النفوذ في أراضي الهلال الخصيب التابعة بمعظمها وقتها للدولة العثمانية المتهاوية، وقسمت كوردستان على أربع دول. ويشير الكتاب إلى شخصية مارك سايكس الذي ظهر في الأرشيف العثماني بين أعوام 1898 و1916 بهويات مختلفة، كعالم آثار، وطالب بريطاني، وأيضاً كقائد لإحدى السفن، وليشاهَد في كركوك كسائحٍ ومن ثم ككاتب.
الكاتبان الصحفيان بوتان تحسين وسادات إيروغلو، نبشا في جانب مهم من الأرشيف العثماني ليخرجا لنا بكتاب معنون باسم «نفط كوردستان في العهد العثماني – وثائق، خرائط، صور»، ويكشفا من خلاله عن العديد من الحقائق التي ظلت مخفية لسنوات طويلة، مسلطاً الضوء على الجرح الكوردي النازف منذ انهيار الدولة العثمانية.
يقدم الكتاب استعراضاً شاملاً لمطامع الدول الغربية في الثروات الطبيعية الموجودة في مناطق مختلفة من كوردستان، مع التركيز على الجزء الذي يقع ضمن حدود الدولة العراقية الحالية. يتوقف الكتاب عند محطات مهمة، وخاصة قضية نفط كوردستان، التي لها علاقة برسم خارطة جديدة للشرق الأوسط بشكل عام، وجنوب كوردستان بشكل خاص. كما يستعرض بالوثائق والصور، تفاصيل الخطط والمؤامرات، وكذلك بعض المعلومات المسجلة عن المدن والبلدات في جنوب كوردستان وولاية الموصل، التي ترتبط بعضها بالمناطق الخارجة عن إدارة إقليم كوردستان الحالي مثل مندلي، وخانقين، والخالص، وشهربان، وبدرة، وجصان التابعة لديالى وبغداد.
غلاف كتاب نفط كوردستان في العهد العثماني
يتألف الكتاب من الصور والخرائط ووثائق الأرشيف العثماني وأرشيف جيرترود بيل. كما تتم الإشارة في الكتاب، إلى كيفية تحويل السلطان عبد الحميد الثاني تلك المناطق إلى ملكية خاصة له، ولاحقاً يقوم بعض أصحابها بتقصي مصير أراضيهم المستولى عليها.
واستفاد المؤلفان من صور ألبوم يلدز العثماني التي تتعلق بجنوب كوردستان، التي التقطت من قبل مهندس الخزينة الخاصة باول كروس بوف، والمفتش الزراعي الهمايون مظفر بن فؤاد، ومصور قصر السلطان مسروب. كما تمت الاستفادة من صور للرحالة البريطاني إيرل بيرسي تتعلق بالموضوع.
ويعطي المؤلفان الصحفيان بوتان تحسين وسادات إيروغلو، في كتابهما، أدلة مدعومة بالصور والوثائق، تثبت أن حروب المائة عام الماضية التي شهدتها المنطقة كانت على نفط كوردستان، وهذه الحرب مستمرة حتى اليوم بشكل أو بآخر.
كما يركز الكتاب على أهمية كوردستان باعتبارها شاهدة على تطور الإنسانية، وكيف أن استخدام المعادن فيها يعود إلى أكثر من 10 آلاف عام قبل الميلاد، حسب نتائج الدراسات الأثرية، وكذلك الرحالة الذين مروا بالمناطق الكوردية مثل ابن بطوطة وأوليا جلبي.
الثروات الطبيعية وأطماع الدول
يعرض المؤلفان في الكتاب كيف أن بريطانيا، وألمانيا وفرنسا كانت على دراية تامة بالثروات الطبيعية التي تحتويها أراضي كوردستان، خاصة النفط. ويبينان أن هذه المعرفة لم تكن مجرد معلومات جغرافية، إنما محركاً رئيسياً للأطماع الاستعمارية في المنطقة.
النفط... نعمة ونقمة
يؤكد المؤلفان على أن النفط، الذي يعد من أهم الثروات الطبيعية في كوردستان، قد تحول إلى نقمة على الشعب الكوردي بسبب الأطماع الدولية. ويوضحان كيف أن السياسات الاستعمارية للدول الغربية لم تكن تهدف فقط إلى السيطرة على النفط، بل أيضاً إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة على حساب حقوق الشعب الكوردي.
الخلاصة
يعد هذا الكتاب إضافة قيمة للمكتبة التاريخية، حيث يزيح الستار عن حقائق مهمة عن التنافس الدولي على ثروات كوردستان ودور ذلك في تشكيل واقع المنطقة. ويشكل دعوة لفهم أعمق للتاريخ وأبعاده المعقدة، وتذكيراً بأهمية السعي نحو العدالة والحقوق المشروعة للشعوب.
صدر الكتاب باللغات الكوردية والعربية والإنكليزية.
عبد الحميد زيباري
صحفي كوردي