«هيران»... واحة كوردستانية تزخر بالجمال
«هيران»... واحة كوردستانية تزخر بالجمال
August 05, 2024

يزخر إقليم كوردستان بالكثير من مناطق الجذب السياحي، لما يتميز به من تنوع طبيعي أخاذ وأجواء تتراوح بين البرودة الشديدة شتاءً، والاعتدال صيفاً، الأمر الذي جعله قبلة للزوار لاسيما من مناطق وسط العراق وجنوبه.. مثلما يزخر أيضاً بقصص الثورة ضد الظلم والطغيان.

يقترن اسم هيران غالباً باسمِ قرية (نازَنين)، فيُقال (هيران ونازَنين)؛ أما عن أصل تسمية هيران فهناك آراء متعددة حولها، أرجحها حسب المصادر التاريخية أن قِسّاً باسم (مار يعقوب) عاش في قرية (آقوبان) كان والداً لفتاتين هما (هلال ونازلي) قدم لهما والدهما مزرعتين كبيرتين في تلك المنطقة، ثم مع مرور الزمن تحولت تسمية (هلال ونازلي) إلى (هيران ونازنين)، ومن المحتمل أن يكون تاريخ هيران أقدم من ميلاد المسيح.

قرية هيران في إقليم كوردستان

 

تتبع ناحية هيران لقضاء شقلاوة التابعة لأربيل، وأصبحت ناحية بجهود كل من شهيد القضية الكوردية الكاتب والمترجم المعروف شاكر فتاح، وميران (واحد بك) ومير (آغا واحد بك) في سنة 1954، حيث سميت بداية باسم (ناحية خوشناو) وتضمنت إقامة مستشفى ومركزاً للشرطة، فضلا عن 15 مؤسسة حكومية، وتتبع هيران إداريا 18 قرية. وتقع على الجانب الشرقي لجبل «سفين»، وتتمتع بطبيعة خلابة تطرزها الغابات والمروج الخضراء والبساتين ووفرة مياه الينابيع فيها، ما يشكل لوحة أخاذة تخطف الأبصار وتنعش القلوب.

تبدأ سلسلة جبل سفين من قرية (جلي) شرقاً وتنتهي بقرية (هيران) غرباً، وترتفع 1974 متراً عن مستوى سطح البحر. ويقع جبل سفين جنوب غرب ناحية هيران، التي تبعد 11 كيلومتراً عن الجبل. ويقال عن أصل تسمية جبل سفين أنها جاءت من رسوّ سفينة نوح عليه السلام على هذا الجبل بعد الطوفان الكبير. ويمتلك الجبل أكثر من عشرة عيون للماء الصافي. وسطحه منبسطٌ وحولهُ قمم جبلية، ويقال إن خانزاد أميرة سوران كانت تقضي معظم أوقاتها هناك في فصل الصيف هرباً من حر الطقس.

ويقع جبل سورك شمال ناحية هيران بارتفاع 1441 متراً عن سطح البحر، يفصل وادي هيران عن وادي باليسان، ويبدأ شرقاً من بتوين وينتهي بمنطقة سبيلك التابعة للعشائر السورجية، ويمتلك منابع مياه صافية.

وتحتوي على غابات كثيفة من الأشجار الطبيعية مثل: (شجرة البلوط، ومازي، والكمثرى البرية، والجوز، وكفر، وداربن، وكوت، وبلاروك، وتوسكة، وتاوك). 

ويوجد في ناحية هيران وادٍ باسم (وادي هيران)، يرتفعُ عن سطح البحر 900 متر، ويقع بين جبلي سفين وسورك. 

وتعتبر هيران منطقة جبلية بشكل عام وتكاد تكون طوبوغرافية المنطقة محصورة على الجبال، ولكنها مع ذلك تحتوي على سهل واحد يعرف بـ(سهل هيران السفلي)، وعلى الرغم من ضيق مساحته، فإنه يمتلك صفات السهل لأنه منبسط ويزداد عدد سكانه يوماً بعد يوم.

وفي الطرف الشرقي لهيران هناك مقبرة كبيرة تسمى بمقبرة (گلكند)، يعود تاریخها إلی 300 - 400 سنة. وتحتوي علی صخرة عظيمة اتخذها شيوخ ومريدو هيران مقبرة لهم ومكاناً للخلوة والعبادة وذلك بحفرها وصنع غرف داخلها وهؤلاء الشيوخ يطلق عليهم مصطلح (كاك)، بدل الشيخ، وفوق تلك المقبرة يرقُد شخصيتان معروفتان في منطقة خوشناوتي، وهما كلٌ من المرحوم (ميران واحد بك) والمرحوم (ميران آغا واحد بك)، حيث يرقدان في غرفة خاصة بهما في تلك المقبرة. 

تحتوي هيران على مساحات خضراء واسعة من المزارع والغابات. وكما هو معروف لدى الجميع، فإن هيران تشتهر بالأخص بفاكهة الرمان، فضلاً عن كثير من المحاصيل الزراعية الأخرى: (كالقمح، والشعير، والعدس، والحمص، والرز... الخ)، وأنواع من الفواكه الأخرى (كالعنب، والجوز، والكثمرى، واللوز، والتفاح، والخوخ، والتين، والأجاص الأحمر والأصفر، والتوت، والسماق وغيرها...). كما أنها غنية بالثروة الحيوانية وتمتلك مراعي زراعية غنية لتربية المواشي والطيور الداجنة مثل: (الماعز، والأبقار، والدجاج، والديك الرومي، والبط، والوز، والقبج، والسلوى والبلابل).

طبيعة هيران الجميلة بينابيعها الصافية وهوائها الصافي وأشجارها الباسقة جعلتها واحة للسياح في فصل الصيف، إذ يتوافد إليها آلاف السياح الأجانب والمحليين من جنوب ووسط العراق لينعموا بجمالها وصفاء طبيعتها، كما إنها لا تخلو من السياح في فصل الشتاء لينعموا بمنظر الثلوج المتراكمة.

ناحية هيران ليست غنية بالمياه السطحية، إذ فيها نهر واحد يجف في فصل الصيف ويرتفع منسوبهُ في فصل الشتاء. ولكنها غنية بالمياه الجوفية والينابيع التي نضبت بعضها في السنوات الأخيرة مما دفع أهاليها الى الاعتماد على الآبار الجوفية. 

ولا يخفى أن ناحية هيران قد برز كثير من الفنانين الأكفّاء، مثل (خرمان هيراني، تلار هيراني وخوشوي هيراني). والكُتّاب والصحفيين البارزين مثل (فرياد هيراني) و(سرتيب آغا واحد بك) و(شاناز هيراني)، ولا ننسى الشاعر المعروف صافي هيراني. 

من اليمين: أحمد مندير، ميران آغا واحدبك الهيراني، صابر وأحدبك، نزهت وأحدبك... والواقفان غير معروفين.. الصورة تعود لبداية ستينات القرن الماضي

 

قام مراسل جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكي المشهور الرحّالة (دانا آدم شميدت) بزيارة الى جنوب كوردستان أثناء ثورة أيلول بين عامي 1962 و1963 حيث زار هيران وكتب في مذكراته عن المظالم التي تعرض لها الشعب الكوردي بيد حكومة العراق آنذاك، وكتب عن الآلام والصعوبات والتهجير الذي ذاقه أهالي هيران، إذ يقول عن هيران في الصفحة 120 من كتابه «رحلة الى رجال شجعان في كردستان» (الطبعة الرابعة – 2021، بترجمة ماني): «في تلك الناحية كنت ترى الأهالي واقفين أمام الشبابيك والأبواب ينتظرون قدوم البيشمرگة الذين يتوافدون بأعداد كبيرة، حيث يقوم الناس برعايتهم، والمدينة قد هجرها معظم أهلها وحلت عليها النقمة والنكبة التي كتبها الله على تلك المدينة». 

في 23/5/1988، بدأت حملة الأنفال الخامسة المشؤومة في محور (باليسان ــ هيران) واستمرت الى 7/6/1988. وشملت تدمير وحرق ثمانية قرى في تلك المنطقة؛ وتهجير أهلها الى أربيل وشقلاوة، والمئات من الشباب مصيرهم مجهول إلى الآن. ولم تنعم هيران بالأمان إلا نادراً، خاصة بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 وما أعقبها من مشاكل واجهت الكورد بعدها.

وبعد اندلاع ثورة گولان، نزح أكثر من سبعة آلاف عائلة من أهالي قرى تلك المنطقة إلى المراكز وصلاح الدين، وبعضهم إلى إيران المجاورة؛ ومع كل ما تعرض لها هيران وأهلها من مصائب وآلام ونكسات، فإن الناحية قد ازدهرت بعد انتفاضة عام 1991 يوماً بعد يوم في ظل حكومة إقليم كوردستان وازدادت عمراناً ونمواً. 

المناطق الأثرية في هيران

گردباپیر ‌و باپیرگرد: منطقة أثرية مهمة تعود لحقبة الساسانيين (226 ــ 632) بعد الميلاد، تقع أسفل سورتك هيران، أو سورتك سليم الواقعة بين قريتي فريز ومندير، في هذه الهضبة آثار القلعة والمساكن القديمة، وفيها بقايا قواعد وأساسات البيوت التي تُرى حدود جدرانها المهدمة من بعيد، حيث تتناثر صخور البناء هنا وهناك حول المنازل المهدمة، وتتضمن هذه المنطقة الأثرية مقبرة كبيرة تقع شرق تلك الهضبة. 

گردبانیشكان: تم اكتشافها في 28/11/1949 من قبل باحثين ومكتشفي آثار كبيرين، طه باقر وفؤاد سفر. وتعود هذه الهضبة إلى عهد الإمبراطورية الآشورية (911 - 612) وموقعها فوق ربوة من الأرض بين سورتك هيران وأسفل قرية دوري وأعلى ناحية هيران، حيث ما تزال بقايا وآثار المنازل الأثرية المنهارة ظاهرة للعيان لحد الآن.


محمد أديب

كاتب سوري. خريج معهد المعلمين. له عدة مقالات منشورة في عدد من الصحف


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved