لوّنت جامعة جيهان يوم أمس مدينة أربيل، بقطع خزفية مصنوعة على إيدي خزافين محترفين، حملوا أعمالهم من دولهم العربية وجاءوا للمشاركة في معرض أربيل الدولي للسيراميك.
المعرض الذي احتضنته جامعة جيهان، كان الأول من نوعه في إقليم كوردستان، جمع أكثر من 12 فناناً عربياً في روح واحدة تجلّت من خلال أعمالهم الفنية، وامتزجت ثقافة المدينة وروحها المتأصلة وموسيقاها الراسخة مع جنون الخزاف وحبه للنحت، وتحوّل التراب إلى لونٍ براق لفت الأنظار وشد القلوب ونشر الطمأنينة في المكان.
أول معرض للسيراميك في كوردستان
وكان لابن مدينة أربيل الفنان، دانا صلاح، شرف تنظيم هذا المعرض الذي أطلق عليه اسم «تراب»، لأن الخزاف يتقن جيداً كيف يمزج تراب وطنه مع مائه ويلوّنه بألوان جباله فيخرج بقطعة خزفية برّاقة. يقول صلاح لمجلة «كوردستان بالعربي»: بدأنا بالتفكير بتنظيم هذا المعرض قبل 6 أشهر، أنا وصديقي الخزاف العراقي سعد العاني، فكرتنا هي تنظيم معرض دولي للسيراميك في مدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان.
ويضيف صلاح: هذا أول معرض للخزف والسيراميك في كوردستان، تواصلنا مع الخزافين من 12 دولة عربية منها قطر وتونس ولبنان والأردن، وأنا مثّلت بلدي كوردستان من خلال مشاركتي بعمل واحد.
كيف يرى الإنسان طفولته؟
يعود بنا الفنان العراقي سعد العاني إلى طفولتنا، يذكرنا من خلال أعماله، بالعراق قبل 50 عاماً، يقول لـ«كوردستان بالعربي»: شاركتُ في معرض «تراب» بـ5 أعمال، جميعها تحكي عن هواجس الإنسان وذكرياته وآماله وخيباته.
يحكي العاني قصة أعماله، بقوله: العمل الأول سميته «فَرّارات». في طفولتنا كنا نلعب بمروحة ورقية رخيصة نسميها «فرارة»، أي طفل يستطيع أن يشتريها، وهي عبارة عن عود خشب رفيع ملفوف بورقة، كنا نحاول تحريكها بالهواء.
أما العمل الثاني، سميته «دولاب الهواء»، وهو عبارة عن كُرات ملتصقة ببعضها البعض، تقف على أغصان راسخة بالأرض، شبهتها بالأقدام البشرية، هذا الدولاب يحمل كل أفكاري وذكرياتي، يتحدث عن لحظات فرح وحزن وسعادة وأمل... يضيف العاني.
وعن أهمية فن السيراميك، يشرح الخزاف العراقي: فن السيراميك يفيد الإنسان بأكثر من قضية، إنه فن صناعي يدخل في حياتنا اليومية، لأننا نستخدم الطبق المصنوع من الخزف، والكأس والملعقة، كلها من خزف، وفي ذات الوقت، إنه فن قريب إلى روح الإنسان، ينتج تحفاً فنية يمكن أن تُوضع في أي بيت.
وعن تاريخ الخزف العراقي، يقول العاني: العراق من أقدم الحضارات في العالم، إنها حضارة طينية لأن أرضنا ترابية، بدأ الإنسان يستخدم التراب لأغراض حياته اليومية، مثل بناء جدار لمنزله، واكتشف بالصدفة أنه من خلال مزج التراب مع الماء يصبح طيناً، ثم يتم حرقه أو يُنشف ليتصلب، فبدأ يستخدمه لصناعة إناء معين أو كوب، وشكّل هذه الحضارات.
الموسيقا تنشر سحرها المكان
وتسللت الموسيقى الكوردية الممزوجة مع الموسيقى العربية إلى زوايا المعرض، فارتفع صوت الدف مع آلة البزق، ليحكي للخزافين عن ثقافة كوردستان، عاداتها، تاريخها، تعددها، تسامحها وأطيافها المختلفة، فحضر الفنانون والزائرون حفلة موسيقية رسمت الابتسامة على وجوههم.
ويقول الكاتب الكوردي شيرزاد هَيني، الذي زار المعرض، لمجلة «كوردستان بالعربي»: مبروك لأربيل ولجامعة جيهان على استضافة العيون والأيادي البرّاقة، التي أنتجت من الطين والخزف نماذج سيراميكية بديعة.
ومن بين المشاركين، سألتُ فنّاناً من دولة قطر: في بلدكم لا يوجد طين وتراب، أنتم مخلوقون من البحر، كيف تصنعون الخزف والسيراميك؟ فأجابني: نحن نستورد الطين خاصة للخزف، نحن نحوّل الطين إلى ألوان وإلى شكل هندسي مبهج وبراق.
تونس بلد الخزافين
«أشعر أنني في وسط عائلتي»، هكذا عبّر الخزاف التونسي محمد حشيشة عن فرحته بالمشاركة في المعرض، يقول: هذا المعرض هو ملتقى للخزافين الكورد والعرب، إنه خطوة مهمة جداً لمدينة أربيل، أشكر جامعة جيهان التي أعطتنا الفرصة للمشاركة والتعرّف على الخزافين العرب، أيضاً اكتشاف ثقافة مدينة أربيل.
وعن الأعمال التي عرضها، يقول حشيشة: الأعمال التي قدمتها تحكي قصة آدم وحواء، تمثّل وجودهم على هذه الأرض، حكاية التفاحة التي كانت سبباً لتعارفنا جميعاً، أحاول من خلالها أن أظهر أهمية الحب في حياتنا، لأن الحب هو الوسيلة الوحيدة للاستمرار، لكن يجب أن يرتقي الإنسان ويكون مغايراً، ومن هنا تأتي شخصية الخزاف في إظهار هذا التغيير.
وعن الخزف في تونس، يحكي حشيشة: تطورت صناعة الخزف في تونس بسبب اهتمامنا بهذا الفن، وتنظيمنا الملتقى الدولي للخزف، كما لاحظنا بروز العديد من الخزافين الجدد في تونس، خلال السنوات الأخيرة. الخزاف يجب أن يكون كيميائياً خيميائياً يعرف تركيبات الطين ومختلف المواد الأولية، أي يجب أن يكون مخبريا. عليه اتقان خبايا التراب وتركيباته، وبالتالي سيكون النجاح محققاً.
لا مكان للصين هنا
يصف الخزاف الأردني مروان حسين مشاركته في المعرض بالفردية، يقول: اعتبرها من المشاركات المميزة لي، بناءً على ما رأيته من حُسن الاستقبال والابتسامة والتعرّف على ثقافة أربيل خاصة القلعة التاريخية للمدينة.
الطين يُهدئ النفس ويفرّغ الطاقة، يحكي حسين: شاركتُ بعمل عن الخط العربي، وأريد أن أقول إن الصين ملأت الدنيا بمنتجاتها، لكن في المقابل قطعة فنية واحدة مشغولة من الألف إلى الياء باليد، تساوي مصنعاً صينياً، وهذه هي فكرة الخزف.
سلاماً للبنان
ولم يغب لبنان عن أرض المعرض، فتجلى جمال بيروت الممزوج بمآسيها في القطع الخزفية التي عرضها الخزاف اللبناني ناصر الحلبي، الذي قال لـ«كوردستان بالعربي»: شاركتُ بأعمال تمثّل البيئة والطبيعة الموجودة في لبنان، تعكس مشاكل الشعب اللبناني، خصوصاً بعد انفجار بيروت (انفجار مرفأ بيروت 4 آب 2020)، رغم ذلك بقي هذا الشعب متماسكاً يدعو الى السلام، صنعتُ هذه الحمامة الخزفية لأقول: «من قلبي سلاماً لبيروت للبنان».
وعن أهمية الخزف والسيراميك، يقول الحلبي: الخزف هو موروثنا الثقافي والفني، لو لم نعرف الفخار والطين لما استطعنا أن ندرك أهمية الحضارات القديمة، أغلب المعلومات وصلتنا عن طريق ألواح من طين، حكت لنا عن أسلافنا وعن تاريخنا القديم.
ويمر فن الخزف بمراحل متتالية، يحكي عنها الفنان اللبناني ناصر الحلبي: الخزف يمر بعدة بمراحل أولها تحضير الطين، ثم بناء العمل، بعدها تأتي مرحلة تجفيفه، ثم تلوينه وتجفيفه مرة أخرى، الخزف يجعل الفنان في حالة قلقة حتى ينتهي عمله، وربما يحتاج العمل شهراً كاملاً ليصبح جاهزاً، إذاً الجنون والصبر لا بد أن يكونا من سمات الخزاف.
يختم الفنان اللبناني حديثه بالقول: دعوتنا إلى أربيل تكريم لنا، أشكر جامعة جيهان، والزميل دانا صلاح، على إتاحة هذه الفرصة لنا للتعبير عن أنفسنا ولنتبادل أفكارنا، وتعريفنا على ثقافة كوردستان.
ويعتبر فن الخزف من الفنون المنتشرة في بغداد، يطلق على العراقيين أوّل الخزافين، ويسعى ابن كوردستان الخزاف دانا صلاح لنشر هذا الفن في مدينته، عبر تنظيم معرض «تراب»، والتخطيط لمعارض دولية مستقبلية تحتضنها مدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان.
سهى كامل
صحفية سورية مقيمة في كوردستان العراق