بعد ظهور تنظيم داعش في عام 2014، انتقل مئات الآلاف من اللاجئين من المحافظات العراقية إلى إقليم كوردستان. وبالإضافة إلى الوضع الأمني غير المستقر في العراق، كان الوضع في سوريا أيضاً سيئاً للغاية لدرجة أن مئات الآلاف من اللاجئين جاءوا إلى كوردستان، واستقروا في مخيماتها.
كان العبء في الغالب على عاتق حكومة إقليم كوردستان، التي تحتاج إلى نحو 960 مليون دولار سنوياً لتلبية احتياجات اللاجئين في الإقليم. وعلى الرغم من أن إقليم كوردستان نفسه كان يعاني من نقص في الميزانية ومن تبعات هجمات «داعش»، إلا أنه مع لجوء النازحين اضطرت الحكومة لإيوائهم وبذلت قصارى جهدها لتوفير أكبر قدر من الخدمات لهم. فأصبحت حكومة الإقليم في هذا المجال موضع إعجاب وإشادة، من قبل الحكومات والمنظمات الدولية.
وخلال الحرب ضد داعش وأعمال العنف في الدول المجاورة، وصلت ثقافة التعايش وكرم الضيافة واحتضان الضحايا لدى الشعب الكوردي إلى ذروتها وأصبحت هذه الأرض ملجأ لحوالي مليوني لاجئ. ولذلك أصبحت كوردستان وثقافتها الجميلة تتصدر عناوين أخبار ومؤتمرات زعماء العالم، لا سيما الدور الكبير الذي تلعبه قوات بيشمركة كوردستان في حماية الطوائف الدينية. ولطالما عبرت المراكز الدينية للطوائف التي نزحت إلى إقليم كوردستان عن احترامها وامتنانها لحكومة إقليم كوردستان، كما أعرب الكثير منهم مراراً وتكراراً عن دعمهم لإقليم كوردستان وأشادوا بدور قوات البيشمركة الكوردستانية، كما قاموا بزيارة أربيل.
وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت ببابا الفاتيكان البابا فرنسيس لزيارة إقليم كوردستان في 2021 وإجراء أكبر مرسوم ديني في أربيل، الذي قال فيه إن كرم الشعب الكوردي ومساعدة وعزاء المسيحيين والمحتاجين جعلني أحتفل بالقداس هنا معكم. وشكر البابا فرنسيس الشعب الكوردي وحكومة إقليم كوردستان على حماية واحترام الأقليات وإيواء آلاف اللاجئين المسيحيين.
وبعد مرور عشر سنوات على هزيمة داعش وبعد إعلان الحكومة العراقية النصر على التنظيم الإرهابي، لا تزال هناك العشرات من مخيمات اللاجئين في كوردستان تعيش فيها الآلاف من العوائل غير الراغبة في العودة بسبب انعدام الأمن والخدمات في مناطقها.
وبعد سقوط داعش كان هناك أمل بإعادة بناء مناطقهم واستتباب الأمن والسلام وتحررهم من حياة المخيمات، فيرجعوا إلى بيوتهم ومناطقهم. وعلى الرغم من عودة مئات الآلاف منهم إلى ديارهم، لا يزال هناك مئات الآلاف غيرهم، مفضلين الحياة في المخيمات على العيش في بيئة غير مستقرة وخالية من الخدمات.
لكن الحكومة العراقية قررت مؤخراً إغلاق جميع مخيمات اللاجئين هذا العام، وستخير العوائل النازحة من المحافظة التي يريدون أن يستقروا فيها وستُمنح أربعة ملايين دينار لكل عائلة تقرر ترك المخيمات والعودة إلى مناطقها. وحددت وزارة الهجرة واللاجئين العراقية يوم 30 تموز / يوليو موعداً نهائياً لإعادة النازحين.
كما تضغط الحكومة العراقية على المنظمات لتخفيض مساعداتها، فقد تم تخفيض 70% من المساعدات. لذا، فإن حكومة الإقليم هي التي تحمل على عاتقها مساعدة اللاجئين في المخيمات، وهي المسؤولة عن إمدادات المياه ونظافة البيئة وإدارة التعليم والقطاعات الصحية.
وهذا القرار أثار قلق النازحين، وترددوا بشأن إعادتهم القسرية إلى مناطقهم من قبل الحكومة العراقية وخاصة لاجئي سنجار التي لا توجد فيها لحد اليوم فرصة لحياة طبيعية وكريمة. فالعودة إليها تتطلب تعويضاً كبيراً وكافياً للعيش الكريم والمناسب فيها.
وفي المقابل، تم إعلام كافة اللاجئين في المنطقة من قبل حكومة الإقليم بأن لهم الحرية في العودة إلى مناطقهم أو في البقاء بالمخيمات. وقد أصر وزير الداخلية في حكومة إقليم كوردستان السيد ريبر أحمد على أن «اللاجئين أحرار في العودة والقرار في أيديهم، لذلك لن نغلق أبواب مخيماتهم». فحكومة إقليم كوردستان لن تجبر أحداً على العودة إلى دياره، ولن تمنع أهالي هذه المناطق من العودة إلى أماكنهم. لا سيما أن بعض القرى النازحة تقع على الخطوط الأمامية مع فلول «داعش» وخلاياه.
وتصعب عودة اللاجئين إلى بعض المناطق بسبب الوضع الأمني ووجود الألغام الأرضية ونقص الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والإسعافات الأولية والتعليم والكهرباء. ويوجد في هذه المناطق عدد كبير من خلايا داعش النائمة وتشكل خطراً على الوضع الأمني والاستقرار في المنطقة. بالإضافة إلى أن عدم وجود أي مصدر للدخل يمثل إحدى العقبات الرئيسية أمام عودة الناس إلى مناطقهم.
وفي 10 تموز / يوليو الحالي، وبمناسبة مراسم الإعلان عن التعليمات التنظيمية لشؤون طالبي اللجوء في إقليم كوردستان، في أربيل، التي حضرها رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، والسفيرة الأمريكية لدى العراق ألينا رومانوسكي، وممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوكالة، أشار رئيس الحكومة إلى أن الإقليم احتضن على مدار سنوات طويلة، من دون أيّ تمييز ديني أو قومي أو عرقي، آلاف الأشخاص الذين لاذوا به طلباً للأمان، موضحاً أن ذلك جاء في وقت كان فيه الإقليم يواجه ظروفاً صعبةً وأزمةً ماليةً ولا سيّما إبان هجمات داعش، إلّا أنّ حكومة إقليم كوردستان تحملت مسؤولية استضافة العشرات من مخيمات اللاجئين، ولا تزال مستمرة في الوفاء بالتزاماتها، على الرغم من أنّ عبء هذه المسؤولية كبير جداً.
وأكّد رئيس الحكومة أن إقليم كوردستان يواصل جهوده في حماية وإيواء آلاف اللاجئين والنازحين الذين فروا بسبب الخوف وانعدام الأمن والسلام في مناطقهم، مشدداً على أنه لا أحد يرغب في العيش في ظل النزوح واللجوء. لكنه أكد أيضاً أن حكومة الإقليم تدعم دائماً العودة الطوعية لجميع النازحين واللاجئين إلى ديارهم وأماكنهم بكرامة، وذلك بعد تطبيع الأوضاع في ديارهم.
وأشار رئيس الحكومة إلى أن وزارة داخلية الإقليم، وبالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تعمل منذ زمنٍ على إعداد وصياغة تعليمات إدارية لتنظيم شؤون اللاجئين، مبيناً أن هذه التعليمات تعدّ جزءاً من خطط حكومة إقليم كوردستان الإدارية والقانونية، بما يضمن حقوق طالبي اللجوء واللاجئين وتحديد واجباتهم.
وعبّر رئيس الحكومة عن امتنانه لوزارة الداخلية والفريق الذي أعدّ هذه التعليمات بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين. كما أكّد رئيس الحكومة مجدداً أن إقليم كوردستان سيظلّ، كما كان دائماً، مثالاً لكرم الضيافة وملاذاً آمناً لكل من يبحث عن الأمان من الظلم والقهر والإرهاب والترهيب والقمع.
وأوضح أن الحكومة تسعى جاهدة لضمان حصول اللاجئين وطالبي اللجوء على الخدمات العامة الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والأمن والحماية، بالإضافة إلى تلبية جميع احتياجاتهم المعيشية. وأعرب عن أمله في أنّ تُساعد الحكومة الاتحادية والمجتمع الدولي إقليم كوردستان على تقديم المزيد من الدعم للاجئين والنازحين، ممّا يمكّنهم من العودة إلى ديارهم الأصلية بكرامة عندما تصبح الظروف مواتية لذلك.
مسعود لاوه
صحافي من كردستان العراق عمل سكرتير تحرير في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية لأكثر من عشرين عاماً، ومدير تحرير «كوردستان بالعربي»