تأسيس الجيش العراقي الجديد من روضة أحفاد صدام إلى ظهور داعش
تأسيس الجيش العراقي الجديد من روضة أحفاد صدام إلى ظهور داعش
September 05, 2024

 

تعود الخطوة الأولى في تأسيس الجيش العراقي الجديد إلى زيارة قام بها وفد أمريكي وبريطاني إلى أربيل عام 2003. حينها طلب الرئيس مسعود بارزاني من بابكر زيباري تولي مهمة تشكيل الجيش العراقي الجديد تحت إشراف الحلفاء. وهكذا، ذهب بابكر زيباري إلى بغداد، وبدأ في تشكيل الجيش العراقي الجديد من داخل روضة أحفاد صدام، وهي مكونة من صالة وغرفتين وحمام. وبعد أشهر قليلة، تم تأسيس الجيش الجديد وعُيّن الفريق أول بابكر زيباري رئيسا لأركان الجيش العراقي الجديد لمدة 11 عاماً.

تحديات تأسيس الجيش الجديد

الفريق الأول بابكر بدرخان شوكت زيباري (مواليد 1947)، المستشار العسكري لرئيس حكومة إقليم كوردستان حالياً، تحدث في مقابلة مع صحيفة «كوردستان بالعربي» عن العقبات التي واجهت إنشاء الجيش العراقي الجديد. يقول: «في المرة الأولى التي ذهبنا فيها إلى بغداد، كانت هناك وزارة فارغة، ولم يكن هناك سوى وزير واحد اسمه الدكتور علي علاوي. أخذت معي من هنا كتيبة، فوج فاضل برواري. هذا الفوج، الذي كان أكثر من نصفه أعضاء في الحزب الديمقراطي الكوردستاني والنصف الآخر من قوات أحمد الجلبي وقوات مام جلال، لقد جعلنا هذا الفوج أساس الجيش العراقي الجديد. وشكلنا عدة أفواج أخرى حتى تم تشكيل اللواء الأول، وساعدنا الأمريكيون في ذلك كثيراً».

الخطوات الأولى

وعن الخطوات الأولى لتأسيس الجيش العراقي الجديد، تحدث الفريق الأول قائلاً إنهم رغم معوقات قانون اجتثاث البعث، اعتمدوا بشكل كبير على الضباط الذين كانوا سابقاً في الجيش المنحل. وكانوا في الأغلب ضباطاً شباباً لم يشاركوا في جرائم نظام البعث. وبهذا، قاموا بإعادة تعيين 2000 ضابط شاب من الجيش المنحل، وكان بعضهم من أفراد الحرس الجمهوري، ومن بينهم عرب سنة وشيعة.

|صورة: ريبندسعدالله 

 

شراء الأسلحة للجيش العراقي وحرمان البيشمركة

زيباري، الذي تخرج من الأكاديمية العسكرية الرستمية في بغداد عام 1970 وشغل منصب قائد كتيبة مدفعية في الأردن، وترك الجيش العراقي عام 1973 بسبب جرائم نظام البعث ضد الكورد وانضم إلى ثورة مصطفى البارزاني، قال عن تسليح الجيش العراقي الجديد: «عند إعادة تشكيل الجيش العراقي الجديد، أصررنا على شراء الأسلحة الغربية فقط، لأن أي جيش يشتري أسلحة من الدول الغربية لا يمكنه أن يستخدم تلك الأسلحة ضد شعبه. لكن عندما يشترون أسلحة من دول شرقية، يمكنهم استخدامها بالطريقة التي يريدونها».

أضاف زيباري أنه رغم أن قوات البيشمركة الكوردستانية جزء من القوات المسلحة العراقية، إلا أن البيشمركة محرومون من التسليح ويواجهون عوائق كبيرة. قالوا في البدء إن البيشمركة تريد الحصول على أسلحة دفاعية فقط وليست أسلحة هجومية، ورغم ذلك فإن العراق غير مستعد لتزويد البيشمركة بأي شكل من أشكال السلاح.

يؤكد زيباري أنه «حين أُطلقت الصواريخ الأخيرة على كوردستان، لم يكن لدى البيشمركة ما يدافع به عنها، وعندما يتعرض كوردستان لهجوم بطائرات من دون طيار، فإن البيشمركة لا تملك أسلحة مضادة لهذه الطائرات، والعراق غير مستعد لدفع حصة البيشمركة منها».

وأشار زيباري إلى موقف دول التحالف قائلاً: «عندما يعطي التحالف أسلحة للعراق ويطلب منه إعطاء جزء منها للبيشمركة، يقول التحالف إنه لن يتدخل في شأن داخلي، وعلى العراق أن يقرر إعطاء أسلحة للبيشمركة، لكن العراق لا يريد أن يمتلك البيشمركة أسلحة، لهذا يقومون بحرمان البيشمركة من السلاح».

الجيش العراقي لم يتم حله بقرار أمريكي

وخلافاً لمعظم الآراء، يعتقد زيباري أن الجيش العراقي السابق قد حُلّ من تلقاء نفسه، وليس من قبل الولايات المتحدة. ويقول: «ما فعلته الولايات المتحدة هو فقط التوقيع على شهادة وفاة الجيش العراقي، والحقيقة أن قادة قواعد الجيش السابقين جميعهم، لاذوا بالفرار قبل وصول القوات الأمريكية، والجنود الذين تم إحضار معظمهم قسراً، ألقوا زيهم العسكري وعادوا إلى منازلهم وأطفالهم. ثم نهب الناس القواعد والثكنات».

ويعتقد زيباري أن خطأ الولايات المتحدة هو أنها أفسحت المجال للناس بنهب القواعد العسكرية، لأن الناس كانوا يأخذون القنابل والـTNT والأسلحة والذخائر من القواعد العسكرية أمام الأميركيين ويسرقونها. وهكذا تم حل الجيش السابق.

البريطانيون للأمريكيين: «لماذا لا تأتون لغزو بلادنا؟»

منذ حرب تحرير (احتلال) العراق، دعت بعض القوى العراقية باستمرار إلى انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف، حتى لو انتهى هذا الانسحاب بأضرار كبيرة على العراق، كما حدث أثناء ظهور تنظيم داعش الإرهابي. ويرى زيباري أن من يطالب بانسحاب الحلفاء لا يعرف مصلحة العراق. يقول: «الحلفاء ضروريون جداً للبلاد، فقد قدمت الولايات المتحدة أفضل المعلومات الاستخبارية للعراق، إضافة إلى كم كبير من الأسلحة والذخائر المتقدمة».

ويروي رئيس أركان الجيش العراقي السابق والابتسامة تعلو شفتيه، موقفاً طريفاً لوزير الدفاع البريطاني أثناء زيارته له برفقة الأمريكيين، عندما قال الوزير البريطاني للأمريكيين مازحاً «لماذا لا تأتون لغزو بلادنا مثلما فعلتم في العراق، حتى توفروا لنا أيضاً كل هذه الخدمات والاحتياجات، كما وفرتموها للعراقيين». ويصف زيباري بعض القوى العراقية بـ«الجنون» لرفضهم المساعدات الكثيرة لأمريكا والتحالف.

|الفريق أول بابكر زيباري رئيس أركان الجيش العراقي، يستقبل الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي في وزارة الدفاع ببغداد، 9 مارس_آذار 2015

 

إطلاق سراح مقاتلي «داعش» يدق ناقوس الخطر

في أواخر يوليو / تموز 2024 دقت الأنباء ناقوس الخطر بعد إطلاق سراح أعداد كبيرة من مقاتلي داعش من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الحسكة والقامشلي في غرب كوردستان (سوريا)، كجزء من إعلان العفو العام. وفي هذا الصدد، يرى بابكر زيباري أن أول دولة تقع تحت التهديد الجديد هي سوريا.

ويعتبر زيباري أن هذه الخطوة من قسد موضع شك، ويقول إنه لا يعرف عدد مقاتلي داعش الذين تم إطلاق سراحهم، لكن عدد المقاتلين المفرج عنهم لا يهم بقدر ما أهمية سبب القرار، وهذه الخطوة الخطيرة موضع شك. وأضاف أن «العراق سبق أن أغلق أبوابه لمنع عودة هؤلاء المقاتلين الذين يقال إن معظمهم مواطنون عراقيون».

كما أن زيباري مقتنع بأن (قسد) لا تستطيع أن تُقدِم على مثل هذه الخطوة بمفرده، من دون مساعدة ودعم خارجي، معتبراً أن الهدف من هذه الخطوة قد يكون سوريا، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع في هذا البلد أكثر مما هو عليه، بسبب وجود قوات تركية وروسية وإيرانية في هذا البلد.

لا يزال هناك أشخاص في العراق يدعمون داعش

يعتقد زيباري أنه إذا تمكن مقاتلو داعش المحررون من الفرار إلى الأراضي العراقية، فإنهم سيشكلون تهديداً خطيراً. وأشار إلى أن تنظيم داعش لا يزال يشكل تهديداً وقد ظهر مؤخراً فلوله في ديالى والأنبار.

وفي وقت سابق، توقع التحالف أن تصل دورة حياة تنظيم داعش الإرهابي إلى 30 عاماً. ويقول زيباري إن داعش سيبقى لفترة طويلة، على الرغم من ضعفهم وفقدانهم الأراضي التي كانوا احتلوها، لكن من بين الشعب العراقي لا يزال هناك من يدعمونهم. حتى أن هناك أشخاصاً يمارسون حياتهم الطبيعية في النهار ويصبحون مقاتلين دواعش في الليل.

كيف تم تخفيض حصة الكورد والعرب السنة في الجيش العراقي؟

في وقت تأسيس الجيش الجديد، اتفقت الأحزاب الكردية والعربية السنية والشيعية مع الأمريكيين والحلفاء على أن يكون 25% من تعداد الجيش سيكون من العرب السنة، و20% من الكورد، و45% من العرب الشيعة، و10% من المكونات العراقية الأخرى. وقال زيباري، الذي يحمل وسام البارزاني، إنه «طالما كنت في بغداد، كنا ملتزمين بالاتفاق، الذي أصبح كالقانون ووافقت عليه جميع الأطراف. لكن بعد إقالتي من منصب رئيس أركان الجيش العراقي عام 2015، انخفضت الحصة الكردية من 20% إلى نحو 3%، وانخفضت حصة العرب السنة بشكل كبير، وما زالوا هم يحتجون على ذلك».

وأكد زيباري أنه رغم أن العرب السنة واجهوا في البداية صعوبة في إحضار ضباطهم وأخذ نصيبهم من المناصب في الجيش الجديد، بسبب قانون اجتثاث البعثيين، خاصة في حدود محافظتي الأنبار ونينوى، إلا أنه هو الذي أصر على ضرورة وجود تمثيل للعرب السنة في الجيش العراقي الجديد مثل كافة مكونات الشعب، فضلاً عن الدفاع عن حصة الأحزاب والطوائف الأخرى.

وقال أيضاً: «لما كنت هناك، لم يتمكنوا من المساس بالحصة الكردية، لأن منصب رئيس الأركان لم يكن بالشيء الهين، لكن للأسف بعد إقالتي لم يُمنح هذا المنصب للكورد مرة أخرى، في حين أن هذا المنصب يجب أن يتم إدارته من قبل الكورد، وهناك مناصب أخرى مثل مساعد رئيس المخابرات، ومنصب نائب وزير الداخلية، ومساعد رئيس الأركان وبعض قادة العمليات والفرق، والعديد من المناصب الأخرى من حصة الكورد التي لا يشغلها الكورد الآن.


ريبند سعدالله

صحفي ومصور  كوردي وعضو في الاتحاد الفنلندي للصحفيين


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved