تعود الخطوة الأولى في تأسيس الجيش العراقي الجديد إلى زيارة قام بها وفد أمريكي وبريطاني إلى أربيل عام 2003. حينها طلب الرئيس مسعود بارزاني من بابكر زيباري تولي مهمة تشكيل الجيش العراقي الجديد تحت إشراف الحلفاء. وهكذا، ذهب بابكر زيباري إلى بغداد، وبدأ في تشكيل الجيش العراقي الجديد من داخل روضة أحفاد صدام، وهي مكونة من صالة وغرفتين وحمام. وبعد أشهر قليلة، تم تأسيس الجيش الجديد وعُيّن الفريق أول بابكر زيباري رئيسا لأركان الجيش العراقي الجديد لمدة 11 عاماً.
تحديات تأسيس الجيش الجديد
الفريق الأول بابكر بدرخان شوكت زيباري (مواليد 1947)، المستشار العسكري لرئيس حكومة إقليم كوردستان حالياً، تحدث في مقابلة مع صحيفة «كوردستان بالعربي» عن العقبات التي واجهت إنشاء الجيش العراقي الجديد. يقول: «في المرة الأولى التي ذهبنا فيها إلى بغداد، كانت هناك وزارة فارغة، ولم يكن هناك سوى وزير واحد اسمه الدكتور علي علاوي. أخذت معي من هنا كتيبة، فوج فاضل برواري. هذا الفوج، الذي كان أكثر من نصفه أعضاء في الحزب الديمقراطي الكوردستاني والنصف الآخر من قوات أحمد الجلبي وقوات مام جلال، لقد جعلنا هذا الفوج أساس الجيش العراقي الجديد. وشكلنا عدة أفواج أخرى حتى تم تشكيل اللواء الأول، وساعدنا الأمريكيون في ذلك كثيراً».
الخطوات الأولى
وعن الخطوات الأولى لتأسيس الجيش العراقي الجديد، تحدث الفريق الأول قائلاً إنهم رغم معوقات قانون اجتثاث البعث، اعتمدوا بشكل كبير على الضباط الذين كانوا سابقاً في الجيش المنحل. وكانوا في الأغلب ضباطاً شباباً لم يشاركوا في جرائم نظام البعث. وبهذا، قاموا بإعادة تعيين 2000 ضابط شاب من الجيش المنحل، وكان بعضهم من أفراد الحرس الجمهوري، ومن بينهم عرب سنة وشيعة.
شراء الأسلحة للجيش العراقي وحرمان البيشمركة
زيباري، الذي تخرج من الأكاديمية العسكرية الرستمية في بغداد عام 1970 وشغل منصب قائد كتيبة مدفعية في الأردن، وترك الجيش العراقي عام 1973 بسبب جرائم نظام البعث ضد الكورد وانضم إلى ثورة مصطفى البارزاني، قال عن تسليح الجيش العراقي الجديد: «عند إعادة تشكيل الجيش العراقي الجديد، أصررنا على شراء الأسلحة الغربية فقط، لأن أي جيش يشتري أسلحة من الدول الغربية لا يمكنه أن يستخدم تلك الأسلحة ضد شعبه. لكن عندما يشترون أسلحة من دول شرقية، يمكنهم استخدامها بالطريقة التي يريدونها».
أضاف زيباري أنه رغم أن قوات البيشمركة الكوردستانية جزء من القوات المسلحة العراقية، إلا أن البيشمركة محرومون من التسليح ويواجهون عوائق كبيرة. قالوا في البدء إن البيشمركة تريد الحصول على أسلحة دفاعية فقط وليست أسلحة هجومية، ورغم ذلك فإن العراق غير مستعد لتزويد البيشمركة بأي شكل من أشكال السلاح.
يؤكد زيباري أنه «حين أُطلقت الصواريخ الأخيرة على كوردستان، لم يكن لدى البيشمركة ما يدافع به عنها، وعندما يتعرض كوردستان لهجوم بطائرات من دون طيار، فإن البيشمركة لا تملك أسلحة مضادة لهذه الطائرات، والعراق غير مستعد لدفع حصة البيشمركة منها».
وأشار زيباري إلى موقف دول التحالف قائلاً: «عندما يعطي التحالف أسلحة للعراق ويطلب منه إعطاء جزء منها للبيشمركة، يقول التحالف إنه لن يتدخل في شأن داخلي، وعلى العراق أن يقرر إعطاء أسلحة للبيشمركة، لكن العراق لا يريد أن يمتلك البيشمركة أسلحة، لهذا يقومون بحرمان البيشمركة من السلاح».
الجيش العراقي لم يتم حله بقرار أمريكي
وخلافاً لمعظم الآراء، يعتقد زيباري أن الجيش العراقي السابق قد حُلّ من تلقاء نفسه، وليس من قبل الولايات المتحدة. ويقول: «ما فعلته الولايات المتحدة هو فقط التوقيع على شهادة وفاة الجيش العراقي، والحقيقة أن قادة قواعد الجيش السابقين جميعهم، لاذوا بالفرار قبل وصول القوات الأمريكية، والجنود الذين تم إحضار معظمهم قسراً، ألقوا زيهم العسكري وعادوا إلى منازلهم وأطفالهم. ثم نهب الناس القواعد والثكنات».
ويعتقد زيباري أن خطأ الولايات المتحدة هو أنها أفسحت المجال للناس بنهب القواعد العسكرية، لأن الناس كانوا يأخذون القنابل والـTNT والأسلحة والذخائر من القواعد العسكرية أمام الأميركيين ويسرقونها. وهكذا تم حل الجيش السابق.
البريطانيون للأمريكيين: «لماذا لا تأتون لغزو بلادنا؟»
منذ حرب تحرير (احتلال) العراق، دعت بعض القوى العراقية باستمرار إلى انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف، حتى لو انتهى هذا الانسحاب بأضرار كبيرة على العراق، كما حدث أثناء ظهور تنظيم داعش الإرهابي. ويرى زيباري أن من يطالب بانسحاب الحلفاء لا يعرف مصلحة العراق. يقول: «الحلفاء ضروريون جداً للبلاد، فقد قدمت الولايات المتحدة أفضل المعلومات الاستخبارية للعراق، إضافة إلى كم كبير من الأسلحة والذخائر المتقدمة».
ويروي رئيس أركان الجيش العراقي السابق والابتسامة تعلو شفتيه، موقفاً طريفاً لوزير الدفاع البريطاني أثناء زيارته له برفقة الأمريكيين، عندما قال الوزير البريطاني للأمريكيين مازحاً «لماذا لا تأتون لغزو بلادنا مثلما فعلتم في العراق، حتى توفروا لنا أيضاً كل هذه الخدمات والاحتياجات، كما وفرتموها للعراقيين». ويصف زيباري بعض القوى العراقية بـ«الجنون» لرفضهم المساعدات الكثيرة لأمريكا والتحالف.