معمار كوردي يوثق السليمانية القديمة
معمار كوردي يوثق السليمانية القديمة
September 07, 2024

دعا معمار كوردي إلى ضرورة المحافظة على الأبنية التراثية في السليمانية وباقي مناطق إقليم كوردستان والعراق، وترميمها وإعادة استخدامها بنحو يتناسب مع وظيفتها وقيمتها الاعتبارية، مؤكداً على أن ذلك يسهم في المحافظة على الهوية التاريخية والوطنية، وفي تحقيق فوائد اقتصادية وثقافية واجتماعية وتنشيط الحركة السياحية في آن معاً.

توثيق التراث المعماري للسليمانية

وقال البروفيسور أمجد محمد علي القره داغي، إن السليمانية «تتمتع بتراث معماري غني وجميل برغم عمرها القصير نسبياً مقارنة بباقي المدن العراقية كالعاصمة بغداد أو الكوردستانية كعاصمة الإقليم أربيل إذ لا يتجاوز عمرها 240 عاماً (تأسست عام 1784)، لكن ذلك التراث يفتقر الى التوثيق والمحافظة عليه من الاندثار والضياع والتغول العمراني»، ويشير إلى أنه «قاد وخطط ونفذ مع مجموعة من المهندسين المخلصين من أبناء مدينة السليمانية مشروعاً رائداً وكبيراً لتوثيق ذلك التراث على وفق أسس علمية رصينة، وكان ذلك المشروع حلم صباه من أيام الدراسة في البكالوريوس».

ويضيف أن التراث المعماري لمدينة السليمانية القديمة بات «مهدداً بالضياع لأسباب متعددة، لذلك اقترحت فكرة توثيق التراث المعماري في المركز التاريخي للمدينة على كل من المهندس عادل المولوي مؤسس مؤسسة «ستي لاب» (City Lab) ومدريتها د. چرو حيدر لاسيما أن المؤسسة كانت شراكة علمية بين جامعة السليمانية وشركة «فيو باينير» (View Pioner) التي يرأسها المهندس عادل المولوي وذلك بعد أن لمست استعدادهم الإسهام بتقديم عمل مفيد للمدينة»، ويبين لقد «فوجئت عند بدء العمل بالمشروع عام 2016 بعدم وجود خرائط  تفصيلية للمدينة القديمة فتمت الاستعانة بالصور الجوية التي حصلنا عليها من البلدية وشكلت مع المؤسسة المذكورة آنفاً فريقاً من المهندسين المتطوعين لإجراء المسوحات الأولية اللازمة لنحو ستة آلاف ملك يتراوح بين بيوت أو جوامع أو حمامات أو مدارس أو أبنية تجارية أو مقاهي وغيرها».

بيت تراثي تحول إلى متحف

 

ويوضح القره داغي، أنهم «تمكنوا من إعداد خرائط تفصيلية ملونة للمنطقة القديمة من مدينة السليمانية التي تقارب مساحتها 2 كلم مربع وفقاً لعوامل عدة لاسيما استعمالات الأراضي وعمر الأبنية والقيمة التاريخية وبذلك أنجزنا الخطوة الأولى»، ويلفت إلى أن الخطوة الثانية لهم «تمثلت بالتوثيق الفعلي للأبنية المستهدفة البالغ عددها نحو 115 بناية منها أكثر من 90 داراً وعدة جوامع وأسواق وحمامات ومدارس وغيرها وإعداد خرائط ومقاطع معمارية تفصيلية ودقيقة لكل واحدة منها وتدقيقها لمرات عديدة حيث استمر ذلك نحو خمسة أعوام».

ويذكر البروفيسور قره داغي، لقد «قررنا نشر ما توصلنا إليه من معطيات في كتاب يسهم في توثيق التراث المعماري للسليمانية ويكون مرجعاً للباحثين والمهتمين وتم ذلك عام 2022 بمجلدين كبيرين باللغتين الكوردية والانكليزية»، وينوه إلى أن المشروع «رغم تعرضه لصعوبات بل ومضايقات غير متوقعة إلا أنه حظي أيضاً بدعم كبير من جامعة السليمانية ورئيسها حينها البروفيسور رضا حسن حسين وعميد كلية الهندسة فيها البروفيسور د. سيروان الزهاوي فضلاً عن جهود كبيرة للجهات المذكورة سابقاً وجهود وإسناد جهات أخرى لا يسع المقام ذكرهم (ذُكروا في الكتاب بالتفصيل) فيما تولت شركة «آسيا سيل» التكاليف المادية لعملية الطباعة النهائية للكتاب».

 

إهمال واندثار

وبشأن أبرز المخرجات التي توصل إليها، يقول البروفيسور أمجد قره داغي، إنها «تتلخص في عدة نقاط أولها سوء إدارة الأبنية والمواقع التراثية في المدينة خلال العقود الماضية ما أدى إلى اندثار الآلاف من الأبنية ذات القيمة التاريخية والتراثية والمعمارية الكبيرة وهي سمة مشتركة تعاني منها غالبية المدن العراقية مع الأسف الشديد»، وينوه إلى أنه لاحظ «عدم وجود إطار قانوني حقيقي وفعلي وواقعي يحمي الأبنية التراثية ويحافظ عليها بنحو يتيح استخدامها كما ينبغي فضلاً عن عزوف أغلب المعماريين والأكاديميين عن القيام بأعمال التوثيق العلمي الحقيقي والمتوازن للأبنية التراثية سواء في الإقليم أم في العراق».

ويتابع أنه لاحظ أيضاً «عدم وجود توثيق علمي متكامل وشامل للمراكز التاريخية في المدن العراقية برغم ما تمتلكه تلك المدن ومنها السليمانية من إرث معماري بالغ الأهمية لا يقل أهمية عما تمتلكه باقي الحواضر الإسلامية من جراء إهمال الجهات المعنية وعدم اهتمامها سواء كانت بلديات أم جامعات أم وسائل إعلام أم غيرها»، ويرى أن ذلك «أدى إلى زيادة اندثار تلك المراكز وفقدانها تماماً وتناسيها لاسيما بعد التطور السريع الذي شهده البلد بعد 2003 وزيادة حركة البناء والعمران».

 

نسخة كوردية من العمارة الإسلامية

تتميز العمارة التراثية في مدينة السليمانية بخصائص فريدة، بحسب البروفيسور أمجد قره داغي، الذي يقول في هذا الصدد، إن تلك العمارة «تقترب بنحو كبير يصل إلى حد التطابق مع سمات العمارة التراثية لمدن كوردستان الشرقية (إيران) لاسيما مدينة سنندج (عاصمة محافظة كوردستان الإيرانية) وذلك على العكس من العمارة التراثية في مدن غرب كوردستان (أربيل ودهوك) التي تعد أكثر قرباً لتلك الموجودة في كوردستان الشمالية والشرقية (تركيا وسوريا)»، ويواصل أن نسبة المندثر من الأبنية التراثية «تصل إلى أضعاف ما تبقى منها إذ لا تتجاوز نسبة المتبقي من تلك الأبنية الربع في أغلب الحالات».

ويوضح التدريسي في كلية الهندسة بجامعة السليمانية، أن السمات المعمارية للأبنية التراثية في السليمانية «لا تختلف كثيراً عن نظيراتها في باقي المدن الإسلامية أي أنها نسخة كوردية من العمارة الإسلامية إن جاز التعبير»، ويستدرك أن بيوت السليمانية «تعالج أنماط الخصوصية بأسلوب يختلف جزئياً عما هو موجود في أنماط العمارة الإسلامية الأخرى، إذ أنها تعد أكثر انفتاحاً من مثيلاتها في باقي المدن كونها تكون على الأغلب محاطة من جانبين ولا يوجد أي مثال منها يحاط فيه الفضاء الوسطي (الحوش) من الجهات الأربع بينما يكون ذلك الفضاء في غالبية بيوت المدن الإسلامية الأخرى كبغداد مثلاً محاطاً من الجهات الأربع ما أدى إلى أن يضيف المصمم أو البناء الكوردي لبيوت السليمانية مجموعة إضافات معمارية للمحافظة على خصوصية الفضاءات الداخلية للمسكن لم نجدها في مثيلاتها في باقي المدن».

 

أقواس وأزقة عريضة

وبشأن التفاصيل المعمارية الخارجية للأبنية التراثية في السليمانية، يقول البروفيسور قره داغي، إنها «تغلب عليها الأقواس (العقود) العباسية والنصف دائرية ولا تخلو من الأقواس ربع الدائرية فيما تتسم الأزقة والشوارع في المنطقة القديمة بكونها عضوية التشكيل أي أنها تخلو من الشوارع المستقيمة والشطرنجية مع كونها أوسع وأعرض من مثيلاتها في باقي المدن الإسلامية ربما للسماح بدخول أكبر لأشعة الشمس أيام البرد الشديد»، ويضيف أن مساجد المنطقة القديمة في السليمانية كانت «بسيطة وذات مخططات غير معقدة تشبه البيوت ولكن بمقياس أكبر وتخلو على الأغلب من السمات المعمارية الداخلية والخارجية التي تميز مثيلاتها في باقي المدن الإسلامية».

ويوضح أن المدينة القديمة في السليمانية كانت «تضم عدداً كبيراً من الحمامات المبنية وفق أسس معمارية ووظيفية جيدة إلى أن أغلبها قد دمر أو تهدم ولم يتبق منها شيء»، ويستطرد أن المدينة القديمة في السليمانية كانت «تضم أيضاً عدة خانات وأسواق لم يبق إلا القليل منها التي ما تزال تحتفظ جزئياً بسماتها المعمارية القديمة كقيصرية النقيب والأسواق المجاورة لفندق فرح، أما المدارس القديمة فقد اندثرت بالكامل باستثناء بيت أو اثنين كانا يستخدمان كمدارس، ومن أهم المدارس التي هدمت المدرسة الفيصلية التي بنيت في عهد الملك فيصل الثاني عام 1939». 

 

خطوة جيدة لم تكتمل

يدعو البروفيسور أمجد قره داغي، الحكومة المحلية في السليمانية إلى «ضرورة استكمال خطوتها الجيدة باستملاك الأبنية التراثية وترميمها للمحافظة عليها من الاندثار»، ويلفت إلى أن البلدية «استملكت قرابة 17 داراً تراثياً وانهت ترميم بعضها إلا أن الأزمة المالية التي يعاني منها الإقليم حالت دون استكمال ذلك العمل».

ويذكر أن مدناً مهمة في الإقليم كمدينة حلبجة «ما تزال تضم أبنية تراثية رائعة تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب الإهمال والتهديم المنظم بحجة النمو والتطور كما أن ما تبقى من قرى كوردستان (مثل قرى هورامان مثلاً) هي الأخرى تضم نماذج رائعة ينبغي الالتفات إليها وتوثيق ما تبقى منها سريعاً قبل أن تندثر إلى الأبد»، ويرى ضرورة أن «تلتفت الجهات الحكومية من أعلى المستويات ومن ثم الجامعات والجهات الآثارية المختصة وبلديات المدن في العراق عموماً وفي الإقليم خصوصاً إلى القيام بمشاريع توثيق شاملة لما تبقى من التراث المعماري لتلك المدن برغم قلة ما تبقى منها، فما لا يدرك كله لا يترك جله أو جزؤه، وإذا ما كان للحكومات بعض العذر في عدم التمكن من ترميم تلك الأبنية وتأهيلها بسبب المشاكل الاقتصادية فإنه لا عذر لها في عدم القيام بتوثيق ما تبقى من النماذج المعمارية التراثية».

 

ببليوغرافيا

د. أمجد محمد علي القره داغي، من مواليد بغداد عام 1972، حاصل على شهادة البكالوريوس من قسم الهندسة المعمارية في جامعة بغداد عام 1995، والماجستير والدكتوراه في تخطيط المدن، عامي 1999 و2005 من الجامعة ذاتها، وحصل على درجة الأستاذية عام 2022، ورأس القسم المعماري لستة أعوام كما أنه يرأس شعبة الدراسات العليا في كلية الهندسة منذ 2017 ولحد الآن. هذا فضلاً عن عمله تدريسياً في القسم المعماري بكلية الهندسة جامعة السليمانية.. وله أكثر من 15 بحثاً منشوراً في دوريات محلية أو عالمية وكتاباً واحداً والعديد من المقالات المنشورة، فضلاً عن إشرافه على أكثر من 10 رسائل ماجستير أو دكتوراه.


باسل الخطيب

صحفي عراقي


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved