تعد منظمة «هيتما» للثقافة والتنمية إحدى المنظمات غير الحكومية في إقليم كوردستان العراق، ومن رواد العمل التطوعي. تسعى هذه المنظمة إلى تفعيل العمل المدني والإداري والتنموي، كما تربط التدريب والتأهيل بمتطلبات الواقع، وتستجيب لقضايا المجتمع وفق برامج ومشاريع تفاعلية تقوم على نشر ثقافة السلام والتسامح. تعمل المنظمة على الحد من تداعيات الصراع بالاعتماد على السلم الأهلي والتنمية.
تأسيس المنظمة
تأسست منظمة هيتما للثقافة والتنمية في عام 2017 من قبل محمد شريف ومجموعة من المتطوعين. محمد شريف، الناشط الكوردي والمدير التنفيذي للمنظمة، من مدينة ديريك كوردستان سوريا معروف بخبرته في مجال التنمية المستدامة والثقافة. حصل على العديد من شهادات الشكر، وكان من مرشحي جائزة نانس العالمية في 2018 على عمله التطوعي، مما أضاف إلى خبرته في قيادة المشاريع والمنظمات، كما يعد من الشخصيات البارزة في مجال العمل المدني والتنمية. ويتمتع شريف بخبرة واسعة في إدارة المشاريع التنموية والثقافية، وقد لعب دوراً محورياً في توجيه استراتيجية المنظمة وتحقيق أهدافها.
تحت قيادته، نجحت هيتما في توسيع نطاق عملها وتحقيق تأثير ملموس في المجتمع الكوردي. وفي حديث خاص لكوردستان بالعربي مع محمد شريف قال «استطاعت المنظمة إدخال 150 طناً من المساعدات، بما في ذلك الألبسة، القرطاسية، المواد الطبية، وكراسي ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن. كما تم إرسال شاحنة إلى كوردستان إيران أثناء حملة رووداو لدعم مدينة كرمنشاه عند تعرضها للزلزال، بالإضافة إلى إرسال شحنات مواد غذائية إلى روجافا (كوردستان سوريا)».
وخلال الحديث تقدم محمد شريف بالشكر لحكومة إقليم كوردستان على مساندتها لمنظمة هيتما في القيام بأعمالها التطوعية. وللسيد موسى أحمد، رئيس مؤسسة البارزاني الخيرية، على دعمه اللوجيستي وإدخال الشاحنات إلى إقليم كوردستان.
كما شكر كل من قدم الدعم والمساندة منهم المتطوعين في جمعية «أذاي» في هانوفر على دعمهم المستمر من خلال إرسال شحنات المساعدات للمحتاجين.
وأضاف شريف «تضمنت الأنشطة توزيع 5000 كتاب لدعم القراءة، وتأمين أول مكتبة عامة تضم أكثر من ثلاثة آلاف عنوان، مفتوحة أمام اللاجئين والمجتمع المحلي. كما عُقدت عشرات المعارض الفنية الدولية لدعم التعلم والصحة والبيئة والمرأة والسلام العالمي». كما أُقيم معرض خاص تحت اسم «المناخ» تم عرض 42 لوحة فيها من قبل محمد شريف في فندق كابيتول، وتم تخصيص عائدات اللوحات للأطفال المرضى في المخيمات.
وقال محمد شريف لـ«كوردستان بالعربي»: «نحن نعمل على نشاط الفن في خدمة السلام، ونحن في صدد إقامة معرض دولي سيشارك فيه أكثر من خمسين فناناً وفنانة من مختلف دول العالم، وأكثر من سبعين لوحة تم التبرع بها لصالح منظمة هيتما حيث أنه سوف يتم عرض اللوحات مع سيرة الفنان المتبرع باللوحة للتعريف به، وعائد المعرض لصالح أنشطة منظمة هيتما». وبحسب شريف «يعتبر هذا المعرض الأول من نوعه يقام في إقليم كوردستان ورسالة للمجتمعات لنشر ثقافة التعايش والتعاون السلمي بين جميع الثقافات في أربيل عاصمة السلام».
رؤية المنظمة ورسالتها
تهدف منظمة هيتما إلى بناء مجتمع متعلم ومثقف يتمتع بفرص متساوية للتنمية والنمو الشخصي والاجتماعي. وتسعى إلى تحقيق التميز في مجال الثقافة والتنمية من خلال برامج مبتكرة وشاملة تستهدف جميع شرائح المجتمع.
تركز رسالتها على تعزيز الثقافة الكوردية ودعم التنمية المستدامة عبر التعليم، والفن، والمبادرات المجتمعية. وتسعى المنظمة أيضاً إلى تمكين الأفراد والمجتمعات من خلال توفير الأدوات والموارد اللازمة لتحقيق تقدم ملموس ومستدام.
البرامج والمبادرات ودعم الفئات المهمشة
تعمل هيتما على تقديم برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى تحسين المهارات والمعرفة لدى الشباب والكبار على حد سواء. وتشمل هذه البرامج دورات في اللغة الكوردية، واللغة الإنجليزية، ومهارات الحاسوب وريادة الأعمال. وتهدف هذه المبادرات إلى تشجع المنظمة على الحفاظ على التراث الثقافي الكوردي وتعزيزه من خلال تنظيم مهرجانات ثقافية، معارض فنية، وورش عمل. وتُعتبر هذه الفعاليات فرصة لعرض الفنون التقليدية والحديثة، وتعزيز الفخر بالهوية الثقافية الكوردية.
كما تولي «هيتما» اهتماماً خاصاً بالفئات المهمشة في المجتمع مثل النساء، والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة. وتعمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وتوفير فرص التعليم والتدريب لتمكين هذه الفئات من المشاركة الفعالة في المجتمع.
ويقول محمد شريف لـ«كوردستان بالعربي» إن «هيتما» «تعمل على مبدأ لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد». ومن هذا المنطلق، انطلقت بمبادرة «تبني فرد»، حيث استطاعت خلال سنة واحدة أن تجمع تحت هذا الشعار أكثر من 600 شخص على المستوى المحلي والإقليمي والدولي». مضيفاً أن هذا المشروع تطوعي بالكامل يعمل كل شخص فيه بشكل تطوعي على تدريب شخص آخر وتطوير وتعزيز قدراته الفكرية أو المهنية، أو تعليمه مهنة أو حرفة. مدة المبادرة ثلاث سنوات.
وأضاف شريف أيضاً أنهم «استطاعوا أن يعملوا على 22 مهنة وحرفة. شارك وساهم فيها أشخاص من أكثر من تسع دول، كل حسب تخصصه منها مصر، والمغرب، والجزائر، وكوستاريكا، والهند، وأوكرانيا، والبرازيل، وإسبانيا وغيره».
وأشار إلى أن مركز النشاط هو محافظة أربيل ومخيم باسرمة، وأن العديد من المستفيدين أسسوا مشاريعهم الخاصة. يقول محمد شريف «إذا حصلنا على التمويل المستدام لهذا المشروع خلال سنتين فقط، يمكننا أن ندرب أكثر من 5000 شخص في محافظات الإقليم وجعلهم يعتمدون على أنفسهم والانخراط في سوق العمل من خلال تأسيس مشاريعهم الخاصة وبالتالي تقليل نسبة البطالة».
النجاحات والتحديات
حققت هيتما العديد من النجاحات على مر السنين، حيث تمكنت من تنفيذ برامج تعليمية وتنموية أثرت بشكل إيجابي على حياة آلاف الأفراد. ونالت المنظمة اعترافاً دولياً ومحلياً بفضل جهودها المستمرة في تعزيز الثقافة والتنمية. حيث أن أغلب أنشطتها دولية خاصة في مجال الفن التشكيلي، التوعية ومناصرة قضايا بنود أهداف التنمية المستدامة.
ورغم النجاحات التي حققتها المنظمة، إلا أنها مازالت تواجه العديد من التحديات مثل التمويل المستدام، والبنية التحتية المحدودة، والأوضاع السياسية غير المستقرة في المنطقة. إذ أن جميعها عوامل تؤثر على عمل هيتما والاستمرارية في السعي لتحقيق أهدافها. وهي تسعى إلى التغلب على هذه التحديات من خلال شراكات مع منظمات دولية وحكومية، تلعب دوراً حيوياً في تعزيز قدرة المنظمة على تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها وجذب المزيد من الدعم المالي واللوجيستي لضمان استدامة مشاريعها.
تعد منظمة هيتما للثقافة والتنمية مثالاً رائداً على كيفية مساهمة المنظمات غير الحكومية في التنمية الثقافية والاجتماعية في إقليم كوردستان العراق. من خلال برامجها المتنوعة والمبادرات المبتكرة، التي تساهم في تمكين الأفراد والمجتمعات، وتعزيز الهوية الثقافية، وتحقيق التنمية المستدامة. ورغم أن المنظمة تواجه تحديات عديدة، لكنها تواصل العمل بإصرار لتحقيق رؤيتها في بناء مجتمع متعلم ومثقف ومزدهر.
إيمان أسعد
صحفية وناشطة كوردية مقيمة في إقليم كوردستان شاركت في العديد من النشاطات والمؤتمرات المحلية والدولية لمناصرة المرأة