جسر عين ديوَر أحد دلائل كوردستانية المنطقة
جسر عين ديوَر أحد دلائل كوردستانية المنطقة
September 09, 2024

رستم عبدو الباحث والمهتم بالأركيولوجيا الكوردية في سوريا له العديد من الدراسات والأبحاث القيمة التي نشرت في دوريات عديدة، وحاصل على الماجستير في علم الآثار. حول جسر عين ديور الموقع الأثري المهم في شمال شرق سوريا، أجرت مجلة كوردستان بالعربي جلسة مركزة معه عن الجسر الأثري وتاريخه وأهميته في المنطقة تاريخياً وأثرياً.

قال رستم عبدو إن الجسر يقع على نهر دجلة في شمال ميزوبوتاميا بالقرب من قرية عين ديور شمال شرق سوريا، جنوب جزيرة ابن عمر. عرف أو ما يزال يُعرف بأسماء عدة كجسر دجلة، أو الجسر الروماني، أو الجسر السلجوقي أو الزنكي، أو جسر عين ديور، أو «پرا بافت» Pira bafit، أو جسر جزرة القديم.

وما تبقى من الجسر عبارة عن قنطرة أو قوس بفتحة تقارب 21.60 متر وبارتفاع 12.40 متر يستند إلى ركيزتين شمالية وجنوبية، بالإضافة إلى عدة ركائز أخرى مبنية من مداميك حجرية بازلتية.

وزُخرفت الركيزة أو الدعامة الغربية التي تحمل القوس الظاهر بثمانية منحوتات حجرية بيضاء مصنوعة من الحجر الكلسي على عكس الأقواس والركائز المبنية من الحجارة البازلتية السوداء، ورُصفت بشكل متسلسل لتمثل ثمانية أبراج أو ألواح تحمل مواضيع مختلفة مع بعض النقوش والزخارف الإسلامية، وُصف هذه الألواح من اليمين إلى اليسار من قبل بروسر Preusser وهيرتسفيلد Herzfeld بشكل له ارتباط بالكواكب والأبراج الفلكية:

زحل وميزان - مشتري وسرطان - مريخ وجدي - أسد وشمس - حوت وفينوس - عطارد والجوزاء - ثور وقمر - قوس وأفعى. ويصل عرض كل لوحة إلى 1.2 متر ويبلغ ارتفاعها متراً واحداً ويحيط بكل لوحة إطار يصل عرضه إلى حدود 20 سم.

ويضيف الباحث الكوردي أن بروسر يعتقد بوجود ألواح فلكية أو منحوتات مشابهة لها على بعض الركائز الأخرى التي لم تعد لها وجود في وقتنا الحاضر. ويذهب ديفيد نيكول David Nicolle إلى القول إن المواضيع المزخرفة على هذه الألواح إنما تحمل تأثيرات الفن السرياني التي كانت قد بدأت تظهر على الفن الإسلامي في تلك الفترة. من ناحية أخرى يقول روبرهيلينبراند Robert Hillenbrand إن الزخارف المدونة على الألواح تدل على الإيمان بتأثير تلك الرسومات على مصير البشر.

 منظر عام للجسر، صورة: بهاء محمود

 

كذلك يعتقد الكثير من الباحثين، يقول عبدو، أن جسر عين ديور كان يتكون من 5 أو 6 قناطر، وأن القناطر الأولى الفردية على ضفتي النهر كانت بأحجام أصغر وبطول أو امتداد يصل تقريباً إلى 15.5 متر وأن المركزية منها كان ارتفاعها يصل إلى حدود 28 متراً.

ويشير ديفيد نيكول إلى احتمال وجود جسر صغير مؤلف من عدة ركائز كانت تحمل أقواساً صغيرة أو جسراً خشبياً تعرض للدمار والاختفاء نتيجة الفيضانات في نفس المكان، ويعود تاريخه إلى فترات ما قبل الإسلام أو فترات رومانية، فيما هو نفسه يرجح بناء جسر عين ديور إلى الفترة الواقعة بين 1146 و1163م (فترة الحكم الزنكي) وهو ما يذهب إليه معظم المصادر التراثية.

بالعودة إلى جزيرة ابن عمر حيث يتواجد فيها الجسر فهي تقع في الجزء الجنوب الشرقي من تركيا، يحد الجزيرة من الشرق مدينة زاخو ومن الغرب بلدة هزخ بينما يحدها من الشمال جبل جودي ومدينة شرناخ ومن الجنوب مدينة ديريك، وذلك ضمن مقاطعة زوزان. وزوزان كما ورد في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي تسمية جغرافية أطلقت على المنطقة الواقعة بين جبال أرمينية وبين أخلاط وأذربيجان وديار بكر والموصل، أي المنطقة الواقعة شرقي نهر دجلة من جزيرة ابن عمر.

وسميت جزيرة ابن عمر بالجزيرة كونها محاطة بمياه نهر دجلة من ثلاث جهات بالإضافة إلى وجود قناة مائية تم حفرها من الجهة الرابعة، أما سبب تسميتها بجزيرة ابن عمر فإنما يعود لبانيها الحسن بن عمر بن خطاب التغلبي وهو أحد أبناء القبائل التي استوطنت في المنطقة التي عرفت خلال العصور الوسطى باسم ديار ربيعة.

مخطط هندسي للقنطرة والركيزة والقوس

 

وكانت جزيرة ابن عمر بلد كبير، طيبة ونزيهة، واسعة الخيرات، مشهورة بالجبن والعسل، أبنيتها من الحجارة، تكثر فيها المزارع والكروم والبساتين.

احتلت هذه الجزيرة موقعاً استراتيجياً مهماً منذ القرن العاشر الميلادي لوقوعه في نقطة تقاطع الطرق التجارية القديمة في منطقة انحناء نهر دجلة، الأمر الذي كان يخفف من حركة جريان النهر وبالتالي تسهيل مرور السفن والعبارات التي كانت تحمل البضائع القادمة من أرمينيا وبلاد الروم عبر ديار بكر ومنه عبر الجزيرة إلى الموصل وبغداد، وبالعكس، مما جعل منه أحد أهم الموانئ النهرية في الجزيرة.

بالنسبة لسكانها تتفق معظم المصادر الإسلامية على أن سكان جزيرة ابن عمر والمناطق المحيطة بها هم من الكورد، حيث يقول ياقوت الحموي إن الجزيرة وكل منطقة زوزان هي للكورد البشنوية والبختية، فيما يقول ابن الجوزي إن الجزيرة كانت لبني مروان. كذلك يذكر ابن فضل الله العمري إن سكان جزيرة ابن عمر وأهلها أهل غناء ودفاع وحصانة وامتناع. فيما ذهب ديفيد نيكول إلى القول بوجود بعض القبائل الريفية السريانية الذين كانوا يتكلمون العربية وكذلك بعض القبائل البدوية العربية المسلمة في الريف الجنوبي منها أي في الأراضي المنخفضة لديار ربيعة التي كانت تصل حدودها إلى الموصل، أما الأراضي المرتفعة من ديار ربيعة فكانت تقطن فيها - بشكلٍ مكثف - القبائل الكوردية المعتنقة للإسلام.

وقد كانت العديد من القبائل والطوائف الكوردية تتوزع في المنطقة المحيطة بجزيرة ابن عمر كالهكارية، الذين كانوا يقطنون منطقة العمادية شمال الموصل، والجولمركية والزيبارية واللور والشول والشنكارات بالإضافة إلى الحميدية الذين كانوا يقطنون جبال الموصل الشرقية والمهرانية الذين كانوا يقطنون الجبال المتاخمة لجزيرة ابن عمر.

يقول ابن الجوزي إن عماد الدين الزنكي السلجوقي بعد تسلمه للحكم قام بالاستيلاء على العديد من قلاع الكورد كقلعة العقر وقلعة الشوش التابعة لكورد الحميدية شمال شرق الموصل كما أنه استولى على قلاع الهكارية وكواشي وعلى رأسها قلعة أشب والذي اعتبر من أعظم حصون الهكارية، وسير جيشا إلى قلعة فنك الواقع على بعد 12 كلم شمال جزيرة ابن عمر وكان لصاحبه حسام الدين الكوردي البشنوي الذي رفض حينها تسليم القلعة له، كما أن الزنكي وبعد استيلائه على جزيرة ابن عمر عين أبي بكر الدبسي أميراً عليها.

الجسر منذ بدايات القرن العشرين

 

الجدير بالذكر أن منطقة الجزيرة كانت تابعة للخلافة العباسية والتي افتقدت قوتها وهيبتها السياسية في زمن آخر خلفائها, حيث كان نظام الحكم قد انتقل من المركزية إلى اللامركزية, وكانت قوة غريبة عن المنطقة قادمة من مناطقة بعيدة معتنقة الفكر الاسلامي قد دخلت على الخط خلال تلك الفترة كالبويهيين الذين ينحدرون من عدة أعراق ويمثلون العنصر الديلمي الذي كان يسكن جنوب بحر قزوين حيث كانوا قد ظهروا على مسرح الأحداث في القرن الرابع الهجري واسسوا عدة امارات في ايران ثم بعد ذلك في العراق دامت حتى عام 1055م.

وأيضا السلاجقة الذين ينحدرون من قبيلة قنق التركية وينتسبون إلى جدهم سلجوق بن دقاق وقد وصفهم المقريزي بانهم اخلاط من الترك كانوا يصيفون في بلاد البلغار ويشتون في تركستان وينهبون ما طرقوه, نزحوا هؤلاء من موطنهم الأصلي عام 985م ليستقروا في خراسان قبل أن يتمكن طغرلبك من تأسيس دولة له هناك في عام 1037م  ومن ثم التوسع بعد ذلك في الشرق.

ومن القوة الدخيلة  للمنطقة كانت الأراتقة الذين ينسبون إلى جدهم أرتق وينحدرون من قبيلة دقر التركمانية, حيث انتظمت هذه القبيلة داخل صفوف القوات السلجوقية ليحصلوا بعد امتداد السلاجقة في الشرق على اقطاعات عديدة في العراق والشام والاناضول وكانت لهم امارات في ديار بكر عام 1102م  ثم بعد ذلك في ماردين وحسن كيف.

 

أما بالنسبة لباني الجسر كما تروج له كتب التراث ويتفق معه ديفيد نيكول فهو جمال الدين أبي جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الملقب بالجواد الممدوح والمعروف بالجواد الأصفهاني، وأصله من أصفهان، حيث نشأ في أسرة اشتهرت بالأدب والعلم وكان جده يعمل فهاداً لدى السلطان ملكشاه ألب أرسلان. ودفن في الموصل نحو سنة إلى أن قام شيركو عم صلاح الدين الأيوبي - لوجود عهد بينهما - بنقل رفاته إلى مكة والمدينة قبل أن يتم دفنه في البقيع. من أهم أعماله أنه أجرى الماء إلى عرفات، وعمل الدرج من أسفل الجبل إلى أعلاه، وبنى سور مدينة الرسول وكذلك بناء دور العبادة، وبناء الجسور والقناطر. ولعل أشهرها تلك التي على نهر دجلة عند جزيرة ابن عمر.

منظر عام للجسر أثناء غروب الشمس، صورة: بهاء محمود

 

وتعتبر هذه التحف والمواقع الأثرية من أهم معالم الحضارة الإنسانية التي تعود إلى آلاف مئات السنين، وهو ما يعني ضرورة:

1) إدراجها ضمن كتب الجغرافية والتاريخ في المنهاج الحكومي.

2) الحديث المستفيض عنها وعن تاريخها في كتاب التربية الوطنية، من دون تعريب أو تجني على تاريخها.

3) زيادة الاهتمام بها، وجعلها مقصداً سياحياً مهماً، خاصة وأنها تعرضت للعديد من الممارسات السياسية التي هدفت إلى طمر الوجود التاريخي للشعوب القومية التي تعيش في تلك المدنية، فالغالبية العظمى من سكانها هم من الكورد وأقلية مسيحية، وغالبية ساحقة للوجود الكوردي التاريخي في ريف المالكية.

4) يمكن أن تعتبر تلك المناطق السياحية نقطة تضاف إلى سلسلة أعمال ونقاط يجعل من شعوب المنطقة تعيش إلى جانب بعضها بسلام، وتشعر بانتمائها الوطني، حين تشاهد حجم الاهتمام بها وتراثها وتاريخها.

 


شڤان إبراهيم

كاتب وأكاديمي كوردي، يكتب في العديد من المواقع ومراكز الدراسات


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved