في الاستوديو الخاص به المطل على مشارف أربيل، يحيط وهج من الإبداع الدافئ بالخطاط الكبير بژار أربيلي. يغمس قلمه الرقيق ذو الرأس العريض وفُرشه في الحبر، وتمتلئ حركاته بالتركيز الهادئ لرجل مهووس بشغفه. تشهد على موهبته الغرفة المزينة بعينات من أعماله، مثل آيات القرآن الكريم المكتوبة بشكل جميل والمطلية بالذهب وقصائد لشعراء كورد وعرب بارزين. وتحتل نسخة من القرآن الكريم مكانة خاصة في وسط الغرفة، على طاولة كبيرة؛ وهي نسخة من القرآن الكريم كتبها بژار للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الرئيس السابق لدولة الإمارات العربية المتحدة.
«بدون الحب، لا يمكن للمرء أن يأمل في العثور على النجاح الحقيقي»، يقول بژار، وهو يضع اللمسات الأخيرة على أحدث قطعة له، وفي صوته صدى لطيف في هذا الملاذ المليء بالفن.
بژار كريم سليم، المعروف باسم بژار أربيلي، رجل يبلغ من العمر 61 عاماً من أربيل، عاصمة إقليم كوردستان. ولد بژار في عائلة تعشق الفن والموسيقى، وقد طور حب الخط Ccalligraphy في طفولته. الكلمة نفسها، مشتقة من الكلمة اليونانية التي تعني «جميل»، kallos، وتعني «فن الكتابة اليدوية الجميلة».
بلمحة من الحنين في صوته، يتذكر قائلاً: «حتى عندما كنت طفلاً، كان المعلمون يبحثون عني، ويطلبون مني أن أكتب لهم أسماءً بالخط العربي».
بعد دراسة الخزف والنحت في كلية الفنون الجميلة والتخرج في جامعة بغداد، قرر بژار العمل كخطاط، إذ كان ذلك هو شغفه الحقيقي. وقد أكسبته موهبته شهرةً عالميةً، وجنى إثرها جوائزَ زيّنت إنجازاته من المسابقات المرموقة في إسطنبول ودبي. وفي عام 2012، ظهرت له فرصة رائعة. فمن بين مجموعة من 128 خطاطاً ماهراً بشكل استثنائي اجتمعوا في دبي، عُهد إلى بژار بمهمة ضخمة تتمثل في صياغة نسخة من القرآن الكريم للشيخ خليفة بتكليف من حاكم دبي الحالي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. كان هذا الشرف دليلاً على فهم بژار الاستثنائي للقواعد والأساليب والترتيب المحدد المطلوب لكتابة القرآن الكريم.
استغرق بژار ثلاث سنواتٍ لإنهاء كتابة هذه النسخة الخطية من القرآن الكريم، التي تم طباعة حوالي مليوني نسخة منها وتوزيعها في الإمارات العربية المتحدة.
بدأ فن الخط الإسلامي في القرن السابع في مدينة الكوفة في جنوب العراق كطريقة لإنشاء نسخ من القرآن الكريم. وفي الحقيقة، إن أقدم الأمثلة المعروفة للكتابة في العالم قد تم إنتاجها حوالي عام 3200 قبل الميلاد في أوروك فيما يعرف الآن بالعراق، وهي شهادة على الارتباط العميق الذي تربط هذه المنطقة بالكلمة المكتوبة.
يعتقد بژار أن هناك سبباً لازدهار فن الخط في الثقافة الإسلامية. فمع تثبيط تصوير الشخصيات البشرية، شكّلَ فن الخط بديلاً سامياً، ووسيلةً للتعبير عن القدسية من خلال الرقص الأنيق للنص.
وبعد أن نشأ هذا الفن لأول مرة في الكوفة، قامت الخلافة العباسية بتأسيس مدرسة للخط في بغداد، تلتها مدرسة عثمانية في إسطنبول، ومدارس إيرانية في أصفهان وتبريز.
في عام 2018، أقدم بژار على تأسيس مدرسة أربيل للخط. ويقول بثقة: «لقد أسست مدرسة أربيل لأنني أعتقد اعتقاداً راسخاً أن أربيل لديها الآن أفضل الخطاطين في العالم».
تعدّ المدرسة مركزاً نابضاً بالحياة، حيث تجذب العشرات من الفنانين الطموحين من جميع أنحاء كوردستان. وتتجاوز العضوية مجرد الموهبة؛ إذ يبحث بژار عن أفراد يجسدون قيم الإنسانية والسلام والتعايش. رؤيته طموحة وتتلخص في: تحويل أربيل إلى عاصمةٍ عالميةٍ للخط ومسرحٍ للمسابقات الدولية. ولتحقيق هذه الغاية، يأمل في الحصول على دعم من حكومة إقليم كوردستان.
ويأمل أيضاً في كتابة النسخة الكوردية من القرآن الكريم، بالإضافة إلى مجموعة من القصائد لشعراء كورد معروفين مثل نالي، وأحمدي خاني، وحاجي قدري كويي.
ينبض الهواء بشغف هادئ، مرتين في الأسبوع، حيث يجتمع الخطاطون في منزل بژار. يناقشون المنحنى المثالي للحرف، والوزن الدقيق للكلمة، وهمس الفرشاة على الورق. بژار، الوصي المخلص، يحتفظ بمجموعة من الأوراق بقيمة 20 ألف دولار - أوراق مصنوعة لتدوم لأكثر من 200 عام، كل صفحة فارغة هي لوحة قماشية لروائع المستقبل.
لا يكترث الخطاطون بمستقبل الخط في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بل إنهم يرون أن فن الخط يشبه فن نسج السجاد، فهناك فرق كبير في القيمة والذوق بين السجادة المصنعة في المصانع والسجادة المصنوعة يدوياً، وينطبق الأمر نفسه على الكتابة.
وبالفعل، لا يزال الشباب ينضمون إلى صفوف الخط، منجذبين إلى الفن الخالد.
قاسم خضر
يعمل في مجال الصحافة والتطوير الإعلامي في العراق، له مساهمات في وسائل الإعلام المحلية والدولية