ولدت رونيا عثمان عام 1992 لأب إيزيدي وأم ألمانية. وهي حالياً طالبة جامعية، تكتب المقال والنثر والشعر. وقد نالت العديد من الجوائز على أعمالها الأدبية، منها جائزة الشعر «أوبن مايك» وجائزة الأدب والجائزة التشجيعية «كارولين شليغل» على مقالاتها. نشرت أولى رواياتها عام 2020 وحصلت الرواية على جائزة «مارا كاسنس»، كما نالت جوائز على مجموعتها الشعرية بعنوان «الجرائم» عام 2021 ونشرت كتاباً آخر بعنوان «74» عام 2024، وقد حاز هذا الكتاب جائزة القراء.
روايتها الأولى «العطلات الصيفية»
الشابة ليلى (تيمناً بليلى قاسم!) تنشأ قرب مدينة ميونيخ الألمانية وتزور كل عام، خلال العطلة الصيفية، عائلتها الكوردية الإيزيدية في سوريا. هنا عاش والدها في قرية كوردية على الحدود التركية، عانى ما يعانيه من يسمون «أجانب الحسكة» من الكورد الذين رفضت دولة البعث منحهم الجنسية السورية أو نزعتها عن أجدادهم.
تعرض الوالد للاعتقال واضطر للفرار من دولة البعث السورية إلى ألمانيا في الثمانينات من القرن العشرين. وتتعرف ليلى من خلال زياراتها تلك على نقاء الحياة البسيطة وبراءتها في تلك القرية القصية، وترى قلوب السكان وسهولة حياتهم اليومية رغم الشقاء الذي يعانونه وتعرضهم للتمييز العنصري حين ينزلون مثلاً إلى أقرب مدينة كبيرة لهم، القامشلي، وتصف مدى سعادتها بالأشياء الصغيرة هناك.
ما يحير الطفلة الألمانية، التي تتعلم الكوردية من أبيها، ويشوش عليها هو منعها من التحدث بلغتها هذه في المطارات السورية ورؤيتها لصور حافظ الأسد في كل مكان، وهي التي لا تعرف ما هو اسم الرئيس الألماني. ترى ليلى أيضاً مدى سعادة أمها الألمانية وتغيير سلوكها المتشدد والصارم خلال وجودها في القرية وتعاملها مع النساء هناك. إنها تعيش تلك اللحظات السعيدة بكل شغف، لكن جرعات تلك السعادة المؤقتة تنقطع فجأة عام 2014، عندما تجتاح قطعان «داعش» المنطقة الكوردية بما فيها من قرى إيزيدية مبعثرة هنا وهناك، ذلك التنظيم الإرهابي الذي يعتبر الإيزيديين كفاراً وعبدة الشيطان.
تسمع ليلى تلك الأخبار وتتابعها من ألمانيا لتكتشف مدى شعورها بالعجز وترغب في أن تفعل شيئاً ما، أي شيء لأجل عائلتها الكوردية، بينما ترى أباها يعاني ولا ينقطع عن الاستماع إلى نشرات الأخبار المرعبة عما يجري لأهله هناك. كل ما بالإمكان فعله من ألمانيا لا يتجاوز حدود لم شمل العائلة وأقصاها أخذ الجدة الكوردية إلى الملجأ الألماني. مع وصول الجدة تعود ليلى أيضاً إلى جذورها وتختلط بأبناء عمومتها، لتعيد اكتشاف نمط العلاقات الاجتماعية بين الإيزيديين في المهجر. لكن مثل الشجرة التي احتطبت من جذورها، لا تستطيع الجدة الاستمرار في الحياة في مكان لا تستطيع التأقلم معه، فتجف مع الأيام وتنتهي حياتها في الغربة بعيداً عن الجارات والبساتين التي قضت عمرها بينهم.
كتاب «74»
مرة أخرى تعود رونيا عثمان لتعالج قضية تعرض الإيزيديين لعمليات الإبادة الشاملة، فرمان 74، ومن هنا عنوان الرواية «74»، حيث يعتبر فرمان تنظيم الدولة الإسلامية هو الفرمان الرابع والسبعين في تاريخ الإيزيديين الحافل بتعرضهم لمثل هذه الجرائم، التي تم الاعتراف بها رسمياً في ألمانيا كجريمة جينوسايد. وبهذا بات الكثيرون في أرجاء العالم الواسع يعرفون من هم الإيزيديون وما الذي تعرضوا له، علماً أن المجموعة الإيزيدية في ألمانيا كانت ولا زالت أكبر مجموعة إيزيدية في المهجر بعد الوطن الأم.
في «74» تروي الكاتبة عن انطباعاتها الواقعية التي اكتسبتها خلال جولة في مخيمات اللاجئين في كوردستان، وبهذا كتبت عملاً واقعياً بحتاً لا يلعب فيه الخيال دوراً، لتروي على لسان الضحايا عما جرى لها. وبهذه الشهادات تقصي ليلى عثمان نفسها عن التدخل المباشر في السرد، لتضع الحكم في يد القارئ. كما تتطرق إلى مسألة العائدين إلى ألمانيا من مجردي تنظيم الدولة الإسلامية، وتحديداً النساء المتمتعات بالجنسية الألمانية والذين جلبتهم الدولة الألمانية من مخيمات الاعتقال ومع البعض منهن أطفالهن الذين أنجبنهم خلال حياتهن في ظل الدولة الإسلامية المزعومة.
بهذا الكتاب الواقعي قربت ليلى عثمان القارئ الألماني من المسألة الكوردية، والإيزيدية تحديداً، وذلك بلسان الضحايا، من دون أن تلجأ إلى تحليل روائي أو سردي. وبهذا تقدم مساهمة أخرى في سبيل إيمانها بالحق الكوردي في الوجود الحر والكريم، وفي التعريف بحقيقة تلك العصابات المجرمة بحق البشرية عموماً والإيزيديين والكورد خصوصاً.
ديوان «الجرائم»
نشرت ليلى عثمان مجموعتها الشعرية الموسومة «الجرائم» بعد عام واحد من نشر روايتها الأولى «عطلات الصيف». وفي هذه المجموعة أيضاً تتطرق، كما يشي عنوان الديوان، إلى الجرائم المرتكبة بحق البشرية والإنسانية، متمثلة في مأساة الشعب الكردي أينما كان، ولهذا نقرأ في النصوص مسارح المأساة، عفرين، الموصل، نينوى، تلك المسارح التي غدا فيها الكوردي ضحية للصراعات الإقليمية والعالمية. هذه القصائد المكتوبة بلغة لا تهادن، مليئة بالحزن والأسى، تضج بالجراح العميقة التي سببتها «الجرائم».
من نصوص الديوان، قصيدة بعنوان «العد العكسي للانفجار»
«عليك أن تقرأ الحجارة
بالمقلوب. أن تبدأ عند القباب، القباب بنات الشمس،
الأشعة. لكن القبة هبطت، القبة دون عمود ودون قاعدة
هبطت بعد الانفجار ثلاثة أمتار وعشرة سنتمرات أكثر.
لو حسبت عدد الحصى لتصل إلى المبنى
ستكون النتيجة معبداً».
كما أنها تلومنا وتلوم البشرية على أن «الجريمة» قد تمر بنا وكأنها شأن «طبيعي» في «الأشجار المحترقة»:
"وكأننا لا نعلم
بأي شيء،
كأننا لا نعلم،
فالطبيعة رغم كل شيء محضر،
والسماء ما زالت كذبة
لا تشوب زرقتها شائبة.
هذا ما يمكن أن يقال عن الأمر».
كاميران حوج
كاتب ومترجم كوردي يقيم في ألمانيا وترجم عديداً من الروايات الألمانية إلى العربية