قانون الأحوال الشخصية العراقي يثير الجدل والنقاش
قانون الأحوال الشخصية العراقي يثير الجدل والنقاش
September 24, 2024

يستمر الجدل في الشارع العراقي بشأن تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، وهو موضوع أثار موجة من الآراء المتباينة بين مؤيد ومعارض، فيما نظم العديد من منظمات المجتمع المدني حملات إعلامية للوقوف بوجه أي تعديل يرونه انتهاكاً لحقوق الإنسان والمرأة بشكل خاص، فيما يرى مؤيدون للتعديل أن القانون مضى عليه أعوام طويلة ويجب أن يعدل وفق المذاهب والأديان المختلفة في المجتمع العراقي.

خبراء يرونه الأفضل

الخبير القانوني الدكتور علي التميمي يقول إن قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 هو من أفضل القوانين في المنطقة برمتها، مع أنه يحتاج إلى تعديلات لبعض فقراته كونه شُرّع في وقت مضى عليه سنوات طويلة جداً.

وأكد التميمي في تصريحات خص بها «كوردستان بالعربي»، أن أي «قانون لا يُعدَل ولا يُغيَّر إلا بقانون آخر»، مشيراً إلى أن التعديل المطلوب، وهو موضع الخلاف، يكون في المادة 41 منه الذي يراد منه أن يكون لكل طائفة ودين وقومية قانونها الخاص بها. وهذا الأمر سيعقد القانون بشكل كبير ولا يمكن لأي قاضٍ أن يمضي به من دون الرجوع إلى الطائفة والدين لكلا الطرفين الزوج والزوجة، مع التسليم بأن كل قاضي فقيه، ولكن ليس كل فقيه قاضي.

ويرى التميمي، أن «هناك بعض الفقرات في القانون هي التي تحتاج إلى التعديل، أولها الطلاق التعسفي لأتفه الأسباب، في القانون الحالي؛ هناك تعويض بقيمة نفقة عامين ويجب أن ترتفع قيمة التعويض، والتعديل الثاني هو الطلاق الخُلعي بموافقة الزوج ونقترح حذف شرط (موافقة الزوج)، والتعديل الثالث المقترح هو ما يتعلق بحضانة الأطفال وسن الحضانة».

التعديل الرابع: الذي يقترحه التميمي هو في موضوع الزواج والطلاق خارج المحكمة الذي ينص القانون على معاقبة الزوج، فيما يقترح التميمي أن «يُعاقَب الزوج والزوجة ورجل الدين للحد من هذه الظاهرة والحد من زواج القاصرات».

وخامساً: يقترح التميمي، تعديل فقرة الزواج المتعدد بأن يبين ما هي المصلحة المشروعة لزواج الرجل وأن تلغى موافقة الزوجة للقضاء على الأرامل والمطلقات والعنوسة، كما اقترح التميمي أن تعاد صياغة فقرة الرجوع إلى الطوائف والأديان لتنظيمها وفق الأوضاع التي تعود بالخير لكل تلك الطوائف.

صورة: ياسر أحمد سالم

 

ورقة ضغط سياسية

من جانبه أكد المحلل السياسي محمد علي الحكيم، أن «هذا الجدل مطروح منذ سنوات بين القوى السياسية وكلما تُثار بعض القوانين، نرى إثارة قوانين أخرى مُثيرة للجدل». 

ويعتقد الحكيم في تصريح لـ«كوردستان بالعربي» أن الهدف من إثارة هذا القانون في هذا الوقت الحساس «هو من أجل الوقوف بوجه بعض القوانين المتفق عليها مع بعض الشركاء خلال الورقة الموقعة مع بعض الأطراف لتشكيل الحكومة»، مؤكداً أنها «ورقة ضغط ليس إلا».

وبحسب رأي الحكيم، فإن قانون الأحوال الشخصية هو «ورقة ضغط سياسي بوجه قانون العفو العام، وإثارة هذا الموضوع في هذا الوقت الحساس، سياسي حصراً. لذلك أثارت بعض الأطراف هذا الموضوع من أجل عدم تمرير قانون العفو العام، لكي تقف أمام تمرير كلا القانونين، قانون العفو العام مقابل قانون الأحوال الشخصية، وكلاهما لم ولن يمرا بسهولة».

هل يُطبق القانون في ظل نظام عشائري؟

النظام العشائري هو المسيطر في العراق، لذلك، القانون والحكومة لم يكن لهما كلمة الفصل، وإذا أراد الأب تزويج بنته في السن التاسعة، فلن يتمكن القانون من الوقوف أمامه، في ظل وجود نظام عشائري مسيطر على الدولة وعلى القانون، وفي ظل وجود أشخاص يعقدون للطرفين خارج نظام المحكمة بما يسمى «العقد الشرعي». 

هناك فقرات في القانون ينبغي تعديلها، أبرزها قانون الحضانة المشتركة بين الرجل والمرأة للأطفال بعد الانفصال، ولا يمكن أن تكون الحضانة، حسب ما يرى المحلل السياسي محمد علي الحكيم، منحصرة بالأم فلا يتمكن الأب من لقاء أولاده لمرة واحدة كل شهر لنصف ساعة في المحكمة على الأقل، في حين أن الأطفال «يترعرعون في أحضان زوج الأم ويحرمون من لقاء والدهم الحقيقي».

من جانبه، أكد الباحث الاجتماعي الدكتور عبد الواحد مشعل أن قانون الأحوال الشخصية في العراق لعام 1959 يعد من أروع القوانين في منطقة الشرق الأوسط، وقد حدد السن القانوني للزواج بـ 18 سنة لكلا الجنسين.

وأضاف أن العراق ذو ثقافة مدنية، وأي تشريع يعاكس الجانب المدني ستكون له نتائج معاكسة، مشيراً إلى أن التعديل على القانون «يمكن أن يجري بما يتماشى مع التغيرات الاجتماعية والثقافية في المجتمع، وأن يكون قادراً على التحرك وفق متطلبات المرحلة الحالية بما يتناسب مع فائدة المجتمع».

وفي عام 2017 اقترح نواب تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي يحظر الزواج قبل سن 18 عاماً ويمنع خصوصاً رجال الدين من مصادرة حق الأهل بالتوجه إلى محاكم الدولة.

ونص التعديل في حينه على أنه «يجوز إبرام عقد الزواج لأتباع المذهبين الشيعي والسني كل وفق مذهبه، من قِبَل من يجيز فقهاء ذلك المذهب إبرامه للعقد». وقوبل المقترح بجدل وغضب واسعين من قبل منظمات المجتمع المدني مما اضطر القائمين على الخطوة على التراجع.

يشار إلى أن الفقرة الأولى من المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية الحالي، والصادر في عام 1959، تشترط بلوغ الزوجين 18 عاماً لعقد القِران أو 15 عاماً مع إذن من القاضي، بحسب «البلوغ الشرعي والقابلية البدنية».

ويتضمن التعديل أيضاً إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون للقانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية.

وأوضح المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن التعديل قد يؤدي إلى «انتهاك الحقوق الدستورية والقانونية للطوائف المتعددة التي تتبع الدين الإسلامي في العراق»، مؤكداً أن المادة 41 من الدستور العراقي تنص: «العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم، أو اختياراتهم».

مُفيداً أن «التزامات العراق بموجب الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تفرض حماية حقوق الأفراد في اختيار وتحديد أحوالهم الشخصية من دون تمييز».

القانون بين الرفض والقبول

من جانبه يرى تحالف «قيم» المدني إن التعديل يكرّس الطائفية في البلاد ويعزّز سطوة أحزاب السلطة. وقال في بيان أصدره تعليقاً على الحراك البرلماني لتعديل القانون، بأنه «محاولة جديدة لتكريس الطائفية والعبث في المجتمع، بعدما عبثت به تلك المحاصصة المقيتة في العملية السياسية وأفرغتها من تأثيرها الديمقراطي، حيث تعمل قوى المحاصصة الطائفية على فرض هيمنتها وسطوتها على المجتمع».

وتأتي هذه المحاولة، حسب البيان، في وقت «يستمر فيه مجلس النواب بغض النظر عن قوانين أخرى، تصب في مصلحة الشعب والبلد، ولم نشهد حتى الآن صوتاً مدافعاً عن حقوق الناس، فيما غاب تماماً دوره الرقابي، وهو لم يحقق حتى الآن مهمة انتخاب رئيس له وانتخاب رئاسة بعض لجانه».

ويستمر الخلاف بين الرفض والقبول إذ أعلن حزب الدعوة الإسلامية، موقفه من تعديل قانون الأحوال الشخصية ووجه دعوة للمعترضين.

وذكر الحزب في بيان، إن «الحرية هي سمة أساسية من سمات العهد السياسي الجديد حيث لم يشهد لها تاريخ العراق الحديث مثيلاً، وهي وليدة التضحيات السخية للعراقيين الأحرار من المكونات كافة». وأضاف أنه «قد جاء تعديل قانون الأحوال الشخصية ليرسخ حرية الإنسان العراقي بمنحه الحق في تنظيم أحواله الشخصية على وفق ما يعتقد، إذ أن الأحوال الشخصية جزء رئيسي من الأحكام الشرعية الإسلامية لدى جميع المذاهب بلا استثناء، مثلها مثل أحكام العبادات التي يحرص الإنسان على إبراء ذمته أمام الله تعالى بالالتزام بها»، مؤكداً أن «تشريع هذا التعديل يتفق مع السياقات الدستورية والديمقراطية المعمول بها في البلد».

وتابع الحزب «إننا نهيب بأعضاء وكتل مجلس النواب الموقر إنجاز هذا الاستحقاق، والمبادرة إلى تقديم التوضيحات السليمة حوله، بعيداً عن الدعايات المضادة التي تحمل القانون شروحاً وأحكاماً لا علاقة له بها بهدف خلط الأوراق وتشويش الرأي العام وخلق حالة مضادة لجهود تشريعه».


هدى جاسم

صحفية عراقية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved