نشأ في أسرة فنية، وأحب الرسم منذ نعومة أظفاره، وأقام العديد من المعارض، حتى صدم عندما فقدت غالبية لوحات المعرض التشكيلي الذي أقامه وهو في المرحلة المتوسطة، ليكتشف لاحقاً أن بعضها معروض في وزارة الثقافة والإعلام، وإحداها معروضة في مكتب الوزير! لكن والده أراده موسيقياً وعلمه العود واللغة الإنكليزية وأدخله مدرسة الموسيقى والباليه لكنه فر منها.. وقد لعبت المصادفة دوراً حاسماً في تحديد مصيره ومسار حياته أكثر من مرة.
الميت الحي!
أول تلك الصدف، قادته للدراسة في معهد الدراسات الموسيقية، ليصبح طالباً وبعدها مدرساً بالمعهد في آن معاً، وليصبح موسيقياً بارعاً ومعروفاً قاد العديد من الفرق الشرقية والأوركسترالية.. وثانيها عندما اختطفته جهة ميليشياوية، متسترة بالإسلام زوراً وبهتاناً، وغيبته طوال سنة كاملة، ذاق خلالها أقسى أنواع القهر والتعذيب، حتى كسرت عظام يده وخلع كتفه، وظن أهله أنه قد غُيّب نهائياً، حتى أنهم علقوا نعيه على جدار منزلهم في منطقة بغداد الجديدة، جنوب شرقي العاصمة بغداد. وثالث الصدف كانت عندما جاء أحد معارفه ليخرج شقيقه من المعتقل، ليصعق عندما شاهده بالصدفة وهو أقرب ما يكون لإنسان الغابة، فأغمي عليه (معارفه)، ولما استفاق صرخ قائلاً «ألست ميتاً.. إن نعيك ما يزال على جدار منزلكم»، قبل أن يتمكن من إطلاق سراحه بعد دفع المقسوم.
ورابع الصدف، كانت عندما عاودت الجهة الميليشياوية إياها، مهاجمة منزله سنة 2005، وخيرته بين قتله وعائلته أو مغادرة بغداد نهائياً، فخرج وأهله ليقوده القدر نحو إقليم كوردستان، ذلك الحضن الدافئ الذي آوى مئات الآلاف من العراقيين أبناء محافظات الوسط والجنوب، الذين فروا من جحيم الطائفية، والقتل على الهوية، والميليشيات الظلامية المتوحشة، حتى استقر في مدينة السليمانية، ليبدأ رحلة جديدة من الصفر تقريباً.
وفي السليمانية، لعبت الصدفة دورها معه مجدداً، عندما التقى، في حافلة للنقل العام، أستاذه في معهد الدراسات الموسيقية، ماجد عبد الرزاق، الذي دهش عندما رآه، ولما علم بقصته، دعاه للتدريس في معهد الفنون الجميلة بالمدينة.
إنه العازف والمؤلف وقائد الأوركسترا مصطفى عباس علي، الذي التقيناه في «مالي موزيك» بيت الموسيقى، ليحدثنا عن رحلته مع عالم النغم.