أحمدي خاني .. العصر الذهبي للأدب الكلاسيكي الكوردي
أحمدي خاني .. العصر الذهبي للأدب الكلاسيكي الكوردي
September 29, 2024

يعتبر القرن السابع عشر الميلادي عصراً ذهبياً ازدهر فيه الأدب الكوردي المدون باللغة الكوردية (اللهجة الكرمانجية الشمالية) ازدهاراً كبيراً وبلغ ذروة الكمال. ففي هذا القرن نشأ وعاش فطاحل الشعر الكوردي مثل ملايي جزيري Melayê Cizîrî وفقي طيران  Feqê Teyranوأحمدى خاني Ehmedê Xanî الثلاثي الذي لا بد من ذكره كلما تحدث باحث عن نشأة الأدب الكوردي وتطوره.

عاش هؤلاء الرواد الثلاثة في ظل إمارات كوردية صغيرة مستقلة - نوعاً ما - عن الإمبراطورية العثمانية. ويبدو أنها احتفظت بصبغة قومية غير خافية إذ نشأ في ربوعها أدباء يميلون إلى الكتابة بلغتهم الكوردية ويصرفون النظر عن مجاراة أو تقليد أقرانهم وأسلافهم ممن لجأوا إلى الكتابة بالفارسية والعربية. يقول ملايى جزيري في إحدى قصائده الشهيرة:

إن كنت تسعى إلى نظم يحاكي اللؤلؤ المنثور 

فاقرأ شعر «ملا» ولا حاجة بك إلى الشيرازي

وفي الحقيقة فإن قصائد الجزيري المدونة باللغة الكوردية المطعمة بمفردات فارسية وعربية هي قصائد في قمة الروعة وذروة البلاغة مما يدل على بلوغ اللغة الكوردية في زمنه أوج تطورها. والشاعر الجزيري يمتلك قريحة تشبه قريحة المتنبي في حكمته واعتداده بالنفس إلا أنه يختلف عن المتنبي في كثرة حديثه عن العشق وانشغاله بالتصوف مما يجعلنا نصنفه شاعراً للغزل الصوفي أو الحب الإلهي.

أما الشاعر الآخر الذي عاصر ملايي جزيري وعاش قريباً منه، أي فقي طيران، فقد استفاد من قصص الإسرائيليات وحكايات الكورد الشفاهية ليدون بعض المنظومات الشعرية مثل قصة الشيخ الصنعاني وحكاية العابد برصيص والحصان الأسود إلى جانب نظم بعض القصائد التي جمعت في ديوان شعري طبع عدة مرات. وقد كتب هذا الشاعر بلغة بسيطة قريبة سهلة بعكس قرينه الجزيري الذي اهتم بصقل ألفاظه وعباراته اهتماماً كبيراً مما جعل شعره يعتبر نوعاً من المعجزات.

أما أحمد الخاني (1650 - 1708) فهو حسبما يقول المفكر العراقي الراحل هادي العلوي في مقدمة شرح ملحمة «مم وزين» المنشورة عن دار سبيريز في دهوك عام 2006: أراد خاني أن يؤسس للثقافة الكوردية المكتوبة لتمشي في موازاة الثقافة الفارسية والثقافة العربية. وقد نجح في مسعاه وثورته فتدفق سيل الأدب الكوردي والكتابة الكوردية طيلة القرنين الماضيين وتبلورت المعجمية الكوردية والمصطلح الكوردي وصار بإمكان الأكراد أن يعالجوا شتى العلوم والمعارف بلغتهم، بعد أن كانوا يعتمدون في الثقافة والأدب على اللغتين العربية والفارسية.

كان الخاني يحمل هماً ثقافياً تجلى بكل وضوح في ملحمة «مم وزين» Mem û Zîn التي كتبها في حدود عام 1695 وسكب فيها كل عبقريته. وقد تمثل الهم الثقافي فيما يلي:

1) ضرورة اعتماد اللغة الكوردية لغة للكتابة والتدوين.

2) تكريد الإسلام وتبسيطه لطلبة الفقه باللغة الكوردية.

ناضل الشيخ أحمد الخاني على هذين المستويين فكتب منظومة عقيدة الإيمان وقاموس «نوبارا بچووكان» (Nûbara Biçûkan) لتيسير ألفاظ القرآن الكريم لأطفال الكورد من تلاميذ الكتاتيب كما صرح هو بذاته في مقدمة القاموس الصغير. 

كما أنه كتب أروع الملاحم الكوردية على الإطلاق وأعني بذلك الملحمة الشعرية «مم وزين» التي ترجمها أولاً الراحل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي منقوصة (خوف الرقابة) إلى اللغة العربية وطبعت طبعات مختلفة كثيرة.