في أمسية ثقافية مرموقة حضرها نخبة من المفكرين والمثقفين في أربيل، استضافت مجلة «كوردستان بالعربي» التي تصدرها مؤسسة «كوردستان كرونيكل»، وبالتنسيق مع اتحاد الكتاب الكورد – فرع أربيل، المفكر العراقي البارز، الدكتور عبد الحسين شعبان، في محاضرة قيّمة حملت عنوان «نحو ويستفاليا مشرقية». وأدار الندوة الدكتور شيرزاد النجار.
وتميز الحضور بتنوعه اللافت، إذ شمل شخصيات بارزة مثل السفير الفلسطيني نظمي حزوري، وحمدي سنجاري، ورئيس اتحاد الكتاب الكورد فرع أربيل عبد الرحمن فرهادي، والمفكر الكوردي القانوني د. محمد شريف، إلى جانب جمهور غفير من المثقفين والأدباء والكتاب والصحفيين الكورد والعرب.
سلّط الدكتور شعبان في محاضرته الشيقة، الضوء على الإشكاليات العميقة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط منذ عقود. وأشار إلى أن هذه الصراعات، التي اتخذت أبعاداً قومية ودينية وطائفية، قد خلقت عقبات جمة أمام التعايش المشترك والتعاون الإقليمي الضروري للنهوض والتنمية.
وفي طرح فكري متميز، قدم د. شعبان مفهوم «ويستفاليا مشرقية» كرؤية علاجية لأزمات المنطقة. هذا المفهوم يستلهم التجربة الأوروبية التاريخية، حيث أدرك الأوروبيون، بعد حروب دينية مدمرة، ضرورة التعايش والحوار، وهو ما تجسد في معاهدة ويستفاليا عام 1648.
استعرض المحاضر بعمق تاريخ «صلح ويستفاليا»، موضحاً كيف وضع هذا الاتفاق حداً لحرب الثلاثين عاماً الدموية في أوروبا. وأوضح أن هذه الحرب، التي امتدت من 1618 إلى 1648، خلّفت دماراً هائلاً وخسائر بشرية فادحة، مما دفع الأطراف المتحاربة إلى إدراك ضرورة التوصل لتسوية سلمية.
وأكد د. شعبان أن معاهدة ويستفاليا كانت نقطة تحول محورية في التاريخ الأوروبي، إذ مهدت الطريق لنشوء مفهوم الدولة القومية الحديثة. كما أرست مبادئ أساسية كعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وضمان الحريات الدينية، والتعاون الاقتصادي، وهي مبادئ لا تزال تشكل أساس العلاقات الدولية حتى يومنا هذا.
وختم المحاضر بالتأكيد على أهمية استلهام هذه التجربة في سياق الشرق الأوسط المعاصر، داعياً إلى تبني رؤية «ويستفاليا مشرقية» كسبيل للخروج من دوامة الصراعات وبناء مستقبل يقوم على التعايش والتعاون المشترك.
كانت هنالك مُداخلات لبعض الضيوف حول وضع كوردستان في سياق الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وأشار عدد من المفكرين الكورد والعرب إلى أن هذه الحروب والنزاعات في الإقليم تُعَدّ حروباً معقدة تتداخل فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، رغم أنها تُغلف بمصالح وأهداف قومية ودينية وطائفية