يسلِّط تقرير مراقبة المحاكمات الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤخراً حول قضايا الفساد الكبرى في مختلف أنحاء إقليم كردستان العراق، الضوءَ على التقدم الكبير الذي أحرزته حكومة إقليم كردستان في مكافحة الفساد ويقدم رؤىً شاملة حول الإجراءات القضائية في المنطقة.
القطاعات المعرضة للفساد والتحسينات القضائية
يتضمن التقرير الذي صدر في 18 آب 2024، والمكون من 48 صفحة، تفاصيل رصد أكثر من 100 قضية من تشرين الثاني 2022 إلى كانون الأول 2023، إلى جانب 50 حكماً صدر بين عامي 2016 و2022. ويغطي التقريرُ جلسات المحكمة في أربيل والسليمانية ودهوك، مع تسليط الضوء على قضايا الفساد الكبرى، بما فيها، تلك التي تنطوي على عمليات فساد مالية عالية، وكبار المسؤولين، وقضايا المصلحة العامة أو تلك المرفوعةُ ضد المخبرين ودعاة مكافحة الفساد.
التقريرُ هو نتاجُ تعاونٍ مع مكتب حقوق الإنسان التابع لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) والمجلس القضائي لإقليم كردستان العراق.
وفقاً للتقرير، كانت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كردستان (25 %) ووزارة الكهرباء (18 %) والمجالس البلدية (17 %) هي القطاعات الحكومية الأكثر تضرُّراً من الفساد الكبير. تكشف النتائج الرئيسية للتقرير أيضاً عن زيادة في نسبة الإدانات مقارنة بالبراءة، على الرغم من أن معدل الإدانة للمتهمين رفيعي المستوى لا يزال منخفضاً، وأن عدد الاتهامات الرسمية الموجهة من المحاكم إلى كبار المسؤولين الحكوميين لا يكاد يُذكر.
وعلاوة على ذلك، يشير تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى إحراز تقدم كبير في استبعاد القضايا المتعلقة بالفساد من نظام العفو العام. كما كان هناك انخفاض ملحوظ في المحاكمات التي أجريت غيابياً فضلاً عن ارتفاع في الجرائم الجنائية المتعلقة بالضرر المتعمد من خلال سوء استخدام المنصب الحكومي، مما يعكس تقدم القضاء في تعزيز جهود مكافحة الفساد. ومع ذلك، يشير التقرير إلى غياب منظمات المجتمع المدني، بشكل مثيرٍ للقلق، عن المحاكمات كأطراف ثالثة، على الرغم من أن الأحكام القانونية تسمحُ بحضورها.
الفساد في المناصب الدنيا
يقارن تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بين قضايا الفساد حسب مستوى منصب المتهم في حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية، مشيراً إلى وجود فرق كبير: فبينما تسجل الأولى جميع قضايا الفساد في مناصب حكومية أدنى، تشهد الثانية عدداً أكبر من كبار المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد.
ويكشف التقرير أن «المحاكم شهدت على المستوى الاتحادي قضايا فساد كبرى شملت مسؤولين رفيعي المستوى، بما في ذلك أعضاء البرلمان والوزراء ووكلاء الوزراء والمحافظين. وعلى النقيض من ذلك، زاد عدد موظفي الحكومة العامة في [إقليم كردستان] بشكل كبير، حيث يمثلون أكثر من 50 % من إجمالي القضايا التي تمت مراقبتها ومراجعتها، مما يشير إلى أن المساءلة عن الفساد لا تزال تتركز إلى حد كبير على المستويات الحكومية الدنيا».
التعاون لمكافحة الفساد
أكد ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق أوكي لوتسما، في كلمته في حفل إطلاق التقرير، أن التقرير يمكن أن يساعد في توحيد الجهود الرامية إلى الحد من الفساد في إقليم كردستان.
وقال لوتسما على موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على الإنترنت: «يشكِّلُ هذا التقرير الحاسم، والذي يمثل تتويجاً لجهودنا المشتركة، معلماً مهماً في سعينا الجماعي لتعزيز الشفافية والعدالة. ونحن على استعدادٍ للتعاون لمعالجة توصيات التقرير».
وبما أن الأمم المتحدة مولت التقرير، فقد ألقى سفير الاتحاد الأوروبي في العراق توماس سيلر أيضاً رسالة بالفيديو خلال الحدث، مشيراً إلى أن نتائج التقرير ستساعد في صياغة الجهود المتعددة الأطراف لوضع استراتيجيات مناسبة لمكافحة الفساد.
وأشار سيلر إلى أن «تقرير مراقبة المحاكمات يقدم نظرةً ثاقبةً حول كيفية إجراء التحقيقات وكيفية إجراء المحاكمات. وسترشدنا توصياته في تحسين استراتيجياتنا وتعزيز تدابير مكافحة الفساد».
وخلال الفعالية، سلط القاضي عبد الجبار عزيز حسن، رئيس مجلس القضاء في إقليم كردستان، الضوء أيضاً على أهمية التقرير لإصلاح القضاء في إقليم كردستان. وأكد أن «التقرير يثبت تفانينا في مكافحة الفساد، كما يوفر لنا فرصة للارتقاء بممارساتنا الملتزمة نحو نظام قضائي أكثر شفافية ومساءلة».
الإصلاحات الموصى بها
يحثُّ التقريرُ حكومةَ إقليم كردستان، والمجلس القضائي، ونقابة المحامين، والمجتمع المدني، والمجتمع الدولي على تنفيذ الإصلاحات المقترحة لمكافحة الفساد. وتشملُ هذه الإصلاحات إنشاء محاكم متخصصةٍ لقضايا الفساد الكبرى، وتحديث قانون العقوبات لمعالجة قضايا مثل الرشوة في القطاع الخاص، وسنِّ التشريعات لحماية المبلِّغين عن المخالفات والضحايا.
كما يدعو التقريرُ إلى الحدِّ من السلطة التقديرية المؤسسية في سحب مطالبات التعويض وتعزيز الرقابة في القطاعات المتضرِّرة من الفساد.
وتتضمن التوصيات الأخرى إصلاح الإجراءات الجنائية لتعزيز القدرات التحقيقية، وتنفيذ نظام إلكتروني لإدارة القضايا، وتوحيد معايير إصدار الأحكام. وبالإضافة إلى ذلك، يسلِّط التقريرُ الضوءَ على أهمية تعزيز الاستقلال المالي لمكتب المدعي العام ودعم المجتمع المدني في مبادرات مكافحة الفساد.
سردار ستار
مترجم وصحفي مقيم في إقليم كوردستان. قام بترجمةالعديد من الكتب والأدب الساسي إلى اللغتين الكوردية والإنكليزية. يكتب بانتظام في الصحف والمجلات المحلية والدولية