ما ان وصلت الباخرة جورجيا التي تقل العائدين من الاتحاد السوفيتي أولئك المواطنين الذين شردهم الاستعمار في عهد الحكم الخائن حكم نوري السعيد - عبد الاله ، حتى هب سكان البصرة واطرافها عن بكرة أبيها لاستقبال المواطنين البارزانیین، استقبالا يليق بهم ينسيهم ما قاسوه من ألم الحنين إلى الوطن .
ومن بغداد اقلعت طائرة عسكرية تقل وفدا يضم سيادة العقيد عبد الباقي كاظم مدير شرطة لواء بغداد وضباطاً آخرين والملا مصطفى البارزاني، وحمزة عبدالله ونهاد احمد عزيز وغيرهم من الأكراد العراقيين والبارزانيين، والرفيق حمزة سلمان.
وقد استقبلت جماهير البصرة في المطار المدني الوفد القادم من بغداد استقبالا حاراً جعل الوفد يقدر تمام التقدير ما سيكون عليه لقاء اخواننا البارزانيين القادمين، اذ قد نشرت جميع المنظمات الوطنية: اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في البصرة ولجنة ارتباط المنظمات الديمقراطية والاجتماعية في البصرة الشبيبة الديمقراطية وغيرها من المنظمات على بيانات ) دعو فيها الجماهير للإسهام في استقبال العائدين والترحيب بهم وكان مما يلفت النظر في هذه البيانات، هو البيان الذي اصدرته الهيئة المؤسسة لجمعية الحضارة. التي أهابت بالجماهير ان يتسوقوا يوم ١٥/٤ لان اعضاء الجمعية سيغلقون حوانيتهم. يوم ١٦/٤ وهو اليوم الذي يصل فيه اخواننا البارزانيون وكانت لجنة الاستقبال التي القت. من الدوائر الحكومية، الجيش، والميناء والشرطة والادارة ومن المنظمات الوطنية والاجتماعية والوفد القادم من بغداد على ظهر الباخرة (ثورة) ، في طريقها إلى استقبال الباخرة (جورجيا) وكانت مظاهرة لها عروق بعيدة فى التاريخ، تعد منذ عصور العراق البعيدة مظاهرة حب تدفقت من روافد الشمال وجرت وسارت وهي تزداد اشباعاً كلما مرت بمدينة وقرية وتزداد تعطشاً كلما ارتوت، وفى الجنوب .. ودوت صفارات - جورجيا - المشكورة وآلاف الافئدة، وآلاف الحناجر وكان اللقاء، وكل ما يعوم على الماء من ماطورات وزوارق ومشاحيف في البصرة وقراها، كان منطلقا منذ الصباح يختال بالفرحة والشوق والورد، وبالاعلام الحمراء السوفيتية واعلام جمهوريتنا وصور الزعيم عبد الكريم قاسم، ورقص الموج فرحاً يصفق على الشاطئين ويختلط تكسره مع زغاريد وهتافات آلاف الفلاحين من المعقل حتى آخر نخلة فى الفاو . وعلى جذع كل نخلة شعار وصورة حمامة سلام وجنب كل نخلة طفلة أو كهل يصفق ويرقص ويلوح بمسحاء أو منجله، وقبل ناحية السبية، ارست الباخرة (ثورة)، وهي مختالة بإعلامها ويوفودها المستقبلين وفى مقدمتهم المناضل ملا مصطفى البارزانی، وسيادة قنصل البلد العظيم الإتحاد السوفياتي وسيادة الزعيم مجيد على وممثلين من لجنة الارتباط للمنظمات الديمقراطية والاجتماعية وموفدين من حزب الطليعة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الموحد في كردستان وفي الساعة الثالثة اطلقت - ثورة - اهازيج صفاراتها .. مرحبة باختها الكبرى جورجيا. . ومن كل مواطن طفرت دمعة... دمعة فرح ولقاء .. وعلى شرفات الباخرة ... اطفالنا تحملهم امهاتهم وشيوخنا واخواننا يرقصون ويلوحون ويهتفون للزعيم عبد الكريم وبحياة الاخوة العربية الكردية .. ويبكون فرحاً ... و انتظمت اكبر واول مظاهرة نهرية في تاريخ العراق . جورجيا في المقدمة وثورة ترافقها ومئات الزوارق البخارية تحمل المنظمات الديمقراطية وآلاف المواطنين وشعاراتهم .. اهلاً بنسور الشمال المناضلين البارزانيين الأحرار جماهير البصرة ترحب بالإخوان الأبطال بعودتهم إلى الوطن .. ومئات الشعارات الأخرى. وسارت جورجيا وثورة ٦ سرعتيهما کی تتوافقا مع سرعة الزوارق التي احاطت السوار بالمعصم وكي تحييا المستقبلين على الجانبين وعلى المرفأ (٦) رست الباخرتان ونزلت الوفود إلى الباخرة "جورجيا" و تبودلت كلمات ترحيب و شكر الى ربان وبحارة الباخرة الشرفاء من قبل كل من المناضل البارزاني "ملا مصطفى" وموفد الحزب الشيوعي العراقي من بغداد.
وكانت ترافق هذه المظاهرة النهرية سجلات دار الإذاعة والتلفزيون. وما ان نزل إخواننا الاشاوس حتى التهبت الأكف بالتصفيق و تعالت الهتافات بحياة الزعيم عبد الكريم قاسم وحياة الشعبين المناضلين العربي والكردي وإخوتهم وكانت الهوسات الشعبية - أخواننا الشجعان عادوا للاوطان . وحسب البرنامج المعد وبعد سير القطار السريع في الساعة السادسة والنصف وصل القطار الخاص الذى نقل اخواننا العائدين الى الوطن من مرفا (٦) الى محطة قطار سكك حديد الجمهورية العراقية في المعقل .... وهناك احتشد ما يقارب خمسين الفاً من المواطنين مرحبين بمن ضحى بكل غال في سبيل حرية وطنهم وسعادة شعبهم : ها انتم تعودون بعد سنين والعراق قد تحرر الى الابد شكرا للاتحاد السوفياتي الذي رد الأمانات الى اهلها شكرا له حين احتضنتهم واحسن ضيافتهم.
وامام المحطة اشتبكت الأيدي وكان العناق والقبل والزغاريد والهتافات والألوف من جماهير البصرة تحيي وترحب بإخواننا من نوافذ القطار يلوحون ويضحكون ويمسحون دموع الفرح وحرارة
وبهجة اللقاء ... وطفلة بكت .. لاول مرة تشاهد اهل أبيها.. شعبها .. هكذا :
انها لا تفهم لغتهم وأمها لا تفهم لغة اخوان زوجها ... ولكن هل هناك أعمق من هذه الثقة.. اعمق من أن تغرورق العيون وتمتزج الدموع مع العناق كما امتزجت تلك الدماء الزكية في أعالي الجبال مع سهول الجنوب . يا له من وعد ذلك الذي نعق يوماً، ان باخرة تحمل المدربين على حمل السلاح وحرب العصابات من الأكراد السوفييت في طريقها الى البصرة قاربت الساعة التاسعة حضر ملا مصطفى البارزاني، وبحارة الباخرة (جورجيا) الى المكان المعد لهم على رصيف المحطة وتقدم عريف الحفل السيد حميد الناصر الذي ألقى كلمة لجنة الارتباط للمنظمات الديمقراطية مرحباً بالضيوف وشاكراً الاتحاد السوفيتي وبحارة الباخرة ومهنئاً اخواننا الابطال البارزانيين بوصولهم الى ارض الوطن الديمقراطي المتحرر .. ثم كلمة الى المناضل السيد حمزة عبد الله ممثل الحزب الديمقراطي الموحد في كردستان ذاكراً ان الشعب الكردي وجميع الاقليات واقفين اليوم أشد تضامنا مع اخوتهم الشعب العربي الكبير لصيانة الجمهورية الديمقراطية ومن ثم قدم عريف الحفل موفد قيادة الحزب الشيوعي العراقي من بغداد.
كلمة الحزب الشيوعي
وابتدأ المناضل حمزة سلمان قائلاً:
اخوانی ابطال بارزان .. ايها الرفاق الضيوف السوفيت،
ايها الجماهير الباسلة: باسم الحزب الشيوعي العراقي أرحب بكم يوم عودتكم الى الوطن الحبيب وطن الرابع عشر من تموز، بعد أن تطهر من رجس السيطرة الاستعمارية وظلم عملاء الاستعمار من ملوك واقطاعيين ورجعيين.
لقد شردتم وانتم تقارعون الاستعمار لا لهدف ضيق، ولا لهدف خبيث كما روج ويروج الاستعمار، ولا لمصالح ذاتية فردية، انما هو الظلم الاستعماري الاقطاعي الذى ألجأكم الى رد العدوان بالسلاح . فكانت انتفاضتكم ، من انتفاضات الشعب العراقي وفى سبيله، واليوم تعودون الى وطن ثورة تموز الخالدة الذي يبنى بقيادة ابن الشعب البار الزعيم الديمقراطي عيد الكريم قاسم عراقنا الحر السعيد .... بأسم الحزب الشيوعي العراقي، باسم طبقتنا العاملة والفلاحين وجماهير الشغيلة والمثقفون الشرفاء وباسم الوطنيين المخلصين
كافة أرحب بكم وأهنئكم بتحقيق حلمكم الجميل النبيل العودة الى الوطن ...
انني أحييكم ايها الاخوان، احبى في شخوصكم، ايا الانسان المناضل
الذى لم ينكس رأسه للذل والهوان، احيي فيكم روح الكفاح الذي لا يلين، احبى فيكم صراع الشعب العراقي المقدس بعربه واكراده، ضد الاستعمار وفي سبيل السلام والحرية والديمقراطية والرفاهية.
ان هذه المناسبة أيها الأخوان تثير في نفوسنا شتى الذكريات، ذكريات عزيزة على نفوس المناضلين، ذكريات النضال المشترك الذي خاضه الشعب العراقي ضد مستعبديه ومستغليه، والذي انبعث منه الشعار الخالد الذي لم يزل حيويته ذات اهمية فائقة حتى الآن إلا وهو شعار على صخرة الاتحاد العربي الكردي بتحطم الاستعمار ومؤامراته. وان الدماء التي سالت في ذرى قمم الشمال وفي سهول الجنوب لم تكن عربية فقط ولا كردية فقط، فقد روت ارض العراق دماء الشهداء عرباً وكرداً.
ثم قال.. أنكم تعلون عراقكم اليوم وقد انطلق بخطى واسعة الى ما يصبو اليه كل انسان خير ونبيل، بثروة يبني مستقبله بیده، معتمداً على قوى الشعب الخيرة، وهو بحاجة الى جهود وإخلاص ابنائه البررة .
واختتم الرفيق حمزة سلمان كلمته بتحية الرفاق السوفيت على الضيافة التي قوبل بها إخواننا الأكراد طيلة ١٤ عاماً في الإتحاد السوفيتي. وحياة الجمهورية العراقية والأخوة العربية الكردية وحياة الزعيم عبد الكريم.
البقية…