السليمانية تترقب إعادة افتتاح جامعها الكبير
السليمانية تترقب إعادة افتتاح جامعها الكبير
October 23, 2024

تترقب السليمانية بشغف نتائج حملة الإعمار الشاملة التي يشهدها جامعها الكبير، لا لكونه من بين أهم رموز المدينة ومعالمها، وأقدم جوامعها وأشهرها حسب، بل ولكونه قبلة المؤمنين والفقراء والمتعففين والنازحين، فضلاً عن الزوار من مختلف أنحاء العالم أيضاً، لمكانته التاريخية المميزة، ولما يضمه من مراقد ذات قيمة اعتبارية ودينية في آن معاً، ولما شهده من أحداث وزيارات مهمة سواء خلال عهد الإمارة البابانية أم خلال العهود اللاحقة التي مرت بالمدينة بما فيها الملكي والجمهوري.

فما من ضيف أو مسؤول يحل في السليمانية إلا ويكون الجامع الكبير من بين أولويات جدول زيارته، فمن الملك فيصل الأول إلى حفيده الملك فيصل الثاني، ومن الزعيم الخالد الملا مصطفى البارزاني، إلى نجله الرئيس مسعود البارزاني، ومن الرئيس الراحل جلال طالباني (مام جلال) إلى الرئيس الحالي عبد الطيف رشيد، وغيرهم من كبار أعلام ومسؤولي العهود المختلفة، والسفراء (آخرهم السفير البريطاني الحالي في بغداد ستيفن هيتشن)، والرحالة وسواهم.

ثالث حملة إعمار كبرى 

يقول متولي الجامع، الشيخ محمد سالار الحفيد، إن حملة الإعمار الحالية هي «الثالثة الكبرى في تاريخ الجامع منذ تشييده من قبل الأمير الباباني إبراهيم باشا عام 1784 مع بدء تشييد عاصمته الجديدة السليمانية»، ويشير إلى أن «الحملة الأولى نفذت عام 1964 والثانية عام 2011». 

ويضيف أن الحملة الحالية «تُنفذ بهدف إعادة الجامع الذي يقع في منطقة كاني إسكان وسط مركز مدينة السليمانية وتبلغ مساحته سبعة آلاف متر مربع إلى صورته التي أنشأ فيها استناداً إلى الصور القديمة التي ترجع لحقبة تأسيسه»، ويبين أن الأبواب والشبابيك والطابوق المستخدم في الحملة «صنعت خصيصاً على النمط القديم بإشراف مهندسين متخصصين».

ويوضح الشيخ محمد الحفيد، أن حملة الإعمار الحالية، التي يؤمل أن تنتهي خلال تشرين الأول / أكتوبر المقبل «تشمل المدرسة والمكتبة وباقي أقسام الجامع بما فيها المنارتين القديمة والجديدة التي شيدت عام 1964 خلال حملة الإعمار الثانية»، ويلفت إلى أن المنارة القديمة «تتميز بطرازها المعماري الفريد وشيدت مع الحرم الفوقاني القديم الذي تفتح أبوابه على مدار الساعة استناداً لصورة التقطت عام 1905 زمن السلطان عبد الحميد الثاني لإعادتها لصورتها الأصلية في حين يخصص الحرم الجديد لإقامة صلاة الجمعة».

ويذكر أن الجامع «يضم مكتبة عامرة أساسها يعود للإمارة البابانية التي تم نقل مجموعة من نفائسها إلى مكتبة الأوقاف والتي سبق أن تعرضت للحرق من قبل قوات الاحتلال البريطاني»، وينوه إلى أن الجامع «ينظم دروساً لتحفيظ القرآن الكريم واحتفالات في المناسبات الدينية لاسيما المولد النبوي الشريف فضلاً عن إقامة حلقات ذكر بعد كل صلاة جمعة وقيام مطبخه الخيري الكبير الذي بناه الشيخ أحمد الحفيد عام 1820 بتقديم وجبات الطعام لما يتراوح بين 800 إلى 1200 من الفقراء أو المحتاجين يومياً من مختلف الأديان والطوائف».

إمام الجامع الكبير ملا عبدالله بنجويني لدى استقباله الرئيس مسعود برزاني
الجامع شهد أحداثاً مهمة منها زيارة الملكفيصل الثاني (الثاني من اليسار)

ويتابع الشيخ محمد، وهو الحفيد السادس للشيخ أحمد النودهي، أن الجامع «يضم أضرحة كل من كاك أحمد الشيخ ابن الشيخ معروف النودهي والشيخ محمود الحفيد (الملك محمود حفيد النودهي) وولده الشيخ لطيف الحفيد و11 من أعضاء الأسرة البابانية بينهم عبد الرحمن باشا وأربع نساء»، مستطرداً أن «جدنا العلامة الشيخ معروف النودهي (1753 - 1838) ألّف أكثر من 70 كتاباً يدرس الكثير منها في جامعة الأزهر حتى الآن». 

ويمضي قائلاً، إن الجامع «شهد الكثير من الأحداث المهمة منها على سبيل المثال لا الحصر زيارات الملكين فيصل الأول والثاني والملا مصطفى البارزاني خلال نفيه إلى السليمانية، حيث كان يواصل دروسه الدينية في الجامع على يد السيد عبد الله الحفيد»، ويعرب عن أمله في أن «يتم توسيع الجامع من خلال استملاك جانب من المساحة المحيطة به ليتمكن من استيعاب حشود الزوار والمصلين».    

الشيخ محمد الحفيد يطلع السفير البريطاني على أقسام الجامع الكبير

أقدم مسجدين في السليمانية

من جانبه يقول الباحث المهتم بتاريخ المساجد والمدارس في كوردستان، ومؤلف كتاب «التعريف بمساجد السليمانية ومدارسها الدينية»، البروفيسور آراس محمد صالح، إن السليمانية «مدينة حديثة نسبياً بناها الأمير الباباني إبراهيم باشا عام 1784 واستهل ذلك بتشييد مجمع للدوائر ومسجد الجامع الكبير ليقوم بدور التربية والتعليم فضلاً عن الأمور الدينية ليكون الأول في عاصمته الجديدة»، ويشير إلى أن إبراهيم باشا «استقدم الشيخ معروف النودهي البرزنجي من قلعة جوالان العاصمة القديمة للإمارة البابانية التي كانت تضم جامعاً كبيراً ومكتبة ضخمة ليكون إماماً وخطيباً ومدرساً في الجامع الجديد في السليمانية ونقل مكتبة ذلك الجامع بما في ذلك نحو ستة آلاف من المخطوطات النفيسة للجامع الجديد».

ويضيف أن الشيخ النودهي «أسهم بدور كبير في خدمة الدين والعلم لاسيما أنه شيخ الطريقة القادرية وكان للسادة البرزنجة نفوذاً اجتماعياً كبيراً في السليمانية وما جاورها»، ويبين أن السادة البرزنجة «يعدون الجامع الكبير خاصاً بهم ويشرفون عليه لاسيما أنه يضم مراقد ابن الشيخ النودهي كاك أحمد والشيخ محمود الحفيد (حفيد الشيخ النودهي)». 

ويتابع البروفيسور آراس محمد صالح، أن السليمانية «شهدت عام 1811 حدثاً مهماً تمثل بعودة مولانا الشيخ خالد النقشبندي الشهرزوري من دلهي في الهند بعد أن أخذ الطريقة النقشبندية من الشيخ عبد الله الدهلوي عندما كان هناك»، ويستطرد أن مولانا خالد «بدأ بنشر الطريقة النقشبندية الجديدة في السليمانية مما أدى إلى نشوب صراع بينه وبين الشيخ النودهي وهو ما اضطر مولانا خالد للهجرة إلى بغداد». 

ويمضى الباحث التاريخي قائلاً إن مولانا خالد «عاد مجدداً إلى السليمانية بناءً على دعوة الأمير الباباني محمود باشا الذي زار بغداد عام 1814 وسمع بشهرته ومكانته العلمية من والي بغداد حينها داوود باشا الذي كان من مريديه»، ويذكر أن محمود باشا «باشر في عام 1816 ببناء جامع مولانا خالد (أو جامع خانقاه كما يعرف اليوم ويقع بمركز السليمانية في شارع سرشقام قرب شارع كاوه»، وخصص له وقفاً كبيراً من قرى وأراضٍ زراعية في شهرزور وبازيان وسرچنار. وهكذا بدأ مولانا خالد بتدريس الطريقة النقشبندية ونشرها لكن وبسبب الصراع بين طريقته والطريقة القادرية من جانب، والصراع بين أمراء الأسرة البابانية من جانب آخر اضطر مولانا خالد إلى ترك السليمانية مجدداً والهجرة إلى بغداد ومنها إلى دمشق حتى توفي هناك عام 1827 لكن مجموعة من مريديه بقوا في الجامع الذي يحمل اسمه بمدينة السليمانية مثل الشيخ عثمان الطويلي (من هورمان)».

وأكد البروفيسور آراس محمد صالح، على أن مسجدي الجامع الكبير ومولانا خالد «يتميزان بمساحتهما الكبيرة وطرازهما المعماري الجميل فضلاً عن أن كلاهما يضمان مدرسة ومكتبة عامرة حتى الآن»، ويستطرد أنهما «يضمان أيضاً ينابيع للماء العذب لسقاية المصلين». 

يُذكر أن د. آراس محمد صالح حاصل على بكالوريوس دراسات إسلامية من جامعة دهوك عام 1996، وعلى ماجستير ودكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية السودانية عامي 2001 و2005 على التوالي.. وهو تدريسي في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة السليمانية، ونال لقب الأستاذية عام 2019.. وله 15 كتاباً مطبوعاً باللغتين الكوردية والعربية وأكثر من 50 بحثاً منشوراً في دوريات علمية داخل الإقليم وخارجه والكثير من المقالات.  


باسل الخطيب

صحفي عراقي


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved