تمر القرنفلي ... كنز مندلي الأسود
تمر القرنفلي ... كنز مندلي الأسود

في بساتين مندلي الكوردية على الحدود العراقية - الإيرانية، يروي تمر القرنفلي الأسود، المعروف بـ«الذهب الأسود»، قصة تراث يمتد لآلاف السنين. بفضل طعمه الفريد ولونه الداكن، أصبح هذا الصنف النادر رمزاً للمدينة، يجذب الأنظار ويجسد العلاقة العميقة بين الإنسان والأرض.

مدينة مندلي، بفضل أجوائها الحارة والمناخ المثالي لنمو التمور، تحتضن أشجار النخيل التي تُنتج تمر القرنفلي الأسود. هذه المدينة التي تمتد على طول الحدود، تعيش تحت ظلال الأشجار الوارفة، وتعتبر موطناً لصنف تمر القرنفلي، الذي اكتسب شهرة دولية تتجاوز حدود كوردستان.

يُعَدُّ تمر القرنفلي رمزاً تراثياً وتاريخياً لمندلي، حيث يمتد سمعته إلى ما هو أبعد من حدود كوردستان، مما يبرز أهمية هذا الصنف النادر على الصعيدين المحلي والعالمي.

 

مندلي... مدينة النخيل والتراث

تعد مدينة مندلي واحدة من المدن الكوردية المهمة، وتقع في جنوب شرق مدينة خانقين. على الرغم من أن غالبية سكانها من الكورد، إلا أنها تضم أيضاً العرب والتركمان، مما يضفي على المدينة تنوعاً ثقافياً. تغطي بساتين مندلي ما يقرب من 4000 فدان من مساحتها، وهي مزينة بجدران طينية تقليدية تعود بعضها لأكثر من 200 عام. هذه الجدران الطينية القديمة تضفي طابعاً ساحراً على المدينة، خاصة مع تواجد أشجار النخيل المثمرة التي تضيف إلى بساتينها جواً مميزاً.

تشتهر مندلي بأكثر من 65 نوعاً من التمور، بما في ذلك أصناف مشهورة مثل (القرنفلي وميرحاج وبادمي ومكتوم وخضراوي مندلي واشرسي مندلي). هذه الأصناف تُعد من بين أهم المنتجات الزراعية للمدينة، ويعتبر تمر القرنفلي من بين أهم هذه الأصناف على الإطلاق، حيث يُعد الأغلى والأكثر شهرة، سواء داخل العراق أو خارجه.

صورة: ناصح علي الخياط
يتوقع المزارعون في مندلي أن يرتفع إنتاج القرنفلي الأسود ليصل إلى 15 طناً بحلول عام 2030

 

القرنفلي الأسود... نكهة مميزة وجاذبية فريدة

 

يُعد تمر القرنلي، الذي ويتميز بشكله المخروطي، من التمور النادرة والمرغوبة بشدة. ويبلغ متوسط ​​طوله وعرضه حوالي سنتيمترين، وتبلغ نسبة النواة فيه15  % فقط، مما يعني أن 85 % من التمرة قابلة للأكل. ويتميز بطعمه الفريد الذي يشبه طعم القرنفل، ولونه الأسود الداكن يجعله مميزاً عن غيره من التمور.

أحد أهم الميزات التي تجعل تمر القرنفلي مطلوباً هو ملاءمته للعديد من الحالات الصحية مثل مرض السكري، بفضل حلاوته المتوسطة. ويطلق عليه أيضاً «الذهب الأسود» بسبب ندرته وارتفاع سعره. وعلى الرغم من أن هذا التمر ينمو في مناطق أخرى، إلا أن مندلي تظل موطنه الأصلي، حيث تتمتع تربتها الرملية الجافة ومناخها الملائم بقدرة فريدة على تعزيز نكهة هذا التمر.

 

رحلة القرنفلي... من الزراعة إلى الحصاد

تبدأ عملية زراعة تمر القرنفلي من الفسائل، وهي الشتلات التي يتم فصلها عن النخلة الأم في الفترة ما بين 15 أكتوبر و1 ديسمبر، عندما تبلغ الفسيلة عمر أربع إلى ست سنوات. يتم اختيار الفسائل بعناية بناءً على حجمها ووزنها لضمان نجاح عملية الزراعة بنسبة 100 %.

وبعد خمس سنوات من الزراعة، تبدأ النخلة بإنتاج التمر الذي يستمر لمائة عام. ويتراوح طول نخلة القرنفلي ما بين 20 إلى 30 متراً، وتختلف كمية الإنتاج حسب عمر النخلة. وفي الفترة بين 5 إلى20  عاماً، يمكن للنخلة إنتاج حوالي 100 إلى 175 كلغم من التمر سنوياً، لكن مع تقدم العمر، يقل الإنتاج تدريجياً.

يبدأ موسم التلقيح في منتصف مارس، بينما ينضج التمر بين شهري سبتمبر وأكتوبر. ويمر التمر بعدة مراحل لونية خلال نضوجه، حيث يبدأ باللون الأخضر في مايو ويونيو، ثم يصبح أرجوانياً غامقاً في يوليو وأغسطس، وأخيراً يصل إلى لونه الأسود الداكن في سبتمبر وأكتوبر.

وعلى مدار السنوات الأخيرة، شهدت أسعار تمر القرنفلي زيادة ملحوظة نتيجة الطلب المتزايد عليه من الأسواق المحلية والدولية. ويعكس هذا الارتفاع في الأسعار جودة التمر وندرته، إذ أن أغلب الإنتاج يتم تصديره إلى خارج مندلي، وخاصة إلى إقليم كردستان وبعض الدول الخارجية.

صورة: ناصح علي الخياط
لونه الأسود الداكن يجعله مميزاً عن غيره من التمور

 

بين الماضي والحاضر... عودة بعد انقطاع

في الستينات والسبعينات، شهدت مندلي فترة ذهبية في زراعة التمور وإنتاجها، حيث كان الإنتاج السنوي لتمر القرنفلي يصل إلى 25 طناً. لكن الحروب التي عصفت بالمنطقة في الثمانينات أدت إلى تدمير البساتين ونزوح السكان، مما تسبب في توقف الإنتاج لمدة 35 عاماً. 

ومع عودة السكان إلى المدينة في الألفية الجديدة، بدأت جهود إعادة إحياء بساتين النخيل. بحلول عام 2010، وعاد إنتاج التمور تدريجياً إلى الارتفاع، حتى وصل إلى 6 أطنان في عام 2023. ويتوقع المزارعون في مندلي أن يرتفع الإنتاج ليصل إلى 15 طناً بحلول عام 2030.

إلى جانب إنتاج التمور، توفر أشجار النخيل في مندلي السعف، وهي الأوراق التي تستخدم في صناعة الحرف اليدوية التقليدية مثل الحصائر والسلال والمكانس. وهذه الحرف تمثل جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي للمدينة، إذ كانت، وما زالت، تُستخدم في تغطية أسطح المنازل الطينية.

 

تراث ينمو ويتجدد

في مدينة مندلي، يتشابك الماضي مع الحاضر في قصة تمر القرنفلي الأسود. وبفضل جهود المزارعين، عادت هذه التمور لتحتل مكانتها الفاخرة في الأسواق، وتبقى رمزاً للتراث الكوردي والهوية الزراعية للمدينة. ومع استمرار الجهود في تطوير البساتين وزراعة المزيد من أشجار النخيل، يستعد تمر القرنفلي للانتشار على نطاق أوسع، مشاركاً العالم بنكهته الفريدة.


فاطمة قاسم حبيب

كاتبة وفنانة وصحفية من إقليم 


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved