ديانة كوردية تحرم قطع الأشجار والنباتات
ديانة كوردية تحرم قطع الأشجار والنباتات

يحتضـن إقليم كوردستان العراق العديد من المكونات والأديان والطوائف. وهذا التعدد قد يكون تحدياً في مناطق أخرى، لكن الإقليم اعتبره ميزة وعمل على ترسيخ روح التعايش والاندماج بين هذه المكونات. ومن الديانات المتجذرة في كوردستان هي الديانة الكاكائية «اليارسانية»، وهي ديانة تؤمن بإله واحد وتعتقد بتناسخ الأرواح، وكتابهم المُقدس مدوّن باللغة الكوردية اللهجة (الگورانية) واسمه «سرنجام» ويعني الملخص.

وبحسب رجال الدين يعتبر «سرنجام» «تُراثاً أدبياً وشعرياً عرفانياً عشقياً لله». ويقول الدكتور فرهاد الكاكائي إن «90 % من النصوص الدينية مكتوبة باللغة الگورانية و7 % مكتوبة باللغة الفارسية وهنالك بعض النصوص مكتوبة باللغة التركية». وجميع نتاج وأعمال الدين موجودة فيه، ويرد في أحد النصوص الدينية أن روح الإنسان، عندما خُلق آدم، دخلت الجسد عبر ألحان آلة «الطنبور»، لذلك هم مرتبطون ارتباطاً طبيعياً بين روح الإنسان والموسيقى.

وفي حوار أجرتهُ مجلة «كوردستان بالعربي» مع الدكتور فرهاد الكاكائي، أشار إلى أن «الدستور العراقي لا يعترف بالكاكائية كديانة، لكن في إقليم كوردستان يتم الاعتراف بها كديانة مستقلة».

وخلال عقود من امتزاجهم بالمجتمعات، لم يعرف عن الكاكائيين إلا ألقابهم المرتبطة بأسمائهم، أو شواربهم الكثة، وهم يتوزعون في مناطق كوردستان العراق، وتقدر أعدادهم اليوم بحوالي 120 - 150 ألف نسمة، (بحسب إحصاءات غير رسمية). وعن تواجدهم وانتشارهم أوضح الكاكائي أنهم موجودون «حيثُ تكون مزاراتنا». ويشرح لنا المناطق التي يوجدون فيها، وهي «السليمانية، وحلبجة، وخانقين، وبعض مناطق ديالى، وكركوك، وسهل نينوى وبعض مناطق الموصل»، كما يوجدون أيضاً في كوردستان إيران وأرمينيا وتركيا وألبانيا.

مُعتقدات دينية

شكلت الكاكائية لغزاً لم يتمكن معظم الباحثين في أدبيات هذه الأقلية الدينية من حله، فهم يؤمنون بفكرة الحلول، وإذا ما بحثت في عقائدهم ستجد في أحد المصادر (كتاب «الكاكائية في التاريخ»، للباحث عباس محمد ثامر العزاوي)، أن الله «لا يصح وصفه أو نعته وليس من الصواب تسميته، أو الاتصال به من طريق ما إلا في حالة واحدة، وهي أن يظهر في الأشخاص رأفة منه بهم ورحمة، وقد ظهر في أدوار كثيرة، وقد برز للعيان بطريقة الحلول في أشخاص كانوا أمام العين».

يعتقد الكاكائيون أنهم أول ديانة متصوفة في العالم، ويقول الدكتور فرهاد الكاكائي أن «التصوف خرج من الديانة الكاكائية»، مشيراً إلى أن «الدروز والإيزيديين قريبين جداً من ديانتا». ولا ينفك الكاكائيون عن مزاراتهم، فحيثُ وُجِدت المزارات وُجِدوا حولها. ويتحدث فرهاد الكاكائي عن الأركان العقائدية الأربعة التي يتمسكون بها بحسب معتقداتهم وهي: «الصدق، والطهارة، والإيثار والتسامح، ويعتبرون جبريل نبيهم، ومؤسس الديانة هو ربُ العالمين».

وعن الشارب الطويل، يقول فرهاد الكاكائي أن الشارب هو «هدية من الله للرجل، لذلك يحرم قصه» ولهذا أصبح هوية ورمز يُعرف به معتنق الديانة الكاكائية.

الطبيعة والبيئة عند الكاكائية

للطبيعة توازن دقيق يتأثر بالعديد من العوامل، ويمكن أن يكون الصيد أحد هذه العوامل التي قد تؤدي إلى حدوث اختلال في توازن البيئة، واستقرارها. والكاكائيون يعارضون صيد الحيوانات ويحرمون قتلها، حيث يبررون ذلك بأن للحيوانات نظاماً يمكنها من خلاله التحكم في أعدادها، وتجنب اختلال التوازن فيما بينها. فعلى سبيل المثال، إذا تم اصطياد أعداد من الذئاب فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة أعداد الفرائس التي يستهلكها، وتراكمها في النظام البيئي، الأمر الذي قد يؤدي إلى اختلال توازن البيئة.

يقول الدكتور فرهاد الكاكائي إن الديانة الكاكائية هي نفس الديانة المسيحية والإسلامية في المشتركات؛ لا تسرق، لا تكذب، لا تقتل، لا تزني. لكن «الكاكائية تهتم بالبيئة أكثر من غيرها من الديانات الأخرى»، مشيراً إلى أن «قطع الأشجار والنباتات وحتى الأشجار غير المثمرة ممنوع ومحرم». وفيما يخص الحيوانات بكافة أنواعها، أكد فرهاد الكاكائي أنّ صيد الحيوانات «ممنوع ومُحرم إلا في حالات الجوع المميت» بحسب وصفه. كما «يُمنع سد عيون المياه أو تغيير مجراها، ويجب تركها على طبيعتها».

الطبقات الدينية والأعياد

يُقسم مُعتنقو الديانة الكاكائية إلى طبقات أو أقسام، وكل منها لها واجبات تؤديها؛ السادة الكاكائية ويطلق عليهم تسمية «پير» وهي الطبقة الأولى والعائلة التي تقود الديانة على مدار أكثر من 2000 سنة، وواجب هذه الطبقة هو قيادة الشعائر الدينية. والطبقة الثانية هي «الباوات» وهي طبقة مختصة بالجانب النفسي والروحي. وطبقة «المامات» ثم طبقة العام أو «المريدين»، ولديهم واجبات دينية خاصة مناطة بهم. وهذه الطبقات الدينية «لا تتزوج من بعضها البعض» بحسب فرهاد الكاكائي.

ويشير الكاكائي إلى أن الديانة الكاكائية هي «أقدم ديانة موجودة على الأرض. وبحسب النصوص الدينية، فإن هذه كانت ديانة الملائكة ونزلت على الأرض». ويعبدون إلهاً واحداً، وهو باعتقادهم خالق الكون والكائنات إله إبراهيم وموسى وعيسى.

وللكاكائية ثلاثة أعياد؛ وهي عيد «خاوندكار» ويأتي بعد ثلاثة أيام من الصوم في فصل الخريف، وعيد «قولتاس» الذي يأتي بعد ثلاثة أيام من الصوم في فصل الشتاء، وعيد «نوروز»، وهذا العيد هو أول أيام السنة بحسب التقويم اليارساني.


رياض الحمداني

صحفي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved