درزي سوري يختار كوردستان لعقد قرانه
درزي سوري يختار كوردستان لعقد قرانه
November 03, 2024

لا أحد يرغب في ترك منزله ومدينته ويختار الاغتراب! إلا إذا اضطرته الظروف لذلك. هذا تماماً ما دعا باسل شوقي الحسنية للسفر خارج بلده وترك مدينته السويداء الواقعة على بعد 100 كلم جنوب العاصمة السورية دمشق، ليختار وجهته إلى إقليم كوردستان العراق بدلاً من أوروبا، لأن الأمر لا يحتاج الى تكلفة زائدة، هذا عدا عن التسهيلات التي تقدمها حكومة الإقليم لطالبي حق اللجوء والإقامة.

بعد استقراره وعائلته في أربيل، المدينة التي أصبحت «الأقرب إلى قلبه» حسب قوله، قرر أن يتزوج ويشهر زواجه وسط عاصمة إقليم كوردستان العراق وأمام قلعتها التاريخية. العريس باسل الحسنية من الطائفة الدرزية، 28 عاماً، الذي بدا سعيداً وهو يمسك يد عروسه راما فطين شقير، 27 عاماً، وهي من نفس طائفته، قال والابتسامة مرسومة على وجهه «اخترت أن أتزوج في أربيل كونها مكاناً آمناً للاستقرار والعيش المثالي لبناء أسرة».

الحسنية، وخلال حديثه لمجلة «كوردستان بالعربي»، أشار إلى أن «عائلته وكل أقربائه يعيشون في أربيل منذ قرابة عقد من الزمان»، مُنوهاً أنه خلال لجوئه في أربيل عاصمة الإقليم «لم أخرج منها مسافة شبر واحد... قلبي متعلق بها كأنها وطني الأم».

لم يختر الحسنية الهجرة إلى أوروبا ويطلب لجوءاً في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي، إنما اختار كوردستان العراق، لأن هذا البلد حسب وصفه فيه «لمسة شرقية لا توجد في أوروبا، وأهلها محافظون ومتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم التي أراها قريبة من تقاليدنا».  

ويستطرد باسل الحسينة حديثه قائلاً: «أربيل، بلا مجاملة، جميلة جداً بشعبها وحكومتها. لو لم أكن سعيداً في العيش في أربيل لتركتها وهاجرت إلى مكان آخر. وزاد حبي لأربيل بشكل أكبر عندما تعرفت على حبيبتي راما».

يصمت باسل احتراماً لوالده شوقي الحسنية، الذي تحدث إلينا بدوره قائلاً: «احتضنتنا كوردستان على مدار سنوات، لم نشعر بأي تفرقة دينية أو قومية، نتحرك بكامل حريتنا من دون أي عائق أو معترض».

وفي 10 تموز (يوليو) 2024، خلال مراسم الإعلان عن التعليمات التنظيمية لشؤون طالبي اللجوء في إقليم كوردستان، ألقى رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني كلمة، أشار فيها إلى أن «الإقليم احتضن على مدار سنوات طويلة، من دون أيّ تمييز ديني أو قومي أو عرقي، آلاف الأشخاص الذين لاذوا به طلباً للأمان»، موضحاً أن ذلك «جاء في وقت كان فيه الإقليم يواجه ظروفاً صعبةً وأزمةً ماليةً، لا سيّما إبان هجمات داعش، إلّا أنّ حكومة إقليم كوردستان تحملت مسؤولية استضافة العشرات من مخيمات اللاجئين، ولا تزال مستمرة في الوفاء بالتزاماتها، على الرغم من أنّ عبء هذه المسؤولية كبير جداً».

العروس راما فطين كانت مدرسة في سوريا تحمل شهادة الدبلوم في الإلكترونيات. منذُ قرابة ثلاث سنوات، لجأت مع عائلتها إلى أربيل، لأن «الأوضاع تدهورت من كل النواحي في مدينة السويداء السورية، واختار والدي اللجوء إلى أربيل كونها الأفضل في منطقة الشرق الأوسط».

ثقافات مختلفة 

تعد السويداء متحفاً مفتوحاً للمعالم والآثار التاريخية التي يعود بعضها إلى العصر الحجري، وسميت المدينة «روما الصغيرة» لانتشار الآثار الرومانية والنبطية والبيزنطية واليونانية التي تتوزع على قراها ومدنها الرئيسية ومنها «شهبا» و«صلخد».

يقول باسل الحسينة، الذي أنهى دراسة السياحة والفندقة في بلده الأم، إنه اختار أن يقيم حفل زواجه في أربيل، عِوضاً عن مدينته الأم، لأن «ثقافة أربيل في البناء تختلف عن ثقافة السويداء في البناء، لكن المدينتين على النمط نفسه فيهما قلاع رغم اختلاف التصميم». وفي خطوة منه، أحب أن يجمع بين التراثين «تراث بلدي الأم مع تراث البلد الذي احتضنني».

عادات وتقاليد الدروز في الزواج

المجتمع الدرزي مجتمع متماسك ومنغلق على نفسه، ومن النادر أن تجد درزياً متزوجاً من خارج الطائفة، أو العكس، كما لا يجوز عندهم تعدد الزوجات. لذلك، يمنع رجال الدين أو «العقّال» التعدد لأن ذلك في نظرهم يضرب في مبدأ الإنصاف بين الجنسين.

وتروي العروس راما فطين قصة التعرف على زوجها باسل الحسنية، بابتسامة، قائلة «تعرفت على باسل بعد أن تعرف والدي على والده عن طريق الصدفة، وطلب والدي منه أن يزورنا في منزلنا بصحبة عائلته، ومن خلال زيارتهم لنا تعرفت على باسل، ودار بيننا حديث عبر تطبيق الماسنجر لفترة قصيرة. وبعد ذلك تقدم مع أهله لخطبتي وحصلت الموافقة».

وعن العادات والتقاليد عند الطائفة الدرزية، تقول راما فطين إنه «في بداية كل زواج، من عاداتنا وتقاليدنا، هناك عقد الأجاويد وهو بمثابة عقد القِران، فيجتمع مجموعة من الأجاويد (مشايخ) ليكتبوا العقد»، لكن بسبب بعد راما وباسل عن بلدهما، وعدم وجود الأجاويد في كوردستان، كما تشير راما «تم عقد زواجنا عن طريق الإنترنت، وذلك عن طريق وكيل للعروس ووكيل للعريس، وكذلك وجود شهود من الطرفين. وبهذا أصبحتُ زوجة باسل شرعياً». أما العقد المذهبي، فيتم عندما يُصدَّق العقد لدى الدولة، حسب ما تقول راما.

وبعد إتمام عقد الأجاويد، ترتدي النساء الزي الخاص بهن، الذي يسمونه «الزي العربي»، ويلبسن «الفستان الدرزي»، وهو ثوب ملون يغطي أجزاء الجسد كافة. ومن ثم يضعن عليه من الأمام قطعة، من لون وقماش الفستان نفسه، تُربط على وسط السيدة وتسمى «المملوك»، نسبة لملابس شبيهة كان يرتديها المماليك قديماً، ويضعن على رؤوسهن طربوشاً يعلوه قرص من الفضة، وتزينه بشكل دائري قطع ذهبية، ويُغطى هذا الطربوش بقطعة قماش رقيقة لونها أبيض، فلا يظهر من ملامح النساء سوى الوجه والكفين.

كوردستان ملاذ آمن

راما فطين، ومن خلال حديثها، كررت شكرها لحكومة إقليم كوردستان على ما قدمته للاجئين السوريين من تسهيلات، مؤكدةً أن «كوردستان ملاذ آمن لكل من تقطعت به السبل، وهي الأفضل مُقارنةً مع محيطها من البلدان الأخرى». لكنها، وفي الوقت نفسه، طرحت معاناة أغلب اللاجئين السوريين، بسبب «الإقامات وارتفاع تكلفة تجديدها».

وتوافق راما رأي زوجها باسل في عدم تركهم كوردستان العراق وطلب اللجوء إلى دولة أخرى، لأن «هنا أفضل من أي مكان نذهب اليه».

لجوء السوريين إلى إقليم كوردستان العراق، حكايتهُ مُختلفة تماماً عن لجوئهم إلى الدول المجاورة، وهو بمثابة لجوء الأخ الى أخيه عند الحاجة، ليجد نفسه مقيماً متمتعاً بكامل الحقوق ولا يشعر بتفرقة بينه وبين المواطن صاحب الأرض. فمن «جد والتزم بالقانون وجد» كما عبر العروسان، وجد عيشاً كريماً، وجد عملاً محترماً، وجد حرية في الحركة والتنقل، وجد مأوى سواء في المخيمات ومساعدات مقبولة، أو مأوى بين أحياء مدن وقصبات إقليم كوردستان، وجد أهلاً، بل والكثير منهم وجد وطناً ينعم في كنفه.

يبقى إقليم كوردستان العراق الملاذ الآمن للكثير من السوريين بكافة قومياتهم وطوائفهم الدينية، كما يستطيع اللاجئ السوري افتتاح مشاريعه الخاصة على غرار باقي الدول الأخرى، ولهم كامل الصلاحية في العمل والسكن والتعليم. 


رياض الحمداني

صحفي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved