موسيقار نجا من بطش الأنظمة
موسيقار نجا من بطش الأنظمة
November 13, 2024

شغف البدايات

في خضم خمسينات القرن الماضي، بدأت حكاية فنان عشق الموسيقى منذ نعومة أظفاره كأي طفل شغوف، ولدت نغمات موسيقية في روحه، فكانت تلك البذرة التي نمت لتُزهر إبداعاً فريداً. هذا الفنان هو محمد عزيز زازا.

في الصف الثالث الابتدائي، اكتشف الصغير شغفه بالموسيقى. لم تكن لديه القدرة على شراء آلات موسيقية، فما كان منه إلا أن صنع آلاته الخاصة من أدوات بسيطة. ربط أسلاكاً معدنية على علب خشبية أو صفائح توتياء (رقائق معدنية يصنع منها علب دهن الطعام)، وبدأ نغماته الأولى من خلال شدّها أو إرخائها.

في أحد الأيام، صادف الصغير عازف طنبور شعبياً يرتاح في ظل شجرة. جذبته نغمات الطنبور الساحرة، فطلب من العازف أن يجرب العزف على طنبوره. كانت تلك اللحظة فارقة في حياته. لم تكن نغماته الأولى متقنة، لكنها كانت كافية لإثارة مشاعره وإلهامه. كادت الدموع تذرف من عينيه وهو يسمع نغماته البسيطة تنبعث من آلة حقيقية.

في تلك الفترة، انتشرت الراديوهات في القامشلي، وباتت نغمات العالم تصل إلى مسامعه. ازداد شغفه بالموسيقى، وبدأ يستمع باهتمام لكل الأغاني والموسيقى التي يلتقطها الراديو.

من تلك البدايات البسيطة، انطلقت رحلة فنان شغوف، رحلة مليئة باللحن والغناء والإبداع. رحلة تحدّت صعوبة الإمكانيات المحدودة، ونجحت في تحويل شغف الطفولة إلى إنجاز فريد.

وبمرور الوقت، صقل الفنان محمد عزيز زازا مهاراته، وتعلم العزف على آلات موسيقية مختلفة، وساهم في إثراء الساحة الموسيقية بإبداعاته المميزة.

في سنّ مبكرة، ظهرت موهبة محمد عزيز زازا الموسيقية جليةً للعيان. فكان يُصغي باهتمام إلى أصوات العود الصادرة من بيوت الحيّ، ويحاول تقليدها على آلةٍ بدائية صنعها من علب خشبية وأسلاك معدنية.

الدراسة الأكاديمية وتطوير المهارات

في المدرسة المتوسطة، اكتشف زازا آلة الأكورديون، وبدأ بتعلم العزف عليها بشكل ذاتي خلال فترات الراحة. نال عزفه إعجاب زملائه وأساتذته، مما شجعه على الاستمرار في تطوير مهاراته الموسيقية.

سعى زازا لتطوير مهاراته الموسيقية بشكل أكاديمي، فحصل على دبلوم في الموسيقى من المعهد العالي للموسيقى في دمشق. لم يتوقف طموحه عند هذا الحد، فقرر متابعة دراسته العليا وحصل على الماجستير والدكتوراه في العلوم الموسيقية من جامعة كارلوفا في جمهورية تشيكوسلوفاكيا.

ساهم زازا بشكل كبير في إثراء الساحة الموسيقية العربية والعالمية بإبداعاته المميزة. ألف العديد من المقطوعات الموسيقية المتنوعة، وقدم عروضاً موسيقية في العديد من الدول. 

درس زازا الموسيقى في كونسرفاتوار براغ، وحصل على الدبلوم عام 1976، ثم أكمل دراسته العليا ليحصل على الماجستير والدكتوراه في العلوم الموسيقية من جامعة تشارلز في براغ عام 1983.

تميز مشروع تخرج زازا بتقديمه توليفة موسيقية لأغنية (Lê lê Nûrê) الكوردية الشعبية على آلة الغيتار. لم تكن هذه الأغنية موضوع أطروحة الدكتوراه، بل كانت جزءاً من مشروع تخرجه من كونسرفاتوار براغ.

أعاد زازا كتابة (Lê lê Nûrê) لآلة الغيتار الكلاسيكية تحت عنوان «رقصات كوردية». تمّ عزفها من قبل الأوركسترا السيمفونية في بغداد والسليمانية، بقيادة المايسترو الألماني ماك آليندن، وبمشاركة عازفين من طلبة زازا في قسم الموسيقى بكلية الفنون الجميلة في أربيل، بالإضافة إلى عازفين من ألمانيا.

محمد زازا مع مجموعة من الفنانين

 

حين تضيق الأوطان بأصحاب المواهب

بعد تخرجه، عاد زازا إلى سوريا عام 1983، لكنه واجه صعوبات في الحصول على عمل مناسب. واجه خريجو الموسيقى القادمون من موسكو أو براغ صعوبات إيجاد عمل في سوريا، خاصةً في ظل غياب كلية أو قسم جامعي للموسيقى في الجامعات السورية.

سافر زازا إلى الجزائر عام 1983 للعمل في المدرسة العليا للأساتذة بالعاصمة الجزائرية. تم تكليفه برئاسة قسم الموسيقى، حيث عمل على تأسيسه وتطويره. استكمل زازا جلب أساتذة جدد، وشراء آلات موسيقية ومختبر صوتي.

واجه زازا بعض المضايقات في الجزائر بسبب الأحداث السياسية وما سمي بالعشرية السوداء في ذلك الوقت. اضطر إلى مغادرة الجزائر عام 1991، متوجهاً إلى ليبيا للعمل في كلية الفنون والإعلام في طرابلس.

 

إنجازات على صعيد التأليف الموسيقي

كتاب زازا «علم الهارمونية الدياتونية والكروماتية» الذي يُعد مرجعاً مهماً للطلاب والموسيقيين الناطقين بالعربية، حيث يُقدم شرحاً مبسطاً لمفاهيم الهارموني بطريقة تناسب ثقافتهم الموسيقية.

كتاب «علم الكونتربوانت»: يُقدم هذا الكتاب شرحاً مُفصلاً لقواعد الكونتربوانت، وهو فن التأليف الموسيقي المتعدد الأصوات.

تأليف وتوزيع أغنية (Lê lê Nûrê) الكوردية الشعبية لآلة الغيتار.

تأسيس قسم الموسيقى في المدرسة العليا للأساتذة بالجزائر العاصمة.

تأليف العديد من المقطوعات الموسيقية لآلة الغيتار الكلاسيكية.

وتأثر زازا بشكل كبير بالموسيقار بيتهوفن، ويعتبره مثلاً أعلى على الصعيدين الفني والفكري.

أعجب بأعمال المجددين التشيك لموسيقى بلادهم مثل (ياناجك، نوفاك، سوك) وعلى رأسهم فريدريك سميتانا.

وأعجب بالروسي (إيغور سترافينسكي) مجدد الكلاسيكية الحديثة في القرن العشرين.

تُظهر قصة زازا وسيرته الحياتية قدرة الموسيقى على التغلب على الظروف الصعبة كما أنه يمثل نموذجاً للفنان الملتزم بقيم الإبداع والحرية.


ممو سيدا

ملحن وكاتب موسيقي يقيم في إسطنبول


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved