في عام 1991، ومع انتهاء حرب الخليج التي اندلعت من أجل تحرير الكويت من النظام البعثي السابق في العراق، انتفض الكورد لتحرير مناطقهم أخيراً من القمع المنهجي الذي دام لعقود في عهد صدام حسين. وقد استطاع الكورد في أعقاب تلك الانتفاضة تأسيس كيان سياسي شبه مستقل يمتلك هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة به.
وفي 19 أيار 1992، أي بعد ستة أشهر من الانتفاضة التاريخية، أُجريت أول انتخابات برلمانية في إقليم كوردستان العراق، حيث تم تحديد حد أدنى للتمثيل في البرلمان بنسبة 7 %. كانت هذه هي الفرصة الأولى لأبناء الشعب الكوردي للتصويت لممثليهم وشكلت تلك الانتخابات نقطة تحول في تاريخ النضال الكوردي من أجل الحرية والحكم الذاتي والديمقراطية.
أدت انتخابات عام 1992 إلى تشكيل أول برلمان كوردي، الذي كان يسمى في البداية «الجمعية الوطنية الكوردستانية». وقررت قيادة وشعب إقليم كوردستان تبني جميع القوانين العراقية والالتزام بها، باستثناء تلك التي تنتهك حقوق الإنسان الدولية. انعقدت الجمعية الوطنية الكوردستانية لأول مرة في 15 تموز / يوليو 1992، وأصدرت القانون رقم 1، الذي أسس الجمعية كهيئة تشريعية للإقليم. وبعد أكثر من عقد، في عام 2009، تم تغيير اسم الجمعية الوطنية الكوردستانية إلى برلمان كوردستان.
حتى الآن، كانت هناك خمس فترات برلمانية على مستوى الإقليم، إذ جرت الانتخابات في أعوام 1992، و2005، و2009، و2013، و2018. وفي شباط / فبراير 2009، تم إجراء العديد من التعديلات على قانون الانتخابات في كوردستان لكي تشمل جميع الفئات. وتم تخفيض الحد الأدنى لسن المرشحين البرلمانيين من 30 إلى 25 عاماً، وتم رفع الحصة القانونية الدنيا للنساء البرلمانيات من 25 % إلى 30 % من الهيئة التشريعية.
برلمان كوردستان والقوانين
وفقاً لدستور العراق لعام 2005، يصدر برلمان كوردستان القوانين الإقليمية، ويقرر بشأن المعاهدات والشؤون الخارجية، ويحدد العلاقات مع الحكومة الفيدرالية في العراق، ويصوّت على ترشيح رؤساء الوزراء وتشكيل الحكومات، ويوافق على الميزانية الوطنية، ويراقب أداء المؤسسات التنفيذية في الإقليم.
وبحسب آخر التحديثات على الموقع الرسمي للبرلمان، كانت هناك 19 لجنة دائمة خلال الفترة الخامسة للبرلمان، وتشمل هذه اللجان: التشريع، الزراعة، المالية، الثقافة، التعليم، الشؤون الدينية، الطاقة، الصحة، النزاهة، الداخلية والأمن، شؤون الشهداء، البلديات، شؤون البرلمان، شؤون البيشمركة، حقوق المرأة، الاستثمار، الشؤون الدولية، حقوق الإنسان، والمناطق الكوردستانية خارج إقليم كوردستان.
تشكل هذه اللجان العمود الفقري لعمل البرلمان، حيث يعقد المشرعون معظم اجتماعاتهم مع الحكومة والمنظمات والأفراد. كما يقوم أعضاء هذه اللجان بصياغة التشريعات والتحقيق في القضايا وإجراء المشاورات.
تُكلف اللجان البرلمانية أيضاً بمراجعة مشاريع القوانين والتعديلات المقترحة، والتشاور مع الخبراء وأصحاب المصلحة حول مشاريع القوانين، وتقديم اقتراحاتهم إلى رئاسة البرلمان. كما تقوم بمراقبة أداء الحكومة وتنفيذ القوانين.
مرسوم يحدد انتخابات 2024
بعد سلسلة من التأجيلات المتكررة، أصدر رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني في حزيران / يونيو 2024 مرسوماً إقليمياً حدد فيه يوم 20 تشرين الأول / أكتوبر 2024 كموعد للانتخابات البرلمانية العامة، على أن يُجرى التصويت الخاص لقوات الأمن قبل ذلك بيومين.
تأتي هذه الانتخابات في أعقاب تطورات قانونية وسياسية، بما في ذلك حكم المحكمة الاتحادية العليا في العراق الذي أعاد هيكلة الدوائر الانتخابية وفرض حصصاً محددة للنساء والأقليات. وعلى عكس الانتخابات السابقة، ستتولى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق تنظيم ومراقبة التصويت بدلاً من مفوضية إقليم كوردستان، التي انتهت ولايتها القانونية وفشلت الأحزاب السياسية الكوردية في التوصل إلى اتفاق لتجديدها.
الميزات الرئيسية لانتخابات 2024
في تقرير صدر في 29 آب / أغسطس، قدمت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) تفاصيل عن الانتخابات 2024، مشيرة إلى أن التصويت «يُعتبر خطوة أساسية لاستعادة الاستقرار السياسي والشرعية لحكومة إقليم كوردستان».
وفي أعقاب النزاعات السياسية الداخلية التي قامت المحكمة الاتحادية العليا بالتحكيم فيها، حيث تم تقسيم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية منفصلة في انتخابات 20 تشرين الأول / أكتوبر. وفي الانتخابات السابقة، كانت هناك دائرة انتخابية واحدة في إقليم كوردستان.
علاوة على ذلك، تم تخصيص ما لا يقل عن 30 % من مقاعد البرلمان للنساء، لتمكين النساء في المجتمع الكوردي من التمثيل الجيد في الهيئة التشريعية. أما بالنسبة للأقليات الدينية والإثنية، فقد خفضت المحكمة الاتحادية العليا مقاعد حصصهم من 11 إلى 5 مقاعد، مع تخصيص مقعدين في أربيل، ومقعدين في السليمانية، ومقعد واحد في دهوك. ومع ذلك، تعتقد الأقليات أن المقاعد المخصصة وتوزيعها عبر المحافظات لا يعكسان الواقع الحالي لهم على الأرض.
وفقاً لأحدث الإحصاءات، يبلغ إجمالي عدد الناخبين في المحافظات الأربع لإقليم كوردستان 2,899,578 ناخباً، منهم 1,413,117 امرأة و1,486,461 رجلاً، ويشمل هؤلاء 215,960 من أفراد الأمن.
في الانتخابات 2024، تنافس 1,196 مرشحاً (369 امرأة و827 رجلاً) على 100 مقعد في البرلمان. وقد خططت المفوضية الانتخابية لإنشاء 1,431 مركز اقتراع بإجمالي 7,067 محطة اقتراع. ولتنظيم إجراءات التصويت وفرز الأصوات، تم استخدام أجهزة التحقق من الناخبين، وأجهزة المسح الضوئي في مراكز الاقتراع، وأنظمة نقل النتائج.
أخيراً، لا تحدد الانتخابات المشهد السياسي المستقبلي لإقليم كوردستان فحسب، بل تجدد أيضاً الشرعية الدولية للإقليم ككيان سياسي شبه مستقل. وقد رحب مبعوثون من معظم الدول الغربية ويونامي بالإعلان عن هذه الانتخابات الحرة والنزيهة، وعرضوا تقديم الدعم لضمان إجراء الانتخابات التي تأجلت عدة مرات في موعدها المحدد.
وقالت يونامي في بيان لها بتاريخ 26 حزيران / يونيو 2024: «تؤكد يونامي استعدادها للعمل مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وجميع المؤسسات المعنية الأخرى، وفقاً لتفويض قرار مجلس الأمن رقم 2732 (2024)، لضمان انتخابات شاملة وحرة ونزيهة، بمشاركة كاملة من النساء وجميع مكونات المجتمع في إقليم كوردستان».
سردار ستار
مترجم وصحفي مقيم في إقليم كوردستان، قام بترجمة العديد من الكتب والأدب السياسي إلى اللغتين الكوردية والإنكليزية، يكتب بانتظام في الصحف والمجلات المحلية والدولية