في عالم كرة القدم، تتداخل مسيرة اللاعبين والمدربين عبر القارات والثقافات. هذا ما يفعله الكابتن كاوا حسو، المولود في عام 1984، الذي بدأ مسيرته الكروية في مسقط رأسه بمدينة عامودا في كوردستان سوريا مع نادي عامودا، وانتقل لاحقاً إلى أوروبا ليصبح مدرباً لحراس مرمى المنتخب الهولندي. في حوار خاص مع مجلة "كوردستان بالعربي"، يتحدث حسو عن رحلته الرياضية من بداياته في الدوري السوري إلى تجاربه في العراق، وصولاً إلى تحديات التدريب في أوروبا وتأثير هويته الكوردية على مسيرته.
البدايات والمسيرة الرياضية
تعود بداية كابتن كاوا حسو إلى مدينة عامودا، حيث نشأ في عائلة كوردية رياضية. بدأ حسو مشواره الكروي في نادي عامودا، من فئة الأشبال والناشئين، حيث لفت الأنظار بموهبته منذ سن مبكرة. يروي حسو: "كنت محاطاً بعائلة لها تاريخ طويل في الرياضة، حيث كان إخوتي حراس مرمى مميزين وكان هذا دافعاً ومصدر إلهام لي."
تجربة منتخب سوريا
في الدوري السوري، حقق حسو نجاحات ملحوظة مع نادي الجيش ونادي الطليعة، حيث شارك في دوري أبطال العرب وبلغ الأدوار النهائية. يعبر حسو عن تأثير هذه الفترة قائلاً: "اللعب مع أندية قوية أكسبني خبرة كبيرة وساهم في تعزيز مسيرتي الاحترافية."
بالرغم من أن تجربة حسو كحارس مرمى لمنتخب سوريا لم تكن طويلة، بسبب هويته الكوردية، إلا أنه كان له دور بارز. يتحدث حسو بفخر عن تلك الفترة قائلاً: "كان من الرائع أن أكون الحارس الأول في ظل الضغط الكبير، وقدمت أداءً مميزاً."
تجربته في الدوري العراقي كانت أيضاً حافلة بالإنجازات، حيث انضم إلى نادي زاخو وحصل الفريق لأول مرة على المركز الرابع من بين عشرين فريقاً، ثم انتقل إلى نادي بيشمركة أربيل ليحقق بطولة الدوري والوصيف وأفضل حارس مرمى. يتذكر حسو: "كانت تجربة مليئة بالتحديات، ولكن النجاح الذي حققته مع بيشمركة أربيل كان من أبرز لحظات مسيرتي." يرى حسو أن هذه التجارب كانت مليئة بالتحديات، لكن النجاح الذي حققه مع هذه الأندية ساعده على صقل مهاراته والتغلب على الضغوط والمنافسة على أعلى المستويات.
الانتقال إلى التدريب
يقول حسو إن الانتقال إلى مجال التدريب كان ضمن طموحاته بعد انتهاء مسيرته كلاعب. انتقل حسو إلى مجال التدريب، مدفوعاً بشغفه باللعبة ورغبته في نقل خبراته. بدأ بمساعدة مدربي حراس المرمى في أندية مثل الجيش والطليعة، مما ألهمه للانتقال إلى التدريب. يقول حسو: "كنت أراقب وأتعلم من مدربي حراس المرمى، وهذا ألهمني لدخول هذا المجال". الذكريات التي أعتز بها من تلك الفترة تشمل شعور الفخر عندما كنت أرى الناس يقومون بتشجيعي والمعلق ينادي باسمي الكوردي وابن مدينة عامودا، هذه اللحظات كانت مصدر فخر كبير لي.
العمل مع منتخب هولندا والمنتخب المستقبلي
ويصف حسو العمل كمدرب حراس مرمى الفريق الأول لنادي ADO Den Haag موسم 2024-2025، هذا الفريق العريق الذي شارك عدة مرات في الدوري الأوروبي، بأنها تجربة استثنائية. مضيفاً أن تجربته كمدرب لحراس مرمى المنتخب الهولندي مليئة بالتحديات. أن تصبح مدربًا لمنتخب عالمي كبير مثل هولندا، قادمًا من الشرق الأوسط، ليس سهلاً. تم اختياري بناءً على تقديمي لعدة حراس مرمى صغار في العمر إلى المنتخب الهولندي وأيضاً الخبرة التي امتلكها، وهذا النجاح أضاف قيمة كبيرة لتجربتي كمدرب.
حصلت على الوظيفة لأنني كنت أعمل في أكاديمية النادي الموسم الماضي. اخترت هولندا لأن لديها أكاديميات على مستوى عالمي يمكن من خلالها أن تتطور بشكل أفضل، كما تابعت عدة دورات دولية على مستوى أوروبا. أعمل حاليًا مع منتخب هولندا فئة عمر 14U، وهو المنتخب الذي نعمل معه لتطويره حتى يصبح المنتخب الأول لهولندا بعد عدة سنوات، ولهذا يُسمى "منتخب المستقبل". نحن نهتم باللاعبين في كافة الأصعدة، ليس فقط من ناحية التدريب، بل أيضًا من حيث التعليم، التغذية، الصحة، والجوانب النفسية وغيرها من العوامل.
الهوايات والتحديات الشخصية
يقول كاوا حسو: "إنه يعتبر السفر هوايته المفضلة، ويستمتع به كلما أتيحت له الفرصة. ويؤكد أن التحديات الشخصية دائمًا موجودة في الحياة، لكن الأهم هو كيفية تجاوزها. أسعى باستمرار لتحقيق أهدافي، وهذا ما يدفعني للعمل بجد أكبر. العائلة هي كل شيء بالنسبة لي، والأصدقاء يمثلون أحد أهم مصادر الدعم في حياتي. وإخوتي هم قدوتي، وكان لهم تأثير كبير على مسيرتي وحياتي".
تأثير الهوية والطموحات المستقبلية
أوضح كاوا حسو، في حديثه لمجلة "كوردستان بالعربي"، أن هويته الكوردية لعبت دورًا مؤثرًا في مسيرته المهنية، مؤكدًا على الفروقات الجوهرية بين التدريب في أوروبا والشرق الأوسط. وأشار حسو إلى أن التدريب في أوروبا يرتكز على العمل الجماعي والعلم، بينما يعتمد التدريب في الشرق الأوسط بشكل أكبر على الخبرات الفردية والفطرة. وفي حديثه عن تجربته في أوروبا، قال: "في هولندا، لا يتم التركيز على القومية أو الأصول، بل على الكفاءة والعمل الجاد. في سوريا ودول أخرى، واجهت تمييزًا بسبب هويتي الكوردية، ولكن في أوروبا كان التقييم مبنيًا على الأداء والكفاءة فقط".
وأضاف حسو أن الاهتمام بالشباب الرياضي في منطقتنا يحتاج إلى دعم أكبر من المسؤولين في مجال الرياضة، وذلك عبر توفير البنية التحتية اللازمة مثل الأندية والملاعب والصالات الرياضية، بالإضافة إلى توظيف مدربين محترفين ذوي خبرة. وأكد على أهمية اتخاذ خطوات مدروسة لتحقيق هذه الطموحات، قائلاً: "الوصول إلى القمة والحفاظ عليها يتطلب جهدًا وصبرًا كبيرين. أعمل بجد لتحقيق هدفي في المساهمة بتطوير الرياضة في منطقتي، من خلال بناء أندية قوية وبنية تحتية رياضية يستفيد منها الجميع في كوردستان".
أما فيما يتعلق بطموحاته الشخصية، فقد أشار حسو إلى رغبته في تحقيق المزيد خلال مسيرته، مع إمكانية العودة إلى كوردستان لنقل خبراته إلى الشباب هناك. ويؤمن بأن هناك فرصًا واعدة للاعبين الشباب من المناطق الكوردية والسورية لتحقيق النجاح في أوروبا، لكنه يؤكد أن هذا النجاح يتطلب العمل الجاد والانضباط. واختتم حسو حديثه قائلاً: "التحديات أمام الشباب كبيرة، لكن بالإرادة والطموح والعمل الجاد يمكن تحقيق الأهداف وفتح الأبواب نحو مستقبل أفضل".
على الصعيد الشخصي، يشير كاوا حسو إلى أن تجاربه الشخصية والرياضية لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل فلسفته كمدرب. ويؤكد على أهمية الحفاظ على توازن دقيق بين حياته المهنية والشخصية، مشيرًا إلى أن الحياة في المجال الرياضي تتطلب جهدًا كبيرًا وساعات عمل طويلة، لكنها في النهاية مجزية. ويضيف: "رغم أن الحياة الرياضية تتطلب الكثير من الجهد والوقت، فإن الاستمتاع بما تقوم به هو ما يجعلها مليئة بالمتعة والنجاح".
إيمان أسعد
صحفية وناشطة كوردية مقيمة في إقليم كوردستان شاركت في العديد من النشاطات والمؤتمرات المحلية والدولية لمناصرة المرأة