تشكل النفايات خطراً متفاقماً لا في إقليم كوردستان أو العراق حسب، إنما في العالم كله، لما لها من أضرار ومخاطر بيئية وصحية، من هنا تبرز أهمية المعمل الرائد لمعالجة النفايات في السليمانية، الذي أنقذ بيئة المدينة وحول أكثر من 800 ألف طن من نفاياتها إلى وقود نظيف منذ بدء تشغيله الفعلي عام 2020 وحتى الآن.
وكانت حكومة إقليم كوردستان، أكدت في تموز/ يوليو 2022، على أن موضوع البيئة بعامة وقطاع النفايات الصلبة ومعالجتها بخاصة، يمثل أولوية بالنسبة لها، وفي حين أعلنت عن توقيع عقود مع 32 شركة لجمع النفايات ومعالجتها بكلفة تتجاوز تسعة مليارات دينار، كشفت عن إقامة عدة مصانع لمعالجة النفايات، مقسمة حسب الموقع الجغرافي، منها مشروع معالجة في منطقة (كواشي) بمحافظة دهوك، ومشروع في عقرة (آكري) على سبيل المثال لا الحصر.
معالجة 1200 طن يومياً
وقال مدير قسم الإنتاج بمعمل معالجة النفايات في السليمانية، المهندس توانا جعفر، إن المشروع «بدأ عام 2013 في منطقة تانجرو (جنوب شرقي مدينة السليمانية) بالتعاون بين مجموعة فاروق القابضة وشركة لافارج Lafarge الفرنسية التي انسحبت نتيجة تداعيات أحداث داعش ما اضطر المجموعة المضي بإنجازه لوحدها ليبدأ العمل الفعلي عام 2020»، مشيراً إلى أن المشروع الذي أقيم على أرض مساحتها (204) دونمات وبلغت كلفته 60 مليون دولار «يهدف إلى حماية البيئة من أضرار النفايات المنزلية الصلبة وتحويلها إلى وقود نظيف يمكن استعماله في أفران المعامل ومحطات الطاقة الحرارية ويشمل ذلك النفايات العضوية البلاستيكية والورقية والزجاجية والمعدنية التي يتم تجميعها وتزويد المعمل بها من قبل خمس شركات في السليمانية».
وأضاف أن المعمل «يقوم بمعالجة قرابة 1100 طن يومياً من النفايات المستلمة من مدينة السليمانية وضواحيها ميكانيكياً وبيولوجياً»، مبيناً أن ذلك «يتم من خلال ثلاث مراحل أولها ميكانيكية يتم فيها تقطيع النفايات وغربلتها لتهيئتها للمرحلة الثانية التي يتم فيها معالجتها بيولوجياً من خلال تبخير السوائل التي تشكل نحو 55% من حجمها بالحرارة الذاتية وتهيئة بيئة خاصة مناسبة لنمو البكتريا لرفع درجة حرارة النفايات إلى الحد الذي يتم في قتل تلك البكتريا».
وأوضح مدير قسم الإنتاج، أن النفايات «تتحلل نتيجة مرورها بالمرحلتين آنفتي الذكر ما يؤدي إلى الحد من مخاطر التلوث بنسبة كبيرة جداً فضلاً عن تقليص حجمها ووزنها علماً أنه كلما تقلص حجم النفايات ووزنها تسهل السيطرة عليها»، مستطرداً أن ذلك «يؤدي إلى التخلص من السوائل والمواد العضوية الفعالة في النفايات فضلاً عن الروائح الكريهة لاسيما أن عملية التطهير تكون مغطاة بغطاء خاص يمنع خروج أي انبعاثات كامنة (روائح كريهة) ضماناً للأمان لتبقى منها المواد البلاستيكية والورقية والزجاجية والمعدنية».
وقود صديق للبيئة
وواصل المهندس توانا جعفر قائلاً إن المرحلة الثالثة والأخيرة تتضمن «إخضاع النفايات لمعالجة ميكانيكية متطورة لتحسين نوعيتها من خلال فصل المواد الخاملة كالأتربة والحجارة والمواد الزجاجية والمعدنية والمنتج المتبقي يطلق عليه تسمية Resource Derived fuel RDF: الذي يعد أحد مصادر الطاقة المتجددة لتميزها بقلة انبعاثاتها الضارة لاسيما ثاني أوكسيد الكاربون وثاني أوكسيد النيتروجين فضلاً عن إمكانية استعمالها في أفران معامل السمنت والحديد والطابوق ومحطات الكهرباء الحرارية»، مؤكداً أن تلك العمليات «تؤدي إلى التخلص من التأثيرات الصحية والبيئية الضارة الناتجة عن طمر النفايات أو حرقها».
وذكر أن المعمل «يضم وحدة معالجة متطورة لعصارة النفايات ذات الخطر الكبير على الصحة والبيئة بما يؤمن عدم تسربها للبيئة لاسيما نهر تانجرو الذي يصب في بحيرة دربنديخان بحيث يتم فيها تحويل تلك العصارة إلى ماء صديق للبيئة يمكن استعماله في الزراعة وغسل الأماكن العامة»، منوهاً إلى أن مخرجات المعمل «تتميز بكونها صديقة للبيئة وانبعاثاتها الغازية تقل عن نصف تلك الناتجة عن حرق الإطارات أو الوقود الثقيل».
يذكر أن عصارة النفايات، عبارة عن سائل مركز ينتج عن تحلل المواد العضوية، وينشأ عندما يتم ضغط النفايات في مركبات النفايات أو مكباتها المصممة هندسياً، وتحتوي عصارة النفايات على عناصر كيميائية ثقيلة ذات تأثير خطير على الصحة والبيئة.
محفزات وتشريعات بيئية
وأكد المهندس توانا جعفر، على أن المعمل «وفر 250 فرصة عمل وأسهم منذ بداية تشغيله في آب/ أغسطس 2020 في معالجة أكثر من 800 ألف طن من النفايات»، لافتاً إلى ان ذلك «أدى إلى تخليص البيئة من 3.9 مليون متر مكعب من غاز الميثان و4.68 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكاربون».
ودعا مدير قسم الإنتاج على ضرورة «تشجيع المستثمرين للعمل في مجال البيئة وإقامة مشاريع معالجة أو إعادة تدوير للنفايات وتشجيع الجهود الرامية لفرز النفايات لتسهيل عمليات معالجتها والاستفادة منها كما هو معمول به في العديد من دول العالم لأهمية ذلك في تحقيق التنمية المستدامة»، مشدداً على أهمية «وجود تشريعات بيئية وتوعية المواطنين بهذا الشأن».
وكان أراس فؤاد صابر، مدير حماية البيئة ومعالجة النفايات في وزارة البلديات والسياحة في حكومة إقليم كوردستان، دعا خلال تصريحات صحفية سابقة، إلى ضرورة العمل على رفع مستوى الوعي لدى المواطنين من خلال المدارس ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني للتقليل من كمية النفايات الناتجة التي تقدر بنحو سبعة آلاف طن يومياً.
منجم ذهب
وهكذا وبرغم أهمية معامل معالجة النفايات، إلا أن مشكلة النفايات بحاجة إلى معالجات أخرى تتعامل معها كمنجم للذهب، وتستثمر المواد المفيدة الموجودة فيها، من معادن وزجاجيات أو مواد ورقية وغيرها، وتعيد تدويرها ضماناً لعدم هدرها هباءً، وتقليل استهلاك المواد الخام الجديدة، فضلاً عن تقليل كلف الإنتاج، على غرار ما هو موجود في الكثير من دول العالم. وإن ذلك يتطلب زيادة الوعي المجتمعي بأهميتها، ونشر وحدات الفرز في كل مكان لتسهيل وصل الأهالي إليها، والأهم وجود محفزات مادية لكل من يسهم في جمعها بحسب طبيعتها.
يذكر أن مدير قسم الإنتاج بمعمل معالجة النفايات في السليمانية، المهندس توانا جعفر فقي أحمد، حاصل على شهادة البكالوريوس من كلية الهندسة جامعة السليمانية عام 2002.. والماجستير من جامعة كرانفيلد Cranfield البريطانية عام 2015.. ولديه العديد من البحوث المنشورة على منصة بوابة البحوث Research Gate العالمية.
باسل الخطيب
صحفي عراقي