القلق والتوتر في السعي نحو النجاح غالباً ما يدفعان الناس إلى البحث عن طرق مختصرة. وفي رحلاتهم لتحقيق آمالهم، يتخلى العديد من الشباب والشابات الطموحين عن أحلامهم عندما يصطدمون ببعض الطرق المسدودة.
لكن قصة رجل الأعمال الكوردي حازم كورده مختلفة. فقد وُلد كورده، المعروف أيضاً باسم ملكُ الأرز في السويد وغيرها من الدول الاسكندنافية، في بلدة جبلية عسكرية في إقليم كوردستان العراق، ونشأ ليصبح واحداً من أبرز رجال الأعمال في أوروبا. ألهمت قصته العديد من الناس إلى الحد الذي دفع لتأليف كتاب باللغة السويدية تحت عنوان «ملك الأرز: رحلة ذهاب وإياب من رواندوز - إسكيلستونا»، تحدث فيه عن قصة نجاحه.
شخصيته التي تشكّلت في شبابه
تبدأ قصة حازم كورده في رواندوز، أحد المواقع الرائعة في كوردستان والمعروفة بأوديتها الخلابة ومكانتها البارزة في تاريخ النضال الكوردي من أجل الحرية. منذ نعومة أظفاره، كان كورده يحلم دائماً بالأشياء الكبيرة. ووالده، الذي كان له تأثير كبير على حياته، كان شخصية اجتماعية بارزة في البلدة الصغيرة، فقد كان أول من أدخل الثلاجات وأجهزة التلفاز إلى البلدة، وسمح لحازم بإدارة حسابات متجره لتعلّم مهارة العمل. يقدم الكتاب أيضاً روايات مفصلة عن التطورات الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت، ويروي تجارب كورده المباشرة في دعم قوات البيشمرگة التي كانت في ذلك الوقت تقاتل ضد نظام الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين.
عندما وقع زعيم حركة التحرر الكوردية الراحل الملا مصطفى البارزاني اتفاقية مع النظام في بغداد عام 1970، التي ضمنت السلام والحكم الذاتي للكورد، ساعد سكان رواندوز بعضهم بعضاً في إعادة بناء منازلهم المدمرة. لكن السلام لم يدم طويلاً. فمرة أخرى، تم حشد القوات العراقية، ولم يمض وقت طويل حتى ظهرت الدبابات على حافة جبل كورَك. تمكنت عائلة كورده مع آخرين من الوصول إلى ملاذ آمن، بينما تم إرسال حازم إلى البصرة في جنوب العراق لدراسة الهندسة المدنية.
لكن لم يستطع بُعد المسافات أن يُنسيَ كورده قومه. فبينما كان لا يزالُ في البصرة، استأنف نشاطه السياسي فوجد نفسه في ظروف حساسة وصعبة. توجه بعدها إلى الجبال للانضمام إلى قوات البيشمرگة، لكنه اضطر لاحقاً للفرار، أولاً إلى إيران ثم إلى سوريا. وفي النهاية، مثل العديد من شباب تلك الفترة، تمكن من الوصول إلى السويد، حيث مُنح حق اللجوء السياسي في عام 1981.
نجم ريادة الأعمال السويدي
في السويد، واصل حازم كورده اتخاذ العديد من الخيارات الفعّالة للقتال من أجل ما يؤمن به. وكما هو الحال في كوردستان والعراق، كانت أفعاله مثقلة أحياناً بالعقبات والنكسات، لكن في كثير من الأحيان كانت الظروف المواتية تخفف عنها. لقد وضعه أسلوبه الجريء والصريح في مواقف صعبة أحياناً، ولكن بفضل الإرادة القوية والعمل الجاد، نجح دوماً في المضي قدماً وخلقِ ظروف حياة أفضل لنفسه ولأسرته.
من خلال غسل الأطباق والعمل في مصنع للأجهزة المنزلية وفتح كُشك لبيع النقانق في إسكيلستونا، تمكن في النهاية من تحدي الصعوبات وتأسيس شركة بيع بالجملة في السويد، والتي كانت بداية مصنع الأرز الناجح الخاص به. سافر إلى تايلاند والهند للعثور على أفضل أنواع الأرز، الذي قام بعد ذلك بمعالجته في إسكيلستونا. جاء النجاح بسرعة؛ إذ سرعان ما بدأت شركته «الأرز السويدي» في النمو وتقديم ليس فقط منتجات عالية الجودة، بل أيضاً فرص عمل للعديد من الناس.
في أواخر الثمانينات، كان يفكر كثيراً في عائلته في كوردستان، لكن بسبب الوضع السياسي الخطير، كانت العودة إلى الوطن مستحيلة. على أريكته أمام التلفزيون في إسكيلستونا، كان حازم كورده يتابع بقلق الهجمات الوحشية التي شنها النظام العراقي في أوائل التسعينات على السكان المدنيين الكورد لقمع انتفاضتهم الشعبية، بما في ذلك عائلته، التي فرت إلى الجبال باتجاه تركيا هرباً من القنابل. في النهاية، انضم الغرب إلى الكورد ونجح في إنشاء المنطقة الآمنة في شمال العراق التي حمت الكورد من مذبحة أخرى.
العودة إلى الوطن لتحقيق الأحلام
ومع تسارع الأحداث، لم يستطع حازم كورده أن يجلس ويراقب التطورات السريعة من السويد، فقرر العودة إلى وطنه للمساعدة. فبدأ مبادرةً إنسانيةً للتبرع بكميات كبيرة من الأرز لسكان رواندوز، ومساعدة الأيتام بالأطعمة والملابس.
وعندما سقط نظام صدام حسين في عام 2003، حصل حازم كورده أخيراً على الفرصة لبدء مشروع كبير كان يحلم به منذ أن كان طفلًا: بناء منتجع سياحي وألعاب أفعوانية في الجبال خارج مسقط رأسه في رواندوز.
كان أصدقاؤه يشككون في فكرته الجامحة، حتى أن بعضهم اعتبرها من الجنون أن يستثمر في مشروع سياحي ضخم كهذا في منطقة نجت لتوها من الحرب. لكن حازم كورده تبع مشاعره الراسخة فيه، ثم عمل بجدية هادفة.
في ربيع عام 2007، افتتح منتجع «پانك» (المعروف أيضاً بمنتجع «شنگلبانه»)، وهو أحد المشاريع السياحية الأكثر جاذبية في إقليم كوردستان والعراق بأكمله. خلال حفل الافتتاح، الذي حضره رئيس وزراء إقليم كوردستان آنذاك نيجيرفان بارزاني، قال حازم كورده إن موقع مشروعه كان مكباً للنفايات، وأنه كان يحلم دائماً بمشروع سياحي في تلك المنطقة الفريدة.
وقال حازم كورده في مقابلة مع صحيفة «كوردستان كرونيكل»: «لطالما حلمت بذلك، لكنني لم أتخيل أبداً أنني سأكون الشخص الذي سيحقق هذا الحلم بالفعل».
وأظهرت لقطات قديمة من حفل افتتاح منتجع «پانك» حضور عدد كبير من السكان المحليين وكبار مسؤولي الحكومة، إلى جانب رئيس الوزراء آنذاك نيجيرفان بارزاني الذي أشاد بحازم كورده لـ«توفيره مئات فرص العمل وإضافة المزيد من الشهرة إلى رواندوز».
وقال بارزاني: «إن تنفيذ مثل هذا المشروع من قبل رجل أعمال كوردي ناجح هو رسالة من كوردستان إلى العالم الخارجي: لقد تعرض وطننا للقصف بالغاز والقنابل مراراً وتكراراً في الماضي، لكننا الآن مستعدون لإعادة بنائه. نحن نتطلع إلى المستقبل».