في مشهد يعكس التطور الصناعي المتنامي في إقليم كوردستان العراق، برزت شركة «دوسرة» في أربيل كرائدة في مجال تصنيع مركبات إطفاء الحرائق، مسجلة بذلك سبقاً على مستوى الإقليم والعراق. هذا الإنجاز الذي تحقق بسواعد وعقول مهندسين كورد أكفاء، يفتح آفاقاً واسعة لصناعة محلية واعدة.
منذ تأسيسها عام 2017، نجحت «دوسرة» في إنتاج 20 سيارة إطفاء، مستندة إلى خبرة تمتد لأكثر من 45 عاماً في مجال المعدات الزراعية. هذا التحول النوعي في نشاط الشركة يعكس قدرتها على التكيف مع متطلبات السوق وتطوير الكفاءات المحلية.
وفي حديث خاص لمجلة «كوردستان بالعربي»، كشف مريوان فائق كريم، مدير عام الشركة، عن طموحات تتجاوز الحدود المحلية. إذ يسعى إلى توسيع نطاق الإنتاج وزيادة الخطوط الإنتاجية، مع التطلع إلى تصدير هذه المركبات خارج حدود كوردستان والعراق، شريطة الحصول على الدعم اللازم من حكومتي الإقليم والعراق.
تتميز مركبات «دوسرة» بمواصفات تضاهي المعايير العالمية، مستوحاة من النماذج النمساوية والألمانية، مع «التركيز على عناصر السلامة والأمان» بحسب المدير العام. وتبرز أهمية هذه الصناعة المحلية في قدرتها على «منافسة المنتجات المستوردة من حيث الجودة والسعر، إذ تقل أسعارها عن نظيراتها المستوردة بنسبة تتراوح بين 30% و40%» يقول كريم.
يستغرق إنتاج المركبة الواحدة ثلاثة أشهر، وتتراوح أسعارها بين 170 ألف دولار و260 ألف دولار، اعتماداً على المواصفات المطلوبة. هذا التفاوت في الأسعار يعكس مرونة الشركة في تلبية احتياجات العملاء المختلفة.
طموحات تتخطى الحدود
تواصل شركة «دوسرة» في أربيل مسيرتها الرائدة في صناعة مركبات إطفاء الحرائق، متطلعة إلى آفاق أوسع تتجاوز حدود إقليم كوردستان والعراق. وفي هذا السياق، يكشف كريم، عن خطط مستقبلية طموحة قائلاً: «نعمل على دراسة وبحث إضافة خطوط إنتاجية أخرى مستقبلاً، وهذا ضمن خطة الشركة المحلية».
ويؤكد كريم على جودة منتجات الشركة، مشيراً إلى أن «مستوى المتانة التي تمتلكها العجلة المصنعة تضاهي المستورد». ويرى في ذلك فرصة سانحة أمام حكومتي الإقليم والمركز للتعاقد مع الشركة، مما يوفر الوقت والمال ويحافظ على الأموال داخل البلد.
وتتميز «دوسرة» بالتزامها بخدمة ما بعد البيع، إذ تتابع أداء مركباتها المباعة للمؤسسات غير الحكومية. وحتى الآن، لم تتلق الشركة أي تقارير سلبية، مما يعزز ثقتها بجودة منتجاتها. بل إن خبرة الشركة امتدت لتشمل صيانة مركبات إطفاء أخرى تعطلت في المؤسسات الحكومية، والتي لم تجد حلولاً من الشركات الموردة الأصلية.
وفي هذا الصدد، يفخر كريم قائلاً: «قام مهندسو ومهرة الشركة بتصليح عدد من السيارات المستوردة من إحدى البلدان المجاورة وحتى الدول الأوروبية لحساب المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، بعد عدم رد الشركات المجهزة على نداءات واتصالات المشترين!». ويعتبر هذا أحد عيوب الاستيراد التي تتفوق عليها الشركة المحلية.
تحديات رغم النجاحات
رغم النجاحات المحققة، لا تزال الشركة تواجه تحديات في توسيع نطاق أعمالها. فقد استقبلت عدة وفود من مؤسسات الحكومة الاتحادية العراقية للاطلاع على المركبات المصنعة، لكن العقود لا تزال مؤجلة. أما على صعيد حكومة كوردستان، فهناك مباحثات حول إنتاج 40 مركبة، لكنها لم تثمر بعد.
ويشير المهندس الاستشاري للشركة، زياد بابان، الذي يعد العقل المدبر للمشروع، إلى تنوع منتجات الشركة: «تضم عدة خزانات مياه سعتها من 6 آلاف لتر إلى أكثر من 16 ألف لتر مع خزانات لمادة الفوم والباودر وأطوال الخراطيم تصل إلى 80 متراً». ويضيف أن المركبات مجهزة بـ«كابينة للمعدات ومعدات مكافحة الحرائق وسلالم ومضخات مياه وأجهزة كهرباء مختلفة مع قمرة قيادة ومكان خاص لرجال الدفاع المدني».
وعن عملية التصنيع، يوضح بابان: «بعد التعاقد مع الزبون، نقوم بطلب واستيراد شاصي السيارات وحسب طلبات الجهة المتعاقدة معها من بلد المنشأ كألمانيا وأمريكا وبريطانيا والصين». ويؤكد على تميز منتجات الشركة بقوله: «السيارات المصنعة من قبل (دوسرة) تتمتع بمواصفات غير موجودة في أقرانها المستوردة من الخارج، أبرزها نظام الكاميرات التي وضعتها الشركة في سياراتها».
وفي ختام حديثه، يشير كريم إلى الطلبات التي تلقتها الشركة لنقل مقرها خارج الإقليم والعراق، مؤكداً رفضه لهذه العروض: «تلقينا عروضاً لنقل مقر الشركة إلى خارج الإقليم والعراق مع امتيازات وعروض مغرية، ولكننا نرى أن خدمة مدينتنا وأهل بلدنا هو الأساس».
إن نجاح «دوسرة» يمثل نموذجاً ملهماً للصناعة المحلية في كوردستان والعراق، ويفتح آفاقاً واعدة لتطوير الصناعات الوطنية وتعزيز الاقتصاد المحلي.
حالياً، تعمل الشركة على إنتاج خمس مركبات مخصصة للعتبة العباسية المقدسة، مما يؤكد ثقة المؤسسات الدينية والحكومية في جودة منتجاتها. هذا الإنجاز لا يقتصر على توفير احتياجات السوق المحلية فحسب، بل يساهم أيضاً في تقليل التكاليف التي تتحملها الدولة لاستيراد مثل هذه المركبات المتخصصة.
إن نجاح «دوسرة» يمثل نموذجاً ملهماً للصناعات المحلية في كوردستان والعراق، ويفتح الباب أمام إمكانيات واسعة للتصنيع المحلي في قطاعات أخرى. كما يؤكد هذا النجاح على أهمية الاستثمار في الكوادر المحلية وتطوير قدراتها لمواكبة التطورات العالمية في مجالات الصناعة المختلفة.
هيمن بابان رحيم
صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات المحلية والدولية