في ظل صراع يلقي بظلاله الثقيلة على الحياة اليومية في محافظة دهوك بإقليم كوردستان العراق، يواجه مربو النحل مأساة صامتة تهدد مصدر رزقهم وتراثهم. فقد شهد إنتاج العسل في المنطقة تراجعاً حاداً، في مشهد يعكس الأثر العميق للعمليات العسكرية التركية المستمرة ضد حزب العمال الكوردستاني.
جعفر علي، أحد مربي النحل البارزين في المنطقة، يروي قصة مؤلمة عن فقدان سبل العيش. يقول بحسرة: «خلايا النحل التي كُنّا نربيها في مناطقنا خارج مركز الناحية، ضربتها الطائرات ودمرتها بالكامل. خسرتُ أكثر من 200 خلية نحل لغاية الآن، وبقي لدي ما يُقارب 50 خلية فقط». هذه الكلمات تلخص معاناة شريحة كاملة من المجتمع، اضطرت للنزوح من قراها الحدودية بحثاً عن الأمان.
على سفح جبل متين، تنتشر عشرات النقاط العسكرية التركية، شاهدة على تصاعد حدة الصراع. خلف هذا الجبل، تقبع قرية علي وقرى أخرى كثيرة، أصبحت الآن أشبه بأشباح. يضيف علي بنبرة حزينة: «لا نستطيع الذهاب هناك بسبب القصف. تركنا في القرية مجموعة كبيرة من خلايا النحل، بعضها احترق بسبب النيران وأخرى دُمرت بسبب القصف».
الإحصاءات الرسمية تكشف حجم المأساة، إذ تشير إلى أن 95% من قرى ناحية «دێرهلوك» وحدها قد هُجرت قسراً. هذا الوضع المأساوي يمتد ليشمل معظم القرى في البلدات الحدودية بمحافظة دهوك، حيث فقد السكان منازلهم وممتلكاتهم ومصادر رزقهم بالكامل.
في الماضي القريب، كانت مناطق العمادية وما يجاورها من أراضٍ جبلية خصبة موطناً مثالياً لتربية النحل، حيث كان الإنتاج وفيراً والنوعية ممتازة. لكن الآن، كما يؤكد علي: «كنا نتحرك بحرية من مكان إلى آخر. بعد الصراع الدائر، وخاصة في الأعوام الأخيرة، اضطر الناس إلى ترك قراهم ونقل خلايا النحل إلى داخل المجمعات السكنية وبالقرب من منازلهم».