في قلب إقليم كوردستان العراق، تنبض قصة فريدة من نوعها، قصة زوجين سوريين حولا حبهما للحيوانات إلى مشروع مميز يجمع بين الإنسانية والعمل. محمد علي اصطيفو، مهندس الاتصالات، وزوجته أمل عمرو، خريجة الأدب الإنكليزي والفنون المسرحية، قررا أن يكرسا حياتهما لرعاية الحيوانات في فندق خاص، متحدين الصعوبات وواضعين معايير جديدة في مجال لم يكن مألوفاً من قبل.
يفتتح اصطيفو حديثه بنبرة دافئة، قائلاً: «بشكل عام، الكورد لديهم قابلية استثنائية للتعايش مع العرب وتقبلهم واستضافتهم». ويضيف مؤكداً: «خلال إقامتي الطويلة في كوردستان، لم أرَ منهم إلا التعامل الطيب. لم ألمس أي شكل من أشكال العنصرية في المجتمع الكوردي، وكل ما يُشاع عكس ذلك هو في الحقيقة غير صحيح».
في منعطف مثير في حياته المهنية، قرر اصطيفو، وهو متخصص في تكنولوجيا المعلومات، أن يغير مساره المهني بشكل جذري. يقول: «توجهت وغيرت مجالي إلى تربية الحيوانات (الكلاب والقطط) والاهتمام بها». هذا التحول الملفت قاده إلى افتتاح مشروع فريد مع زوجته أمل - فندق للقطط والكلاب. ويعلل اختياره هذا قائلاً: «هذا المجال يحمل العاطفة والرحمة ويحتاج إلى قلب رحيم. تربية هذه الحيوانات والاهتمام بها يشبه رعاية المسنين».
«الضمير المهني» التحدي الأكبر في إدارة فندق الحيوانات
تكشف أمل عمرو، في حديثها لمجلة «كوردستان بالعربي»، عن أحد أكبر التحديات التي واجهتهما في مشروعهما: «لم نجد أي شخص يعمل بضمير في فندق الحيوانات الذي نمتلكه. أغلب من عملوا معنا لم يكونوا على قدر المسؤولية» هذا الواقع دفع الزوجين إلى اتخاذ قرار جريء: «قررنا أن نعمل لوحدنا ولا نوظف عمالاً معنا».
تصف أمل يومها المليء بالمهام: «أنا مضطرة كصاحبة عمل مع زوجي أن نقوم بدور ما يفترض أن يقوم به العامل. أنا أقوم بتنظيف المكان والحيوانات وإطعامهم وإخراجهم للجري في الحديقة». هذا التفاني نابع من فلسفتهما في العمل: «نحن نعامل الحيوانات وكأنها لنا وليست مودعة عندنا لغاية عودة أصحابها فقط. لذا عملنا هذا حساس ويحتاج إنسانية وحباً وضميراً».
من خريجة أدب إنكليزي إلى رائدة أعمال: رحلة أمل عمرو المثيرة
خلف هذا المشروع الفريد تقف قصة امرأة طموحة. أمل عمرو، خريجة الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق، والتي درست أيضاً ثلاث سنوات في المعهد العالي للفنون المسرحية، كان حلمها أن تصبح ممثلة. لكن الحياة قادتها في مسار مختلف تماماً.
تواجه أمل وزوجها أحياناً سوء فهم من بعض الزبائن: «هنالك بعض الزبائن يظنون أننا نأخذ مبلغاً كبيراً لأي حيوان نزيل في فندقنا، لكنهم لا يعلمون حجم التعب والجهد الذي نبذله مع الحيوان الواحد من عناية واهتمام» وتضيف بأسف: «بعض الزبائن يتعاملون معنا وكأننا أقل منهم ثقافة وعلماً، وهم لا يعلمون أن زوجي مهندس اتصالات وأنا خريجة أدب إنكليزي».
«بلاك» الكلب الذي ألهم فكرة مشروع فريد
قصة فندق الحيوانات بدأت من تجربة شخصية لأمل. تقول: «كنت موظفة في شركة لمدة ثلاث سنوات، وكنت أصرف على الحيوانات المشردة في الشوارع، وأعمل في إنقاذ الحيوانات بشكل طوعي مع منظمة مهتمة بالحيوانات بدون أجور».
لكن اللحظة الفارقة جاءت عندما احتاجت للسفر: «كنت خائفة أين أضع كلبي بلاك؟ لم يكن لدي ثقة بأي شخص لأضع (بلاك) عنده، كنت خائفة عليه كثيراً، ومن هنا خطرت في ذهني فكرة المشروع، وأن أعمل شيئاً ترتاح الحيوانات فيه. ونكون محط ثقة للجميع».
اليوم، يقدم فندق الحيوانات خدمات متكاملة تشمل صالون حلاقة وحماماً وقص أظافر للحيوانات، مما يجعله وجهة مفضلة لأصحاب الحيوانات الأليفة.
«كوردستان» الملاذ الآمن لعائلة وحيواناتها
اختيار أمل وزوجها للإقامة في كوردستان العراق لم يكن عشوائياً. تشرح أمل: «أنا دخلت كوردستان منذ العام 2015. اخترت كوردستان لأنني لم أرغب بالسفر إلى أوروبا بطريقة غير شرعية كون كلبي (بلاك) معي ولا يمكنني أن أتخلى عنه أو أعرضه لخطر الهجرة غير الشرعية».
وتضيف بعاطفة: «قررت أن أكون لاجئة في كوردستان بطريقة شرعية ونظامية، وحجزت لكلبي (بلاك) تذكرة سفر معي». هذا القرار عكس التزامها العميق تجاه حيوانها الأليف وقيمها الشخصية.
اليوم، تنظر أمل إلى كوردستان كوطنها الثاني: «فضلت البقاء في كوردستان كوني أشعر بالأمان. كوردستان مجتمع شرقي محافظ.. حتى إذا أتتني فرصة للسفر إلى أوروبا لن أسافر. أنا هنا في بلدي الثاني ولا أشعر بالغربة».
وعن سبب اختياره البقاء في كوردستان، يشرح اصطيفو بحماس: «فضلت البقاء هنا ولم أغادرها. المجتمع الكوردي محافظ، متمسك بعاداته وتقاليده. حتى الطبيعة هنا مختلفة، كأنها تجذبك للبقاء والعيش. رغم أنني سافرت للكثير من الدول، لم أجد أطيب من هذا الشعب الذي جعلني أتمسك بالبقاء في كوردستان، والاندماج والعيش هنا».
في النهاية، تبقى قصة أمل عمرو ومحمد علي اصطيفو مثالاً حياً على كيف يمكن للحب - سواء للإنسان أو الحيوان - أن يتحول إلى مشروع يخدم المجتمع ويحقق الذات. فندقهما للحيوانات ليس مجرد مشروع تجاري، بل هو تجسيد لقيم الرحمة والمسؤولية والتفاني، قيم تحتاجها مجتمعاتنا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
رياض الحمداني
صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية