كثيراً ما أسمع الأشخاص الذين يعانون من المرض يقولون: «إذا تعافيت هذه المرة، سأكون أكثر وعياً بصحتي، سأهتم بجسدي أكثر من قبل». يدركون حينها أهمية الصحة ويعزمون على جعلها الأولوية في حياتهم. في الحقيقة، لا يوجد شيء أهم من الصحة. فالذين يمتلكون كل ثروات الدنيا لكنهم يعانون من مشكلات صحية، هم الأكثر تعاسة. رغم امتلاكهم كل مقومات السعادة، إلا أن أجسادهم لا تسمح لهم بالاستمتاع بها.
قال ستيف جوبز، مؤسس ومدير تنفيذي لشركة «أبل»، عندما اشتد به المرض: في النهاية، الثروة التي جنيتها لن تكون ذات معنى أمام الموت. ما يهم حقاً هو الحب، والعلاقات، والصحة، وليس المال أو الشهرة.
ما دمت شاباً وقوياً، وصحتك في أفضل حالاتها، اجعل الحفاظ على جسم نشيط وسليم هدفك الرئيسي في الحياة. طالما أنك لا تعاني من أي مشكلات صحية، وجسدك مفعم بالطاقة والحيوية وخالٍ من الألم، عليك أن تدرك أن الصحة ليست مضمونة دائماً. قد تأتي لحظة يتدهور فيها وضعك الصحي، ولكن الأهم هو ألا تسمح لنفسك بالانحدار نحو المرض والمعاناة الجسدية.
عليك أن تكون واعياً بجسدك، تهتم به وتمنحه الرعاية التي يحتاجها. كلما بدأت هذا الاهتمام مبكراً، كان ذلك أفضل. بمعنى آخر، كلما سيطرت على صحتك في وقت مبكر من حياتك، كانت فرصك أفضل للحفاظ على صحتك الجسدية.
وحتى إذا حاولت استعادة صحتك بعد الإصابة بمرض أو ألم، فإن تحقيق أهدافك قد يتأخر لأن الوقت يكون قد فات. الصحة ليست فقط هدفاً بحد ذاتها، بل هي مفتاح لتحقيق باقي أهدافك في الحياة. وضعك الصحي يؤثر بشكل مباشر على تحقيق أهدافك الأخرى وعلى حياتك الاجتماعية. الناس عادة يتجنبون التعامل المباشر مع الشخص المريض، كما أن المرض قد يعوق تحقيق أهدافك في الرفاهية والسعادة. إذا كنت تسعى لتحقيق إنجازات في الحياة، فإن المرض يمكن أن يعترض طريقك ويعرقل خططك.
يشدد المتصوف الهندي المعروف أوشو في أحد توجيهاته، على أهمية العناية بالجسد والتواصل معه بشكل مستمر «الكثير من الأشخاص يغفلون عن أجسادهم ولا يمنحونها الاهتمام الكافي. هؤلاء لا يدركون احتياجات أجسادهم! لا يعرفون نوع الرياضة التي تناسبهم، أو النظام الغذائي الأنسب لهم، أو الوزن المثالي الذي يجب الحفاظ عليه».
ويوضح ديباك تشوبرا، الطبيب والمفكر النفسي، في كتابه «الجسد اللاشيخ، العقل الأبدي» أن الإنسان يمكنه العيش لفترة أطول مما نتوقع. في العصور الرومانية كان متوسط عمر الإنسان 28 عاماً، وفي العصور الوسطى ارتفع إلى 45 عاماً. بحلول عام 1900، بلغ متوسط العمر في الولايات المتحدة 59 عاماً، وفي التسعينات ارتفع إلى 80 عاماً. وفقاً لرؤية تشوبرا، فإن الذين يعيشون حتى 100 عام سيصبحون الأغلبية في المستقبل القريب، كما أن تجاوز التسعين أصبح شائعاً الآن.
ويروي أوشو: في إحدى المرات، كنت أجلس مع رجل على حافة الموت. كان هذا الرجل أستاذاً في نفس الجامعة التي كنت أعمل بها، وكان ناجحاً للغاية في اختصاصه. بعد تعرضه لأزمة قلبية، أصبح قريباً جداً من نهاية حياته. ذهبت لزيارته لأطمئن عليه، فوجدته غارقاً في الحزن، مستسلماً تماماً لليأس، وكأنه قد فقد كل قوته وإرادته. فقلت له:
«لا تقلق، لن تموت».
«ماذا تقول؟» أجابني متعجباً «الأطباء جميعهم أكدوا ألا أمل في شفائي، وأنني على وشك الرحيل، فكيف تقول ذلك؟».
قلت له:
«لن تموت، لأنك لم تعش حقاً. طوال هذه الستة والخمسين عاماً التي مضت من حياتك، كنت فقط نائماً. لقد كنت غارقاً في الأحلام، ولم تعش يوماً حياة حقيقية».
الدكتور فاضل الجاف
دكتوراه في العلوم المسرحية من أكاديمية سانت بطرسبرج للفنون المسرحية