مهرجان دهوك الثقافي السابع... جسر للتواصل بين الثقافات
مهرجان دهوك الثقافي السابع... جسر للتواصل بين الثقافات
November 27, 2024

في قلب مدينة دهوك، تلك الجوهرة المتربعة بين أحضان الجبال الشامخة والوديان الساكنة في قلب كوردستان العراق، انبثق نور الثقافة والفن ليضيء سماء المدينة في الثالث والرابع من تشرين الأول 2024. كان ذلك إيذاناً بانطلاق المهرجان الثقافي السابع، ذلك الحدث الفريد الذي يمزج عبق الأدب برونق الفنون، ساعياً إلى إحياء جذور الهوية الكوردية وتوطيد أواصر التبادل الثقافي.

تحت رعاية كريمة من محافظ دهوك، الدكتور علي تتر، وبتضافر الجهود بين مؤسسة «كوردستان كرونيكل»  (Kurdistan Chronicle) واتحاد الأدباء الكورد، احتضنت قاعة اتحاد الأدباء الكورد فعاليات هذا المهرجان المرموق. تنوعت الأنشطة لتشمل طيفاً واسعاً من المجالات الإبداعية، مركزة على الأدب واللغة والفنون الكوردية، مما استقطب نخبة من الشخصيات الأدبية والفكرية البارزة من شتى أنحاء العالم.

في تمام الساعة العاشرة من صباح اليوم الأول، افتُتح المهرجان بلحظة صمت جليلة، تكريماً لأرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، تلاها عزف النشيد الوطني الكوردي الذي أشعل الحماس في قلوب الحاضرين. ثم توالت الكلمات الافتتاحية، حيث استهلها السيد حسن سليفاني، رئيس اتحاد الأدباء الكورد في دهوك، مسلطاً الضوء على الأهمية البالغة لهذا الصرح الثقافي في ترسيخ الهوية الكوردية.

أعقبه الدكتور علي تتر، محافظ دهوك، الذي شدد في كلمته على ضرورة الحفاظ على الإرث الثقافي الكوردي في خضم التحديات المعاصرة. ثم جاءت كلمة الزميل جان دوست، ممثلاً عن مؤسسة «كوردستان كرونيكل»، ليبرز دور الأدب كجسر للتواصل الثقافي وأداة فذة لتعميق التفاهم بين الشعوب وتعزيز الحوار بين الثقافات المتنوعة.

تُوج اليوم الأول بلفتة تكريمية مميزة، حيث مُنحت الجائزة الذهبية للكاتب وعالم الاجتماع التركي البارز، إسماعيل بشيكجي، المعروف بمناصرته الدؤوبة للقضية الكوردية. ورغم أن الظروف الراهنة حالت دون حضوره شخصياً، إلا أن روحه كانت حاضرة في قلوب المشاركين، تقديراً لمواقفه النبيلة ودعمه المستمر.

وهكذا، يستمر مهرجان دهوك الثقافي في رسم لوحة إبداعية متكاملة، تمزج ألوان الثقافة والفن والهوية، لتشكل نافذة مشرقة على مستقبل واعد للإبداع الكوردي والإنساني.

 

قضايا الأدب الكوردي بين الماضي والحاضر

بدأت الجلسة الأدبية الأولى، التي أدارها محمد عبد الله، بمناقشة الشعر الوطني الكوردي وأثره على الهوية الثقافية. تناول الدكتور رشيد فندي الأشعار الوطنية للشاعر الشيخ ممدوح بريفكاني، فيما تطرق الباحث حمه كريم عارف إلى أهمية الترجمة في تعزيز التواصل الثقافي بين الكورد والأمم الأخرى. كما ناقش الأديب عسكري بويك وضع الكورد الأرمن في السياق التاريخي.

وفي الجلسة الثانية، التي أدارها د. نعمة الله حامد نهيلي، تناول البروفيسور إبراهيم أحمد سيمو الحوار في المسرح الكوردي مستخدماً مسرحية «هفين» نموذجاً، فيما ناقش ريكار أحمد مسائل الأبجدية الكوردية وتطورها. كما تناول صابر رشيد القصة الكوردية الحديثة في منطقة بادينان، واختتمت الجلسة بمداخلة الدكتور شيرزاد صبري حول العلاقة بين الأدب والفن الكوردي، واختتم اليوم الأول بجلسة شعرية تألقت فيها كلمات بعض الشعراء الكورد والعرب، مما أضفى جواً من الإبداع والجمال على فعاليات المهرجان.

 

استكشاف الروابط الأدبية والثقافية

أما اليوم الثاني للمهرجان فقد شهد استمرار الأنشطة الغنية التي تناولت قضايا ثقافية متعددة. حيث أدار شمال أكري الجلسة الثالثة التي ركزت على النقد الأدبي الكوردي، حيث قدم الدكتور فيصل القصيري مداخلة حول النقد الأدبي في القصائد الكوردية. فيما قدم الباحث الكوردي الأردني محمد علي الصويركي مداخلة تناولت تاريخ مساهمات الكورد في الأردن في مجالات الإعلام والثقافة، مشيرًا إلى دور الكورد في تأسيس الصحف والمجلات في الأردن، مثل جريدة «الحق يعلو» ومجلة «الأردن الجديد».

كما شارك في المهرجان مجموعة من الأدباء من عدة دول عربية، بما في ذلك العراق، الأردن، الإمارات ولم يتمكن مدعوون من تونس وقطر من الحضور بسبب الظروف الحالية التي تشهدها المنطقة. وتمت مناقشة مواضيع مثل العلاقات النقدية في الشعر الكوردي والقصص الأدبية في الثقافات الكوردية. وكان هناك حضور مميز للكتاب الكورد القادمين من دول مثل جورجيا، أرمينيا، روسيا، وأذربيجان، بالإضافة إلى أدباء كورد من أجزاء مختلفة من كوردستان.

في الجلسة الرابعة، التي أدارها د. أرشد حيتو، تم التركيز على الأدب الكوردي في الشتات، حيث ناقش الدكتور طاهر سليمان واقع اللغة والأدب الكوردي في أذربيجان، بينما تناول محمد خضر مولود موضوع الإبداع في الرواية الكوردية، وأشار جگر سوز إلى ضرورة حماية اللغة والثقافة الكوردية كجزء أساسي من الهوية الكوردية، مؤكدًا على دورها في تعزيز التواصل بين الأجيال ورفد المجتمع بالفكر والإبداع، واختتم كوفان سندي الجلسة بمقارنة بين الروايات الكوردية والغربية.

 

جسر بين الماضي والحاضر

في ختام المهرجان، قام المشاركون بزيارة إلى مدينة زاخو، أحد المعالم الثقافية في إقليم كوردستان، واختتم اليوم بجلسة شعرية جمعت نخبة من الشعراء من مختلف مناطق كوردستان. كانت هذه الجلسة بمثابة النهاية الملهمة لهذا الحدث الذي جمع بين الفكر، والأدب، والفن في احتفال بالهوية الكوردية.

لم يكن مهرجان دهوك الثقافي السابع مجرد تجمع ثقافي، بل كان مناسبة لتعزيز الروابط بين الماضي والحاضر، والتأكيد على أهمية الحفاظ على اللغة والتراث الكوردي. من خلال جلسات الأدب والشعر، وفر المهرجان منصة للتبادل الفكري والثقافي بين المشاركين من مختلف الدول، مما يساهم في تعزيز الهوية الكوردية على الساحة الدولية.


إيمان أسعد

صحفية وناشطة كوردية مقيمة في إقليم كوردستان شاركت في العديد من النشاطات والمؤتمرات المحلية والدولية لمناصرة المرأة

 


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved