بين التكريم والإبداع ... رحلة كاتب مسرحي كوردي في المنفى
بين التكريم والإبداع ... رحلة كاتب مسرحي كوردي في المنفى
November 27, 2024

في عالم مليء بالتحولات والتحديات، ورغم التمييع والتشويه الذي طال العديد من الظواهر في مجتمعاتنا يبقى التكريم علامة رقي أخلاقية ومعرفية تُضيء دروب المبدعين وتُحافظ على نتاجاتهم من النسيان. أحمد إسماعيل الكاتب المسرحي الكوردي السوري البارز، هو واحد من هؤلاء المبدعين الذين لامست إبداعاتهم قلوب الجماهير ولاقت صدىً طيباً سواء من النقاد أو القراء والمتفرجين.

وفي حفل نظمه في مدينة إيسن بألمانيا الاتحادُ العام للكتاب والصحفيين الكورد - سوريا، تم تكريم هذا المبدع تقديراً لمساهماته الفريدة في الأدب والمسرح. ورغم التكريمات العديدة التي حصل عليها في مسيرته الإبداعية، عربياً وكوردياً، إلا أن هذا التكريم أدخل السرور إلى قلبه الذي تهدمت جدرانه بفعل خيبات سياسية وانكسارات أحلام كثيرة، حيث عبّر الكاتب في كلمته أثناء الحفل عن شكره للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد على هذه البادرة الجميلة وللحضور الذين غمروه بمحبتهم.

إسماعيل الذي تحدث عن تأثير الغربة على كتاباته، والعقبات التي تواجه المسرح الكوردي في المهجر، وتأثير أعمال المسرحي السوري الكبير سعد الله ونوس على جوانب مختلفة من تجربته الإبداعية ومسيرته الأدبية، نال جوائز عديدة ومثلت مسرحياته في أكثر من بلد.

وبعد لجوئه إلى ألمانيا في عام 2013، شهدت كتابات أحمد إسماعيل تغييرات جذرية. فتحول من الكتابة عن الثورة والحرية والتحدي والحب الى الغربة والخيبة والهجرة، لقد تبدل قاموسه الإبداعي منذ أن وصل إلى ألمانيا لاجئاً هارباً من جحيم الحرب في بلاده. ولم تكن هذه التغييرات عشوائية بل «نتاج الهزائم الوطنية والسياسية التي لحقت بمشاريعنا وأنتجت خيبات طالت الجميع» كما يقول.

المفاجأة الكبرى بالنسبة للكاتب أحمد إسماعيل، كما يقول لـ«كوردستان بالعربي»، «كانت ملاحظة عجزي عن كتابة نص مسرحي للأطفال منذ مغادرتي الوطن، رغم غزارة إنتاجي وتميزي في هذا المجال سابقاً».

لقد اشتهر في سوريا والبلاد العربية بغزارة الإنتاج وتميزه وتنوع موضوعاته، وما حصوله على أكثر من جائزة كان آخرها جائزة الهيئة العربية للمسرح، المرتبة الأولى في عام 2010  إلا دليل على مسرحياته المميزة.

عقبات المسرح الكوردي في المهجر

تقديم عروض مسرحية جادة باللغة الكوردية في ألمانيا ليس بالأمر السهل فهي تواجه عدة عقبات. من أبرزها ساعات العمل الطويلة وندرة العطل، إلا أن الكاتب يرى أن العقبة الأساسية «تكمن في افتقار المجتمع المسرحي إلى العمل بروح الفريق الواحد». ويقول إسماعيل في خضم حديثه «المسرح، بالنسبة لي، يجب أن يكون فناً قبل أن يكون وسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو قومية ويواصل «اللاجئون من غير الكورد الذين يقدمون عروضاً مسرحية في أوروبا ليسوا عاطلين عن العمل أو متفرغين للمسرح، مما يوضح أن المشكلة ليست في الوقت، بل في روح الفريق والوعي الجماعي»، ويضيف: «الثقافة المسرحية وصناعة الممثل يمكن تطويرهما بسهولة إذا توفرت الموهبة والرغبة والإرادة».

تأثير سعد الله ونوس

تأثر الكاتب بشكل كبير بأعمال سعد الله ونوس، حيث قرأ نصوصه ومقالاته وما كتب عنه بتمعن. وكانت عنده رغبة في زيارته قبل وفاته، بهدف إجراء حوار معه لصالح مجلة كوردية. ورغم أن أزمته الصحية المتفاقمة ووفاته حالت دون تحقيق هذا اللقاء، إلا أن تأثير ونوس كان واضحاً في طريقة تفكير الكاتب ومعالجته للمواضيع. أعجبته جرأة ونوس وصراحته وصرامته في اختيار مواضيعه ومعالجتها، وتطويعه لمنهج برتولد بريخت بما يلائم البيئة السورية وزمنها. وفي هذا الصدد يقول الكاتب إسماعيل وهو يتحدث عن مسرح ونوس: «إن من يقرأ أعمال سعد الله ونوس مثل (حفلة سمر من أجل 5 حزيران)، (الاغتصاب)، و(طقوس الإشارات والتحولات)، يدرك قوة جرأته ومهارته الفنية والفكرية».

الكتابة للأطفال

الكتابة للأطفال، خاصة في المسرح، تعتبر عملاً شاقاً. الطفل، بتعبير الكاتب، متلقٍ لا يجامل، ونقده يكون إما إقبالاً بحب أو إدباراً ونفوراً. خبرة الكاتب كمعلم مدرسة ابتدائية واهتمامه بعلم النفس والتربية ساعدته في كتابة نصوص مسرحية ناجحة للأطفال. تلقي الأطفال لأعماله بحماس كان دائماً مصدر سعادة ورضى له. وفي هذا الصدد أشار إلى أنه كان «يقرأ مسودات نصوصه للأطفال في المدرسة وأمام أولاده في البيت، ليكتشف ما يجذب الأطفال ويحقق النجاح». الحوار القصير، الكلمات المستقاة من قاموس الطفل، رسم المشاهد الطريفة، وعدم الإكثار من الشخصيات والأفكار والأهداف، والتركيز على الكوميديا واحترام وعي الطفل كانت كلها عوامل ساهمت في نجاح مسرحياته.

مسرحة التاريخ الكوردي

ضمن مشروعه «جِراب البدليسي»، قدم الكاتب مسرحيات تسلط الضوء على شخصيات كوردية بارزة مثل القائد الراحل الملا مصطفى البارزاني، والرئيس الشهيد قاضي محمد، والأمير جلادت بدرخان. أما الأمير شرف خان البدليسي، المؤرخ الرائد، فهو يلعب دوراً رئيسياً في هذا المشروع، والبدليسي شخصية من القرن السادس عشر، وقد كتب «شرفنامة»، وهو أحد أهم المصادر التاريخية حول الكورد وتاريخهم. وفي مشروع «جراب البدليسي»، يزور شرف خان عصرنا، كما يقول الكاتب إسماعيل، كل ليلة نوروز كرسول لهذا اليوم، حاملاً معه هداياه التي هي أحداث وسير شخصيات كوردية ليتم تجسيدها مسرحياً للأطفال.

كانت البداية مع شخصية الملا مصطفى بارزاني في عام 2001، حيث قرر الشهيد مهدي خوشناو طبع النص وترجمته إلى الكوردية اللهجة «السورانية» ونشره في اتحاد أدباء الكورد. فيما بعد، تمت ترجمة النص إلى اللهجة «البادينية» أيضاً ونشر في دهوك. أما مسرحيتا «قاضي محمد» و«التاج الذهبي أو جلادت بدرخان والحروف الكوردية» فقد طبعتا في مطابع اتحاد الأدباء الكورد في دهوك عام 2012 . ورغم أهمية هذا المشروع الثقافي والتربوي، إلا أن ظروف الحرب ومغادرة البلد وعدم الاهتمام العام جعلت الكاتب يكتفي بثلاث نصوص مسرحية فقط حسبما أدلى به لمجلتنا.

وفي ظل التحديات الكثيرة التي يواجهها الكاتب، يبقى التكريم والتقدير مصدر إلهام له للاستمرار في إبداعه، وإن قصة الكاتب أحمد إسماعيل إسماعيل الذي عانى مرارة الحياة منذ صغره فهي تجسيد لرحلة مبدع يعبر عن هموم وآمال شعبه من خلال الكلمة والمسرح، حتى وإن كانت المسافات تفصله عن وطنه.


إيمان أسعد

صحفية وناشطة كوردية مقيمة في إقليم كوردستان شاركت في العديد من النشاطات والمؤتمرات المحلية والدولية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved