كوردي ينشر للعرب والكورد في لندن
كوردي ينشر للعرب والكورد في لندن

في عالم الأدب والنشر، هناك دائماً أصوات تطمح لكسر الحواجز التقليدية وتحقيق تغيير حقيقي في المشهد الثقافي. الكاتب والروائي الكوردي هيثم حسين، والذي يبدع بالعربية، مؤسس "منشورات رامينا"، هو أحد هذه الأصوات التي استطاعت أن تجمع بين الرؤية الأدبية العميقة والرغبة في تحقيق تواصل ثقافي عالمي. من خلال تجاربه الشخصية والمهنية التي امتدت عبر عدة بلدان وثقافات، نجح في تحويل شغفه بالأدب إلى مشروع ملموس يسهم في تعزيز الحوار بين الشعوب وتقديم تجارب أدبية فريدة من نوعها.

التقينا الناشر والكاتب هيثم حسين ليحدثنا عن فكرة تأسيس "منشورات رامينا" ودورها المحوري في النشر متعدد اللغات، خاصةً نشر الأدبين الكوردي والعربي، إضافة إلى طرح أسئلة حول أسباب اهتمامه بتقديم أدب الشعوب المهمشة إلى الجمهور العالمي. بحثنا معه أيضاً التحديات التي واجهها في تحويل هذا الحلم إلى واقع، والرؤية التي تقف خلف المشروع والتي تتجاوز حدود النشر التقليدي إلى خلق منصة تجمع بين الإبداع، الحرية، والالتزام بالقضايا الإنسانية. سألناه عن فكرة دار النشر، رامينا، من أين أتت؟ فقال "إنها لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت حلماً رافقنا لسنوات طويلة، حلماً تشكّل نتيجة الإيمان بدور الأدب المحوريّ في تقريب الشعوب وتجاوز الحواجز الثقافية والجغرافية". وبطبيعة الحال لم يكن هيثم حسين لوحده في هذا الحلم وثم تحقيقه فقد رافقه في ذلك أخوه عبد الله ميزر. يقول حسين: "نشأت هذه الفكرة من تراكم خبرة طويلة في عالم الأدب والكتاب، وهي تجربة غنية عشتها أنا ومعي أخي عبد الله ميزر، الذي يعمل ككاتب ومترجم ويشغل منصب المدير التنفيذي للدار. كنا دائماً نطمح إلى إنشاء دار نشر تكسر الاحتكار والقيود التي كانت مفروضة علينا ككتّاب كورد في بلادنا".

لماذا تأسست الدار في لندن؟ سألناه فأجاب موضحاً "لأنّ الفضاء الثقافي في سوريا كان مقيّداً بنظام رقابة صارم يفرض موافقات أمنية وإجراءات قاسية تجعل من تأسيس أي مشروع نشر أوثقافي أو إعلاميّ مشروعاً بالغ التعقيد. كان على الأدب أن يخضع لمنطق السلطة والرقابة، مما حال دون أن تتحقق فكرة تأسيس دار نشر مستقلة تعمل بحرّية على نشر الأفكار والإبداع. لكن، عندما انتقلت إلى بريطانيا، وتحديداً إلى لندن، تغيرت الأمور بشكل كبير. في لندن، وجدت مساحة أكبر للحرية الفكرية والتعبير الأدبي، ووجدت أن الشروط الأمنية والسياسية التي كانت تعيق الحلم في سوريا قد تلاشت".

أنشأ هيثم حسين قبل عشر سنوات موقعاً متخصّصاً بالفنّ الروائيّ "الرواية نت"، ثمّ بعدها أسّس مع أخيه عبد الله موقعاً بالإنكليزية والعربية والكوردية "للتعبير عن تصوّراتنا الإعلامية" كما يقول لكوردستان بالعربي. 

وإن ما يميز "رامينا"، يضيف الكاتب هيثم حسين الذي كتب روائيات عديدة نالت الاهتمام، ليس فقط النشر بعدة لغات من بينها الكوردية، بل أيضاً "التزامها العميق بربط الثقافات المختلفة". ومن هذا المنطلق يرى الكاتب الذي عمل في الصحافة العربية ونشر مقالات نقدية كثيرة أن الأدب أفضل وسيلة للتواصل بين الشعوب، لأنه يتجاوز الحدود اللغوية والسياسية والجغرافية، ويتيح للأفراد أن يروا العالم من خلال عيون الآخر.   

نحن دار نشر بريطانية، يؤكد هيثم حسين ويضيف: "مجال عملنا وتركيزنا الأساسيّ هو العالم الغربيّ، الناطق بالإنكليزية تحديداً، وهناك كتب مهمّة سنصدرها باللغة الإنكليزية قريباً عن الكورد. ونعمل على إنشاء وتعزيز شراكات ثقافية مع مؤسسات ثقافية وإعلامية في بريطانيا وأوروبا والولايات المتّحدة الأمريكية. في حين أنّ النشر بالعربية والكوردية جزء من اهتمامنا بعالمنا الشرقيّ". 

وعن ماهية المشروع الذي تركز عليه منشورات رامينا أكثر من غيره، يقول الناشر حسين:

"المشروع الأبرز الذي نركّز عليه هو تقديم الأدب الكورديّ والعربيّ إلى القراء الناطقين بالإنجليزية، لأننا نؤمن أن للأدب الشرقي بريقاً خاصاً يستحقّ أن يصل إلى جمهور أوسع. مشروعنا لا يتعلق فقط بنشر الكتب، بل نسعى من خلاله إلى تعزيز الفهم المتبادل، وخلق حوار ثقافي قائم على الاحترام والتقدير المتبادل بين الشعوب". 

ولكن يبدو أن الترجمات إلى الإنجليزية ليست الهاجس الوحيد لدى الدار، ,كما يوضح الناشر الذي يقيم في لندن منذ سنوات فـ"إن نقل الأدب الكوردي إلى العربية وبالعكس، أحد مشاريعنا الفرعية، ويأتي في سياق تقديم الأدب الكوردي إلى العالم والعكس، لنكون جسراً بين الآداب والثقافات. وقد بدأنا بالعمل على مشاريع طموحة تهدف إلى ترجمة الأدب العربيّ، ومنه السعودي والعماني والسوري والبحريني والكويتي إلى الكوردية، وكذلك تقديم الإبداعات الكوردية المكتوبة بالكوردية، والتركية والفارسية إلى العربية، في محاولة لكسر القيود وتجاوز الحواجز الثقافية التي تعرقل التفاعل الأدبي".

صدرت عن منشورات رامينا، رغم أنها حديثة العهد، مجموعة متميزة من العناوين. وهي في طور بناء مكتبة غنية ومتنوعة تتناول قضايا المرأة، اللاجئين، المهمشين، والهوية، إلى جانب نشر الكتابات النقدية والإبداعية التي تعزّز السجالات الثقافية وتدعم القيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

ومن ضمن الكتب المهمة التي أصدرتها رامينا، يمكن الإشارة إلى "ملحمة المجد الخالدة" للسعودي اللواء الركن المتقاعد خالد المرعيد باللغة الإنكليزية عن الملك الراحل عبد العزيز آل سعود وكيفية استعادة الرياض، وكذلك كتاب "الأسلاف" للنيوزيلندية كيري هولم الحائزة على جائزة مان بوكر البريطانية، والتي تعمقت في تراث سكان نيوزيلندا الأصليين، و"ضمير الكلام" لإلياس كانيتي الحائز جائزة نوبل للآداب. هذه الكتب تمثل جزءاً من توجه الدار في تقديم أعمال أدبية وفكرية ذات قيمة عالية، تساهم في تعزيز الحوار بين الثقافات والاحتفاء بالتجارب الإنسانية المختلفة.

بالإضافة إلى تلك العناوين المهمة، وفي إطار جهودنا لتعزيز الأدب الكوردي والتعريف به، يقول هيثم حسين، أطلقنا سلسلة الشعر المترجم إلى الكوردية، وقد أصدرنا حتى الآن عدّة دواوين شعرية مهمّة. هذه السلسلة تمثل جزءاً من مشروعنا الأكبر لتقديم تجارب شعرية متنوعة من مختلف أنحاء العالم إلى القارئ الكوردي.




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved